أوباما.. حنبليّ أم شافعيّ ؟
نبيل الملحم
العرب ، خصوصا المسلمين منهم، هلّلوا لخطاب الرئيس الامريكي أوباما. المهللون وجزء كبير منهم ينتمي إلى النخب السياسية والثقافية، زغردوا للخطاب باعتباره خطابا استحضر من “القرآن” آيات بدت مستعصية على الترجمة، والمهلّلون، وجزء آخر منهم، هللوا للخطاب بصفته ينتمي الى العرق الاسود، لأن صاحبه ينتمي الى العرق الأسود. وعلى الطرف الأخر، صخب وغضب، والصخب والغضب، كلاهما من مواقع الذين يطلبون من الرئيس الامريكي أن يكون ناطقا رسميا باسم خالد مشعل، أي أن ينحّي محمد نزال ويجلس مكانه، ليكون :” أوباما حماس لا أوباما الديمقراطيّ”. أرضى الخطاب بعضهم، وأغضب الطرف الآخر وكلاهما الراضي والغاضب، من ذات الموقع وذات الخندق.
في الحاليْن: المهلّلون والغاضبون، انطلقوا في قراءة أوباما على أساس أنّه مسلم بعمامة أو مسلم (بالجينز)، ولكن أوباما كان السباق الى قراءة الذهنية العربية التي خاطبها من جامعة القاهرة، وربما أخطأ في اختيار المكان، فالمكان الأكثر حيوية بالنسبة للذهنية العربية كان يمكن أن يكون: غرزة على النيل، لاجامعة لها تراثها في الحوار الديمقراطي الذي انتهى الى الانتصارات الساحقة التي سجلها الاسلاميون على الجامعة، فانتصرت العمامة على الرأس، وصارت جامعة القاهرة حاضرة من حواضر (القاعدة) التي تتوانى عن الاعلان عن نفسها.
الرئيس أوباما، ودون الكثير من التردّد، نموذج للساحر فينا، وبتعبير آخر نموذج لما نحبّ أن نكونه أفرادا ومجموعات، فالرجل حاضر برشاقته، خطيب ينتزعك من مقعدك الى منصّته، رجل جاذب بكل المعاني، وهو يستند في الذاكرة اللامرئية الى ميراث من كفاح بشر حملتهم الزوارق عبيدا الى أرض الوعد، فكافحوا ليصيروا:
– مرّة محمد على كلاي، وثانية أنجيلا ديفنز، وثالثة مايكل جاكسون، وفي كل مرة يكسرون التقليد الأمريكي المحافظ، ويرشقون العالم بانعطافة تسمح للعين المغمضة أن تنفتح على المبهر.
أوباما في المحصلة هو ابن لأبوين، ولنقل أبن لأمّيْن:
الأولى الولايات المتحدة، بلاد الاختبار والتجريب والتجديد، وتجاوز الثابت نحو متحولات تفقأ العين، وهو كذلك ابن لأم أخرى هي افريقيا، القارة البكر، التي لم تؤسس لأيّ من ستاتيكنا، فباتت القارة المنفتحة على خيارات لاتجرها عربة ملكة بريطانيا اليزابيت الثانية وقد شاخت خيولها كما شاخت ملكتها.
كلّها عوامل جذب في الزعيم الشاب، وكلّها عوامل هي المأمول فينا وقد أسقطت على القادم من وراء الأطلسي، وكلها تحولت الى طلبات تقدم على شكل رسائل الى الرئيس الامريكي الذي بتنا نطلب منه أن” يحلحل ” مشاكلنا، عربيا وإسلاميا، فنجره إلينا بدلا من أن نصعد اليه، وبلغة ثانية نحمله قضايانا بصفته (أوباما ابن حسين)، لا بصفته ابنا للمتحول الامريكي، الذي لن يكون إلا أمريكيا في استحقاقاته ومصالحه، وتطلعاته، يتقاطع مع سابقيه ليفترق عنهم، وفي التقاطع والافتراق، يبقى الرئيس أمريكيا، أي واحدا من المؤسسة التي تنتج أفرادا استثنائيين، لا أبطالا تاريخيين، والفارق مابين الأوّل والثاني، أنّ الأول موجود لشعبه، والثاني محقق بإلغاء شعبه، لتكون لغتنا معه، لغة غير مفهومة، بمصطلحاتها، وتلاوينها، وبلاغتها.
ومربط الفرس أننا نطلب من رئيس الولايات المتحدة، أن يكون :” من أهل البيت”، مرة في موقفه من الصراع العربي الاسرائيلي، وثانية من صراع أو حوار الحضارات، وفي كل مرة أن يكون، عربيا ومسلما، مايعني أنّ مشكلتنا مع الولايات المتحدة تتحدد بالعرق والدين، وهذا الجزء الغالب على وعي الناس بشرط الحوار مع الولايات المتحدة الأمريكية، البلاد التي تحمل فوق ترابها الصيني والمكسيكي والأنغلو ساكسوني، وربما بشر ينتمون في الجذور الى غجر المجر وأتراك آسيا، والشرط المحدد للمواطنة فيها هو دافع الضريبة المنتمي الى علم يحمل 51 نجمة على خلفية زرقاء وحمراء، وهو العلم الذي شهدت الولايات المتحدة في طريقها الى رفعه، حروبا أهلية دامية، وإنجازات علمية مذهلة، ومطامح لبشر دخلوا المغامرة العقلية منذ الإسباني كولومبوس، وصولا إلى صاموئيل هنتنغتون صاحب صراع الحضارات، وليس بالوسع أبدا المقامرة بتشبيه هؤلاء بمفتي الديار المصرية المنشغل حتّى اللّحظة بفتوى إرضاع الزميل.
وصل أوباما الى الأراضي العربية، ليوطّد أساسا لمرحلة أمريكية جديدة تشمل فيما تشمل:
– احتمالات الانسحاب من العراق.
– العودة الأمريكية إلى ملف الشرق الأوسط وقد طوته حرب العراق.
– الخروج من المآزق المالية الأمريكية الكبرى التي أنتجتها إفلاسات ليمان برذرز وآخرون.
– مواجهة التحدّيات الإيرانية المقبلة على المصالح الأمريكية في المنطقة.
– وضع اسرائيل في الخرائط الأمريكية المقبلة.
عناوين ربّما ستكون إفغانستان واحدة من أبرزها خصوصا وأنّ الغرائز الإسلامية تتجه نحو التصفيق لبن لادن الذي صحا من غيبوبته ليرسل خطابا مندّدا بأوباما سبقه إليه أيمن الظواهري.
كلّها عناوين غابت في زحمة حوار كاد أن يصل الى أسئلة من نوع:
– هل باراك أوباما حنبلي أم شافعي، وهل يقرأ الفاتحة مع سكّين الذبيحة أم يطلق عليها الرصاص؟
مشكلة العرب، الذين طالما سخروا من عبّاس بن فرناس، أنّهم لم يتعرّفوا على حقائق الطيران.