صفحات مختارة

التأسلم المذهبي الجديد القديم

عبد اللطيف المنيّر
تطورات الأحداث التي تمر بها المنطقة، ابتداءً من غزة. وامتداداَ لعدم الاستقرار السياسي في بغداد. مرورا بالمدّ الشيعي – الإيراني في شمال افريقيا، ومواقف مصر والمغرب اتجاهه. ونهاية بالتمرد الحوثي في جبال اليمن. وبعض احداث الشغب في بعض دول الخليج العربي. والتي يدفع ثمنها أولا واخيراَ، تلك الشعوب المقهورة والمغلوبه على أمرها، والتي كانت إيران دينامو الدفع بإنضاجها، واحكام الطوق على منطقة الشرق الأوسط، تنفيذا للمشروع الإسلاموي الإيراني المذهبي الإنفصالي الجديد.
هل هذه التطورات وليدة أحداث آنية؟ أم هي نتيجة تجاذبات واحتكارات سياسية، ومماحكات فكرية، في كل من المناطق المذكورة آنفا؟ أم هو المشروع “البديل” للمشروع الأميركي لشرق أوسط جديد؟ وإذا سألنا جموع “الانفصاليون الجدد” السؤال البديهي والبسيط، ما هي مقومات مشروعكم وأهدافه على المدى الطويل، وهل سبل نجاحه متوفره على الصعيدين المحلي والدولي؟. سيكون الجواب سلبا وبشكل صريح وقبل الدخول في تفاصيله، هو وضع المنطقة برمتها بعدمية الاستقرار الأمني فقط !
وإذا سلمنا جدلا، ونحن مغمضو الأعيُن، أن ندعم المشروع الانفصالي الجديد، لاهثين وراء شعاراته الرنانة، فهل تتحمل شعوب هذه المناطق تبعات ما سلمنا إليه، وندخل بها في دوامة مائة عام أخرى من العزلة؟!.
هؤلاء الانفصاليون المنضوون تحت لواء “التأسلم المذهبي” والذين يدّعون حمل مشروع مضاد للمشروع الأميركي الشرق أوسطي، والذين يكررون نظرية الأحزاب الإسلامية “الممانعة” وتطبيقاتها القديمة الجديدة في الخطابات الدعوية التي ما فتئوا ينفثونها على مسامع الشابات والشباب وبعض النخب السياسية، على مدى أكثر من ثلاثين عاما، دغدغة لمشاعرهم واستغلالاً للغة الدين الأصولية المنهج، لتحقيق حاجات سياسية وصولية، جاءت في سعيها الانفصالي لتثبت أنها – وعن غير دراية – تنفّذ مصالح وغايات الغرب – الذي طالما تنبأ مناهضو المشروع الأميركي بشرّها المستطير.
كنا نتوقع من هؤلاء أن يكون استثمارهم لسنين نضالهم وبعض انتصاراتهم أفضل من أن يوظف في مشاريع انفصالية تؤدي مزيدا من التفكك في دولهم التي رعتهم ودعمتهم ووقفت بجانبهم في مسيرة التحرير. وكنا نتوقع أن يقف حزب الله مثالا، كتفا بكتف إلى الجيش اللبناني في معارك نهر البارد! وكنا نتوقع أيضا أن تقف حماس بندّية المفاوض جنبا إلى جنب والسلطة، وتكون داعما لها في المطالبة بحقوق الشعب الفلسطيني.
اليابان خرجت من الأزمة المستعصية في مواجه أمريكا بمقارعتها اقتصاديا، ومنافستها علما وتقنيه، لاعنفا وتدميرا قاتلاً لكلاهما. فهل ترتقي الجماعات المسلحة في لبنان وفلسطين والعراق واليمن إلى مستوى الخطاب السياسي في مقارعة الأقوى لمواجهة المنافس الضد، إذ لا يمكن حمل السلاح والتلويح بتبني مشروع تنويري نهضوي في منطقة الشرق الأوسط في آن؟ وهل تتخلى تلك الجماعات عن لغة السلاح كأداة فصل، إذ أن عسكرة السياسة مناقضة تماما للمفهوم المنطقي للوصول الى الأهداف المنشودة، تجربة نيلسون منديلا مثالا؟!.
ذلك تماماً ما نهجه الجيش الجمهوري الأيرلندي عندما اختار أن يتحول إلى حزب سياسي، بعد محاولات جيري آدمز (الجناح السياسي) بإقناع الشين فين (الجناح العسكري) بإلقاء السلاح، منهيا في اتفاقية بلفاست عام 1998 مايقارب مائة عام من البؤس والدمار، وأصبحت لغة السياسة والتي اختصرت سنين الضياع، هي أقوى من رصاص العسكر والموت! فهل تستفيد مليشيات منطقتنا من تلك التجارب النضالية في الخروج من بوتقة اللاحرب واللاسلم المستديمة !
mounaier@gmail.com
كاتب سوري مقيم بأميركا
خاص – صفحات سورية –

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى