نار تحت رماد “قوس الأزمات”
سعد محيو
الآن وقد انشطرت الأمة الإيرانية إلى شطرين متساويين يعيشان شبه حرب أهلية باردة، تكون دائرة “قوس الأزمات” الكبير في الشرق الأوسط الكبير قد أغلقت واكتملت فصولاً.
فباكستان وأفغانستان باتتا ساحة الحرب الساخنة الجديدة، التي يمكن أن تستمر سنوات عدة وتجر إليها العديد من دول المنطقة إضافة إلى دول حلف الأطلسي. وليست العمليات التي قام بها الجيش الباكستاني (والطيران الأمريكي) ضد طالبان الباكستانية، ثم الهجوم الكبير الذي شنته قوات البحرية الأمريكية ضد طالبان الأفغانية في جنوب البلاد سوى أول غيث هذه الحرب العامة.
والعراق، الذي انسحبت من مدنه مؤخراً القوات الأمريكية، سيكون من الآن فصاعداً مرشحاً لشتى الاحتمالات التي تتقاطع عند نقطة واحدة: دخول بلاد الرافدين في مرحلة صعبة قد تصبح قريباً خطيرة.
وكذا الأمر في فلسطين ولبنان والأردن وإلى حد ما سوريا، والتي تعيش هذه الأيام في غرفة انتظار أو في مرحلة انتقالية لا أحد في وسعه الجزم إلى أين ستؤدي.
مصر والخليج والمغرب العربيان تبدو لوهلة مناطق خارج قوس الأزمات هذا. لكن هذه الوهلة خاطئة. فهي في الواقع في قلبه بفعل كل من التداعيات المحتملة للانفجارات الإقليمية عليها، من جهة، وبسبب الأزمات الديمغرافية والاقتصادية – الاجتماعية والثقافية العنيفة التي تتعرض إليها، من جهة ثانية.
الآن، وطالما أن المشهد على هذا النحو، كيف يمكن للمبادرات الكبرى التي تقدمت بها إدارة أوباما، والتي تضمنت مد اليد إلى العالم الإسلامي، والحوار مع إيران، والتفاهم مع دمشق، والضغط بقوة لتحقيق تسوية فلسطينية – “إسرائيلية”، أن تقود إلى سلام أو استقرار ما في الشرق الاوسط؟
ثم: يجب ألا ننسى هنا أن الحرب المندلعة الآن في أفغانستان هي حرب أمريكية. وكذا الأمر في باكستان، على رغم أن الطرف المنفّذ هو الجيش الباكستاني. كما أن إدارة أوباما، وعلى رغم تلويحها بالحوار مع حركة حماس، لم توقف بعد دعمها العسكري لأجهزة السلطة الفلسطينية بهدف موازنة قوة حماس أو حتى التغلب عليها كما حدث مؤخراً في قلقيلية، ولم تخرج حزب الله اللبناني من دائرة استهدافاتها.
كل هذه المعطيات تعني شيئاً واحداً: قد تكون صرخات السلام مدوية في الشرق الأوسط، وهي كذلك بالفعل، لكن ما يجري تحت الأرض يوحي بأن الحرب لا تزال تحت الرماد، تماماً كما كان الأمر طيلة ثماني سنوات من عهد إدارة بوش.
وهذه ليست مجرد فرضية. كتب جيم هوغلاند مؤخراً (28 يونيو/ حزيران) في “واشنطن بوست”: “التغيرات الإيجابية في الشرق الأوسط قد لا تحدث قريباً، إلا بعد اندلاع توترات إقليمية حادة أو حتى عنف تشعله إما إيران أو “إسرائيل” أو كلاهما بشكل منفصل. وهذا يعني أن الفكرة بأن القوة يمكن أن تجعل الأمور أفضل، لما تهجر بعد منطقة الشرق الأوسط”.
خلاصة غير مطمئنة؟ بالتأكيد. واللااطمئنان سيتفاقم أكثر بكثير إذا ما خرجت الأمور عن نطاق السيطرة في إيران، وبات هذا الطرف أو ذاك في حاجة إلى مغامرات خارجية لتعزيز مواقعه الداخلية. إذ حينذاك، قد تلتهم النيران كل أنحاء “قوس الأزمات الكبير”.
الحليج