بيانات وتقاريرصفحات العالم

أوباما والمنطقة – آفاق التوجه الأمريكي الجديد

null
بيان إلى الرأي العام
شكل الخطاب الذي ألقاه الرئيس الأمريكي باراك أوباما ، في الرابع من حزيران الماضي ، وتوجه به إلى المنطقة والمسلمين في العالم خطوة هامة بالمعنيين السياسي والتاريخي بالنسبة لمنطقة تكتنز المآسي وتمور بالاضطراب ، وتحدو شعوبها طموحات وتطلعات نحو مستقبل أفضل .
لقد جاء أوباما إلى المنطقة حاملاً رسالة أمريكا التي تريد طي صفحات من تاريخها الحديث ، ماداً يده إلى العالمين العربي والإسلامي مستفيداً من رمزية المكان ، وتطرق في خطابه هذا إلى قضايا وعناوين هامة ، تفاعلت وتتفاعل بها أوضاع المنطقة ( الديمقراطية والتسامح والحوار والسلام والتطرف والتسلح النووي والحريات الدينية وحقوق المرأة والتنمية ) .
ما قاله أوباما كان هاماً بالنسبة لنا نحن شعوب المنطقة ، التي عانت كثيراً من تبعات السياسات الأمريكية ، وفي مقدمتها الدعم غير المحدود لإسرائيل في عدوانيتها وتوسعيتها وعنصريتها منذ قيامها بقرار دولي عام 1948 ، ثم اختتمت تلك السياسات باحتلال العراق وتداعياته الكارثية .
نعتقد أنه من المفيد لقضايانا أن نستقبل طروحات أوباما بشكل إيجابي وتفاعل بناء على حداثة عهده ، لأنه تعبير عن إرادة الشعب الأمريكي الذي اختار التغيير ، ليس فقط بما يعنيه من تجاوز للمغامرة والتفرد والارتجال التي وسمت السياسة الأمريكية بعد الحادي عشر من أيلول ، إنما التغيير الذي اختارته أمريكا واختارت له أوباما هو تعبير عن توجهات أمريكا المستقبلية ، وسوف يعمل في عدة اتجاهات كما تشير بوادره . ما يهم قضايانا منها  : تراجع البعد العسكري في العلاقات الدولية الذي طبع السياسة الخارجية لأمريكا وعلى الأخص في مرحلة بوش . واعتماد سياسة المشاركة والحوار والمصالح المشتركة في علاقتها مع دول العالم ومنها الدول العربية والإسلامية عوضاً عن سياسة التفرد بالقرارات وإملائها على الآخرين .
ربما أن السيد أوباما يعرف ، وكذلك النخب وقادة الرأي في أمريكا قضايا المنطقة وهمومها ومعوقات تقدمها ، لكن لنا تساؤلات مشروعة بهذا الخصوص ، تنصب على درجة الحساسية التي يقارب بها الأمريكيون سياسياً هذه القضايا ومدى استعدادهم للانخراط والمساهمة الفعالة في معالجة مشاكلها بالتشارك مع أبناء المنطقة ، وفي ذلك لا شك مصلحة أمريكية ومصلحة عربية .
إن منطقتنا تعاني مشاكل معقدة في مستويين متقابلين ومترابطين ، في المستوى الأول منهما : يقع الصراع العربي الإسرائيلي وما جره من عدوان وتهجير واحتلال واستيطان ، بحق الفلسطينيين خاصة والعرب عامة ، بدعم أمريكا وحلفائها ، ساهم في إذكاء الصراع ، وهو ما زرع الإحباط وفقدان الثقة في الشارع العربي تجاه السياسات الأمريكية في المنطقة . لقد اختار العرب – منذ مدريد – طريق السلام الشامل والعادل سنداً لقرارات الشرعية الدولية ، على قاعدة الأرض مقابل السلام ، ووقعت منظمة التحرير الفلسطينية اتفاق أوسلو ، الذي عطله التهرب الإسرائيلي من استحقاقات السلام ، وتهافت النظام العربي وانقساماته وقصور بعض النخب العربية . إن مبادرة السلام العربية ، التي وافقت عليها جميع الدول العربية في قمة بيروت عام 2002 ، وشكلت خياراً عربياً ، لم تلق حتى الآن التجاوب الدولي الذي تستحقه على الرغم من أنها مثلت الحد الأدنى للحقوق العربية المشروعة . من هنا فإن العرب يتطلعون إلى جهود نوعية ومنصفة من الإدارة الأمريكية الجديدة ، تتجاوز المحاولات المتواضعة والمترددة والمنحازة التي قامت بها الإدارات السابقة .
فالتطرف اليميني في إسرائيل يشكل العقبة الأساسية أمام إرساء سلام شامل ، يرتكز إلى قرارات الشرعية الدولية وحل الدولتين وقيام دولة فلسطينية قابلة للحياة ومفتوحة على محيطها العربي على أراضي 1967 ، وكذلك الانسحاب من بقية الأراضي العربية المحتلة . وعلى الرغم من وجود تيارات وقوى في الجانب العربي والإسلامي تلاقي موضوعياً التطرف الإسرائيلي في عرقلة جهود السلام ، لأنه يتعارض مع أجنداتها الخاصة ، إلا أن التوجه العام لشعوب المنطقة يبين أنها تريد حلاً لهذا الصراع ، كيما يتاح لها تركيز جهودها على الديمقراطية والتنمية ، وهو ما تشير إليه تحولات الواقع العربي .
ثمة مشكلة أخرى تثير التوتر والاضطراب في منطقتنا ، تتمثل بسياسة التدخل والهيمنة التي تنتهجها إيران لاختراق الوضع العربي ، ومما أجج الهواجس والمخاوف من التوجهات الإيرانية ، أن إيران جزء أساسي من المنطقة ، ومن تاريخها المشترك الذي لم يتسم على الدوام بعلاقات حسن الجوار ، الأمر الذي تتجاهله السياسة السورية ، ويتعارض مع المصالح العربية العليا . ومع ذلك فإن العرب وانطلاقاً من مصالحهم يفضلون معالجة هذا التوتر الذي تولده السياسة التدخلية لإيران بالتأكيد على الحوار وتقديم المصالح المشتركة واستبعاد منطق العداء والحرب أو الترويج لهما .
في المستوى الثاني : فإن المنطقة تعاني ثلاثة أنواع من المشاكل المترابطة ، التي يؤثر أحدها في الآخر ويولد آليات استمراره ، ألا وهي الاستبداد والتطرف وضعف التنمية .
إن الاستبداد يقع في الأس من هذه الثلاثية ، فقد ابتليت المنطقة بأنظمة استبدادية ، تحكمت بشعوبها ، وعطلت الحياة السياسية ، وأقصت معارضيها ، وتجاهلت حقوق القوميات الأخرى واضطهدتها ، وعممت الفساد وركبت على القضية الفلسطينية كي تجعلها ركيزة لمشروعيتها المثلومة ، واستقوت بالاستقطاب الدولي والإقليمي ، وحظيت جميعها بالرعاية الأمريكية .
التطرف ولدته المظالم التي خلفها الصراع العربي الإسرائيلي ، وأججه الاستبداد من خلال سياسات الإقصاء والسجون والقتل والتهجير ، كماعطل الاستبداد مشاريع التنمية وأفرغها من محتواها ، واستأثر بمقدرات الشعب ، وهي كثيرة ، وعمم الفقر . وهكذا وجدت المنطقة نفسها ضحية للقمع والعنف والتطرف والعوز . من هنا فإنها  تحتاج إلى أكثر من نوايا طيبة أو إجراءات جزئية ، وعلى الدول الفاعلة سياسياً واقتصادياً في العالم أن تدعم قوى التغيير الديمقراطي في المنطقة بما يساعد شعوبها في إنجاز خياراتها الديمقراطية ، ويلبي حاجتها إلى التنمية الشاملة .
لقد ميز أوباما بشكل مسؤول بين الإسلام والتطرف ، الذي حصره بقلة ممن يمارسون العنف السياسي الأعمى . وهذا هام ومحل تقدير . ومع ذلك فإننا ننتظر كما تنتظر شعوبنا من الإدارة الأمريكية الجديدة أفعالاً جدية تجاه مجمل القضايا وفي مقدمتها السلام والديمقراطية . وعلى الرغم من قناعتنا بأن التوجهات الأمريكية الجديدة  ستواجه صعوبات جدية ، فإن نجاحها يتوقف على تجاوزالتعقيدات التي تنطوي عليها القضايا المطروحة ومقدار الدعم الذي سيمنحه الشعب الأمريكي لهذه التوجهات وديمومته وعلى مدى انسجام السياسات الأمريكية القادمة مع هذه التوجهات . وعليه فلا بد للعرب والمسلمين من أن يلاقوا هذا التوجه الأمريكي الجديد بيد ممدودة ، وأن يكونوا على استعداد للقيام بما تمليه عليهم مسؤولياتهم التاريخية ، لا سيما أن لشعوبنا وأجيالنا القادمة مصلحة أكيدة ومرغوبة بأن يكلل هذا التوجه بالنجاح ، وأن تستعاد الحقوق ، ويعم السلام ، وأن تفتح الطريق أمام المنطقة نحو التقدم والديمقراطية . وهو بالضبط ما يدفعنا ، نحن في إعلان دمشق ، كواحد من القوى المعارضة ، ونحمل مشروعاً للتغيير الوطني الديمقراطي في سورية ، وننظر بإيجابية إلى التوجه الجديد ، إلى دعوة كافة القوى الفاعلة في العالم والمنطقة إلى ممارسة مسؤولياتها حياله لحل أزمات المنطقة وتمكين شعوبها من مواجهة استحقاقات المستقبل ، في ظل حاجة شعوبنا إلى الاستقرار وإشاعة الديمقراطية ، ونجزم بأن الديمقراطية والتنمية لا تنموان في مناخات التوتر والحروب .
وفي هذا السياق ، قد يكون من المبكر الحكم على المآلات التي ستأخذها العلاقة السورية الأمريكية ، لأن هذه العلاقة ترتبط بملفات إقليمية معقدة . ونرى أن سياسة الحوار والانفتاح على النظام قد تخدم قضية الديمقراطية أكثر من سياسة العزل والحصار . علماً أن الديمقراطية كانت وستبقى مشروعاً داخلياً برسم الشعب السوري وخياراته ونضالاته من أجل الحرية .
دمشق في 4 / 7 / 2009
الأمانة العامة لإعلا ن دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى