هذه الأنظمة وهذي خلاجينها
د. صلاح عودة الله
من المعروف أن الكيان الصهيوني الغاصب بني على أرض فلسطين التاريخية وعلى أنقاض جثث أبناء الشعب الفلسطيني والامهم ومعاناتهم وتشردهم في أصقاع المعمورة..رئيس وزراء هذا الكيان بنيامين نتنياهو يملك من الجرأة والشجاعة ما لا يملكه أي زعيم عربي, ففي خطابه الأخير قام هذا الرجل بالدفاع عن “قضيته” الباطلة أصلا دفاعا مستميتا, وبالمقابل يقوم الزعماء والقادة العرب بالتنازل عن حقوق شعوبهم بالرغم من شرعيتها وعدالتها وعلى رأسها قضية فلسطين, والتي اعتبرها العرب في يوم من الأيام قضيتهم المركزية الأولى..انها مفارقة أليمة جدا, ولكن لا نملك الا أن نقول بأنه من الواجب علينا احترام هذا الرجل, بل انه يفرض احترامه علينا وعلى غيرنا من الخلق شئنا أم أبينا, لأنه مخلص”لقضيته” ويرفض كل القرارات بما فيها قرارات الشرعية الدولية المعارضة لكيانه الغاصب وأهدافه التوسعية السرطانية, حتى انه أختلف مع أوباما زعيم أمريكا الراعية الأولى لكيانه, أفلا يستحق كل هذا التقدير والثناء؟.
في خطابه وضع نتنياهو خطته لحل النزاع مع الفلسطينيين, فالقدس الموحدة عاصمة”اسرائيل” الأبدية, والمحافظة على النمو الطبيعي للمستوطنات مطلب”وطني وقومي”تجب المحافظة عليه, والاعتراف بيهودية كيانه مما يلغي حق العودة, ووهب الفلسطينيين كيانا يشبه”الغيتو” منزوعا من السلاح لا حول له ولا قوة.بعد هذا الخطاب كنا نتوقع ردودا عربية غاضبة وعاصفة, أقلها أن تقوم الدول العربية التي تربطها علاقات دبلوماسية مع الكيان الصهيوني باستدعاء سفراء هذا الكيان لديها وتقديم احتجاجاتها, ولكن هذا لم يحدث, فماذا لو طالبنا هذه الدول بقطع علاقاتها هذه مع هذا الكيان؟..يا لسخرية القدر, لقد كانت ردود الفعل العربية الرسمية غاضبة على خطاب نتنياهو لأنه رفض التزامه تجاه ما يسمى بالعملية السلمية, وهذ الأمر يثبت لنا من جديد تخلف الأنظمة العربية ورجعيتها, ويثبت لنا أيضا مدى حنكة وتقدم القادة الصهاينة, فقادتنا ينظرون الى الخلف والصهاينة يتطلعون دوما الى الأمام البعيد.
والسؤال الذي يطرح نفسه, ماذا تتوقع الأنظمة العربية من نتنياهو وكيانه؟, هل تتوقع أن يقوم هذا الكيان بتقديم تنازلات من شأنها أن تمنح الفلسطينيين دولة مستقلة ذات سيادة كغيرها من الدول؟, وهل تعرف هذه الانظمة أن ما تم أخذه بالقوة لا يسترد بغيرها؟, وهل تعرف أن الحرية تؤخذ ولا تعطى؟.لقد دخلت هذه الأنظمة الخائبة في دائرة المفاوضات مع الكيان الصهيوني تاركة أسلحتها في غمدها, متناسية مقولة مهندس الانتفاضة الفلسطينية الأولى الباسلة الشهيد خليل الوزير”أبو جهاد”:”إن مصير الاحتلال يتحدد على أرض فلسطين وحدها وليس على طاولة المفاوضات, ولماذا لا نفاوض ونحن نقاتل؟”..وقد قررت هذه الأنظمة التوقيع على اتفاقيات سلام, بل استسلام مع هذا الكيان واقامة علاقات دبلوماسية على مستوى سفراء, مع أنها لا تربطها علاقات مع بعض شقيقاتها العربية على نفس الدرجة من التمثيل الدبلوماسي..نعم مرت سنوات عديدة على اقامة هذه العلاقات, ولكن, أين اختفى السلاح العربي؟, أين وضع سلاح النفط والغاز الطبيعي, هل أكله الذئب؟..لقد كانت هذه الأنظمة خاضعة للاملاءات الأمريكية وقد أخذ هذا الخضوع بالازدياد بشكل رهيب بعد توقيع معاهدات”السلام” مع الصهاينة, والأنكى من كل ذلك أن صمت هذه الأنظمة عن الاهانات أصبح أمرا مألوفا لا بد منه, كيف لا وقد مات اهل المروءة, فوزير خارجية الكيان الصهيوني الارهابي الحاقد ليبرمان قال في يوم من الأيام وهو ليس ببعيد”ليذهب رئيس مصر الى الجحيم”, وقال أيضا”يجب علينا قصف السد العالي وتدميره تدميرا كاملا”, أليست هذه اهانة عظمى؟, ومع ذلك لم يفعل المهان أي شيء بل على النقيض استمر المهان في التعامل مع المهين وكأنه شيئا لم يكن, فعلا انها أنظمة قد أدمنت على الاهانة..لست مدافعا عن ايران, ولكنني أسأل وأتسائل:ماذا كان سيحصل لو كان مثل هذا الكلام صادرا عن وزير خارجية ايران؟, والجواب الذي يتبادر الى ذهني ولا أشك فيه هو, ستقوم القيامة وستهتز الأرض وتخرج أثقالها, وستستخدم هذه التفوهات كمبرر لاستمرارية حالة انعدام العلاقات الدبلوماسية مع ايران وللتحذير مجددا من الهلال الشيعي والخطر الكامن من وراء التغلغل الفارسي.
انها فعلا حالة من الانبطاح والاستسلام يندر أن يجود التأريخ بمثلها, ولكن يا حبذا لو اكتفت هذه الأنظمة بها, فالأمر تعدى ذلك بكثير, فأصبحت الخيانة مجرد وجهة نظر, والمقاومة ارهابا..ففي لبنان كانت بداية المسرحية والى فلسطين امتدت ولا يزال المشهد مستمرا.فقد شن الصهاينة حربهم الأخيرة على لبنان بضوء أخضر وتواطؤ عربي وذلك لضرب وسحق المقاومة اللبنانية ممثلة بحزب الله, هذه المقاومة التي عرت هذه الأنظمة أمام شعوبها وأمام شعوب العالم وقواه التحررية, وقد تمت اعادة المشهد نفسه في مجزرة الصهاينة في غزة في اواخر العام الماضي وبداية العام الحالي والهدف انهاء ظاهرة المقاومة الفلسطينية الممثلة بحركة حماس..والنتيجة في كلا المشهدين انتصار المقاومة وفشل الصهاينة والأمريكان ومن تواطأ معهم من الأنظمة العربية, لأن مقاومة المحتل حق شرعته القوانين الدولية ولن تستطيع أية قوة ومهما عظمت أن تطفىء نارها لأنها تسير في عروق الشعوب الحية, وهنا أستذكر ما قاله الشاعر الفلسطيني الراحل راشد حسين مخاطبا الأعداء: ومهما صنعتم من النيران نخمدها**ألم تروا أننا من لفحها سمر؟.
لقد رضيت هذه الأنظمة على نفسها الهوان والذل والنتيجة أنها حصلت على الاهانات المستمرة التي لن تفارقها بل أصبحت مرادفة لها, ورضيت أن تقوم بمحاربة شعوبها بالوكالة عن أعدائها وبالتنازل عن حقوقها الشرعية والنتيجة أنها حصلت على التجاهل والصفعات, وخير دليل على ما أقول هو ترحيب الرئيس الأمريكي أوباما بخطاب نتنياهو والثناء عليه بعد أقل من أسبوعين من خطابه الذي سمي زورا وبهتانا ب”التاريخي” في جامعة القاهرة ومخاطبة المسلمين لكسب ودهم وتطرقه الأجوف الى معاناة الشعب الفلسطيني..لكل هذه الأمور والأسباب نقول أحسنت صنعا يا نتنياهو بما فعلته بهذه الأنظمة العربية الخائبة, فقد قمت بتعريتها وكشف حقيقتها, وكما يقول المثل الكويتي القديم”هذا سيفوه وهذي خلاجينه”, رحم الله قائله وأعان الله شعوب العرب على حكامهم..!.
القدس المحتلة
خاص – صفحات سورية –