الأرض.. انها لاتدور
نبيل الملحم
يتغير العالم، لأنه: يجب أن يتغير، وتدور الارض لأنها: يجب أن تدور.
وننتصب على أقدامنا منسحبين من حضائر أجدادنا الشمبانزي لأنه كان علينا أن ننسحب وفق ارادة تطورنا لا وفق ارادة تشارلز داروين، اول مؤرخ لهذا التطور الذي جعلنا نقع في مكيدة الانتماء للبشرية ونمشي على عامود فقري شاقولي .
ولكل صعود وهبوط فينا منحيين: الأول خاضع لارادتنا والثاني مستقل عنها ويتم غصبا عن رقابنا، وأمام كل صعود وهبوط ثمة من يعارض ارادة التغيير.
التغيير يستفز الراكد فينا، هو كذلك، التغيير في الموضة، التغيير في المفاهيم، التغيير في السلوك الانساني، التغيير في السياسة، التغيير في الفلسفة، التغيير في الاداب والفنون، وحتى التغيير في مواقيت النوم والنهوض.. يحدث ذلك لأن التغيير يهز كسلنا، وكان علينا أن نبجل الكسل لأنه مريح.
حين قال غاليلو أنها تدور، انتهى الى المقصلة، وحين حمل تروتسكي كتابه في الثورة الدائمة انتهى الى منفيا الى آلما آتا ليموت بمعزله، وحين جازف بونابرت بتكسير حدود الامبراطورية اغتالته ثورته وخانته جوزافين، وحين أطلق موتزارت مافوق موسيقى القصور، انتهى معتوها وراء أصابع بيانو حطم أصابعه، وحين ذهب أبو العلاء المعري لتمجيد سلطة العقل كفره التكفيريون، وحان قال المتنبي قصيدته، تلك التي تجازف بالراكد، مات فوق قصيدته في قرار شجاع هو الانتحار.
حين يحدث ذلك فلأن قوة الركود أقوى من قوة الحركة، وبلغة المثقفين فان قوة الستاتيك أقوى من قوة الديناميك، ومع ذلك، مازال صوت غاليلو يخترق صمت المقابر:
انها تدور.
ما الذي يحدث للعالم اليوم؟ من بوسعه أن لايقول : انها تدور؟
مطلع التسعينيات، كانت البيروسترويكا، وكان على الرفاق (الحمر)، يومها، وخصوصا حمر العالم الثالث، تحميل مايحدث من تطورات في روسيا السوفييتية الى (أصابع الغريب)، والى (أشباح تتحرك في الظلام)، والى (المؤامرة)، ويومها خرج منهم من يتظاهر الى جانب عجائز الساحة الحمراء، رافعين الرايات الحمراء، مطالبين باخراج جوزيف ستالين من قبره الى السلطة، ليحكم الاموات من وراء قبورهم الأحياء، ولكنها (روسيا) ذهبت نحو خياراتها، والقطار الروسي وقد مشى آنها على السكة التائهة حسب ماوصفه الصحفي محمد حسنين هيكل، عثر على سكته، وعادت روسيا للامساك بهويتها القومية، ولاستعادة دورها، وهو الدور الذي يبحث عن رفاهية الناس، وعن الحريات، وعن اطلاق روح الشباب في جسد أكلته الشيخوخة فاستعادت روسيا شبابها وسط نواح عجائز الأمس، وقد انتهكوا دموعهم على ماض مشدودين اليه بحبال.
الارض تتغير.. هي كذلك لأنها كذلك، وتتغير اليوم، ربما من الذروة.. من الولايات المتحدة الامريكية نفسها.. من بيت مال الكرة الأرضية.. من أكبر خزان نووي.. من قارة المارينز والحروب مرتفعة الشدة، وليس بوسعنا اغماض العين عن ذاك التحول الذي أوصل باراك أوباما الى قمة السلطة.. التحول الذي أوصل الرجل لا العكس، فالتحول أوصل أوباما وليس أوباما من أحدث التحول، فكان الرئيس الامريكي تعبيرا عن تحول هائل تشهده الولايات المتحدة.. تحولا سيقود الدولة الاعظم الى الانسحاب من العراق.. الى اغلاق غوانتانامو.. الى الالتفات للداخل الامريكي وفرص العمل وتسديد فواتير البنوك.. تحول يقول:
الذراع الامريكية الممدودة الى الخارج باتت تعمل نحو الامتداد الى الداخل الامريكي لتكون الاولوية فيها لدافع الضريبة الامريكي.. تحول قاد الرئيس الامريكي الى الاعتذار عن الكثير من الامس الامريكي.. حدث هذا في الولايات المتحدة، قارة اليوم وقوة اليوم، وحدث هذا في الاتحاد السوفييتي قارة الامس وقوة الأمس، وحدث:
لأنه يجب أن يحدث.
ماالذي حدث، وما الذي يجب أن يحدث في بلادنا العربية من الماء الى الماء؟
هو السؤال المؤجل..
مؤجل في السياسة، ومؤجل في الفنون والآداب.. ومؤجل في الحياة اليومية، ومؤجل في فن المطبخ العربي، ومؤجل في خطابات القمة.. ومؤجل في عناوين الصحف.
كل الاعتذارات من الناس العرب مؤجلة، والحقيقة الوحيدة التي نعيشها مازالت:
الأرض لاتدور.
هي الحقيقة لافي النظام العربي وحده.. النظام المشدود الى الراكد.. هي كذلك حقيقة المجتمعات العربية التي مازال صوت المرأة فيها :”عورة” في الحرملك العربي الكبير.