صفحات العالم

زيف خرافات الشرق الأوسط تحت المجهر

غريغوري سكوبليت
Myths, Illusions and Peace…
يبرهن الصراع العربي – الإسرائيلي خطأ المثل القائل «بالتمرّن التمرّس». فالإخفاق يبقى، على ما يبدو، سيد الموقف رغم محاولات واشنطن كافة لعقد السلام.
يعمد الدبلوماسي والكاتب دينيس روس والمحلل ديفيد ماكوفسكي في كتابهما
Myths, Illusions and Peace: Finding a New Direction for the U.S. in the Middle East
(الخرافات والأوهام والسلام: العثور على اتجاه جديد للولايات المتحدة في الشرق الأوسط)
الصادر عن «دار فايكينغ» في يونيو 2009 إلى عرض آرائهما عن أسباب اصطدام إدارات أميركية كثيرة بحائط في الشرق الأوسط، وما يمكن أن تفعله واشنطن لضمان النجاح في المستقبل.

نظراً إلى مدى شمولية الكتاب وبلاغته، يجب على كل مَن يهتم بشؤون الشرق الأوسط قراءته، لا سيما أنه قبيل نشره، عُيّن دينيس روس مستشار وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون لشؤون إيران والخليج العربي. فانتقل منذ ذلك الحين إلى البيت الأبيض للحصول على نظرة أوسع إلى قضايا الشرق الأوسط.
كي تستهل الولايات المتحدة مسيرتها في الاتجاه الجديد، يحاول الكاتبان فضح زيف مجموعة من الخرافات حول هذه المنطقة وعملية السلام. وفيما يعمل الكتاب على تفحص الخرافات عبر التطرّق إلى التاريخ الدبلوماسي والروايات الموثوق منها، يُشكل بحد ذاته نتاج حكمة (إذا لم تكن خرافة) مثيرة للجدل حول مصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
تقول الحكمة إن الولايات المتحدة بسبب اعتمادها على النفط (تستورد جزءاً صغيراً منه من الشرق الأوسط) مضطرة إلى أخذ القيادة في توجيه شؤون المنطقة. لكن مفارقة الكتاب الكبرى أن الكاتبين يبرهنان بطريقة مقنعة أن هذه السياسة غير ضرورية إلى حد كبير. في الفصل الافتتاحي، يقوضان خرافة الارتباط، أي فكرة أن الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني هو أصل مشاكل الشرق الأوسط. وكما يثبت الكاتبان بشكل مقنع، هذه الفكرة مغلوطة تماماً. {يسعى الحكام العرب إلى تحقيق مصالحهم الشخصية حسبما يحددونها هم لا الفلسطينيون. ولم يؤدِّ القتال بين الإسرائيليين والفلسطينيين خلال العقد الماضي المضطرب إلى زعزعة المنطقة، أو حتى إلى الإطاحة بأي نظام}.
يظهر أيضاً زيف الارتباط في أكثر المواضع أهمية، ألا وهو النفط. استخدمت البلدان المصدرة للنفط في الشرق الأوسط سلاحها النفطي مرة، ورغم القلق الذي يسببه راهناً للولايات المتحدة، فقد انفجر في وجه تلك البلدان. إذ خففت المملكة العربية السعودية، على حد تعبير روس وماكوفسكي، الضغوط في هذا الشأن لأنها تخشى أيضاً عواقب تخصيب إيران اليورانيوم على النفط المكلف. نتيجة لذلك، باتت تقدر علاقتها مع الولايات المتحدة أكثر من القومية العربية الرمزية والتضامن مع الفلسطينيين. كذلك عمدت دول أخرى إلى شراء النفط الشرق أوسطي وأعادت بيعه إلى الولايات المتحدة.
أثارت هذه الحوادث كافة السؤال: إذا كان الصراع العربي – الفلسطيني غير مرتبط بأي مسائل إقليمية، وإذا كانت الدول العربية لا تتأثر به وستواصل بيعنا النفط بغض النظر عما يسفر عنه، لمَ لا نزال نحور وندور حول الشرق الأوسط؟ يبدو أن روس وماكوفسكي أدركا أنهما قوضا حجة التدخل الأميركي المستمر. فيصران على أن الصراع يشكل مصدر شكوى يتغذى الإرهابيون عليها. لذلك، تتخذ الحجج الناجمة منحى دائرياً: علينا أن نتدخل في الشرق الأوسط كي نتفادى عواقب تدخلنا.
وبما أن إدارة أوباما اختارت روس، فمن الآمن الافتراض أنها ستواصل عملها ضمن أطر الحكمة التقليدية. في هذه الحالة، تبدو النصائح المقدمة في كتاب
Myths, Illusions and Peace
منطقية للغاية. فهي تتركز على تواضع ما يمكن إنجازه، تواضع جاء وليد الخبرة
والتجارب. لا تشكل الحرية والسلام محور هذا الكتاب، إلا أن الكاتبين يفصّلان الخطوات الأولى الضرورية في حال أرادت الأطراف المعنية تحقيق تقدّم يُذكر في هذا المجال.
عندما تقرأ الكتاب، يراودك شعور غريب بأن إدارة أوباما ستخرج عن المسار الصحيح. قارن تسرّع كبير موظفي البيت الأبيض رام إيمانويل في تأكيده التوصل إلى اتفاق نهائي حول وضع الدولتين مع نهاية ولاية الرئيس أوباما الأولى بإصرار الكاتبين على أن السلام لا يمكن أن يُفرض على الإسرائيليين والفلسطينيين. يجب أن يعتاد الشعبان القيام بتبادلات ضرورية للتوصل إلى اتفاق من هذا النوع. ولم تبدأ أي من الحكومتين الإسرائيلية والفلسطينية بهذا العمل الشاق. فبدلاً من لجوء إسرائيل إلى القوة (حلّ يفضله الواقعيون) أو تجاهل الفلسطينيين (ابتكار المحافظين الجدد)، يقترح الكاتبان سلسلة خطوات تصاعدية ستعود على الشعبين بفوائد مباشرة وملموسة وتدفعهما نحو الخطوات التالية الأكثر صعوبة. ويجب أن يقتصر دور الولايات المتحدة على رؤية ما سيتقبله الطرفان، لا إعلان الحل من البداية.
أما في يتعلق بإيران، فقد حملت نصائح الكتاب أيضاً معانٍ كثيرة. فمن المستحيل تغيير النظام في الوقت المناسب للحؤول دون تطوير إيران أسلحة نووية. وتُعتبر الضربات العسكرية خطيرة جداً. على رغم ذلك، لن يرضخ النظام في طهران ما لم يشعر الحكام أن حياتهم مهددة. وعلى الغرب أن يلجأ إلى عقوبات صارمة بحق أو تهديدات فاعلة باللجوء إلى القوة العسكرية في حال أراد أن يثمر الحل الدبلوماسي. على رغم ذلك، يقترح الكاتبان التحاور المباشر مع إيران عبر قناة سرية.
بالإضافة إلى ذلك، يدعم
Myths, Illusions and Peace
بطريقة غير مباشرة مبدأ إبقاء إسرائيل عنصراً أساسياً في
سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. يقدّم الكاتبان أدلة مقنعة بشأن مواصلة دعم إسرائيل لأسباب أخلاقية. إلا أن حججهم تصبح واهية نوعاً ما عند الحديث عن العائدات الاستراتيجية، ربما لأن هذه الأدلة متحيزة لطرف واحد بوضوح. يستهل روس وماكوفسكي كتابهما بحض الولايات المتحدة على التدخل في صنع السلام لأن الغضب الناجم عن الصراع العربي – الإسرائيلي يغذي الإرهاب. ثم يختمانه بالتشديد على أن إسرائيل تمثّل فوائد إستراتيجية بالنسبة إلى الولايات المتحدة لأنها «حصن» و{رادع» في وجه الأصولية. إذاً، أيهما هي؟
فضلاً عن ذلك، يؤكد الكاتبان أنه منذ عام 1973، حين قدمت الولايات المتحدة كامل دعمها لإسرائيل، تحولت إلى «لاعب دبلوماسي ذي شأن» في «الشرق الأوسط الغني بالنفط». وهنا أيضاً لا يسعنا إلا أن نتساءل عن مدى قيمة هذه العملة. سبق أن أوضح الكاتبان أن الدول العربية لن تتوقف عن بيعنا النفط، وشددا على ضرورة ألا نستخدم قوتنا الدبلوماسية الكبيرة لفرض أمر ما على مختلف الأطراف الجالسين إلى الطاولة. كذلك قالا إننا لن نتمكن من التمهيد لعصر ذهبي حتى لو تمكنا من حل الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي. طبعاً من الجيد أن نحلم بعصر ذهبي، لكن ألا يجب أن نتوقع فوائد أكبر؟
علاوة على ذلك، قُتل آلاف الأميركيين على يد إرهابيين عرب منذ أن أصبحت الولايات المتحدة «لاعباً دبلوماسياً مهماً» في الشرق الأوسط. كذلك شهدت المنطقة منذ عام 1973 عدداً من التدخلات العسكرية الأميركية والتفجيرات والحروب (في ليبيا، لبنان، إيران، والعراق). ربما لا تمت هذه التطورات بأي صلة لدورنا في المنطقة الذي يزداد عمقاً. أو لعلها بكل بساطة كلفة لا يمكن تفاديها في حال أردنا تأمين النفط. إلا أنها باتت واقعاً ملموساً. على رغم ذلك، بالكاد تطرق الكاتبان إلى هذا التاريخ.
يرسم
Myths, Illusions and Peace
ما يمكن وصفه بأنه طريق وسطي ومنطقي إلى حد ما يمكن للولايات المتحدة أن تسلكه في الشرق الأوسط. إلا أنه خالٍ للأسف من أي مخرج.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى