لا جديد على المسار السوري.. النظام في قلق
عبد الباقي اليوسف
بشكل مغاير لسلوكه السياسي والاعلامي طالعنا النظام السوري عن وجود اتصالات سرية مع الحكومة الاسرائيلية، وان اسرائيل قبلت بالانسحاب من كل الجولان السورية المحتلة مقابل السلام الشامل،
فقد صرح بذلك الرئيس السوري عن تلقيه رسالة بتلك الخصوص من رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود اولمرت عن طريق رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان، دون الكشف عن اقنية الاتصال الاخرى مع الحكومة الاسرائيلية. لكن وفي تصريح له اثناء زيارته لدمشق، قال طيب اردوغان بان الحوارات ستكون على المستويات المنخفضة.
لقد فاجأ النظام السوري بتصريحه هذا حتى المواطن العادي في المنطقة العربية، لان المعروف عن هذا النظام انه شديد الكتمان، غير واضح وغير شفاف حتى مع نفسه وشعبه، وهو اخر من يعترف بالاحداث وذلك بعد ان تنفضح الامور من قبل الاخرين. لهذا فان التصريح السوري هذا اشد بال المتتبعين السياسيين عن الغايات السورية الكامنة وراء هذا التصريح. لان المعروف عن النظام البعثي في دمشق ان بقاء النظام واستمرار مصالحه مرهون بوجود الخلافات وعدم الاستقرار في المنطقة، وهو غير جاد في حل نزاعها مع اسرائيل، لعدم مقدرة النظام في اجراء الاصلاحات السياسية والديمقراطية وان حالة اللاسلم واللاحرب خير مناخ لاستمرار هيمنته على مقدرات الشعب السوري، وتدخله في شؤون الشعوب العربية المجاورة واستخدام قضايا هذه الشعوب والبلدان اوراق تحاورية في علاقاته مع اسرائيل والقوى الدولية الاخرى.
من جانب اخر المعروف عن اسرائيل انه كان دائما المبادر في الكشف عن مثل هذه الاتصالات والامور الاخرى، كما ان اسرائيل ومنذ مؤتمر مدريد رفضت في حوارها ربط المسارات العربية ببعضها، كما انها صرحت على الدوام بانها غير جاهزة لانهاء نزاعها مع سوريا الا بعد الانتهاء من المسار الفلسطيني. كما ياتي التصريح السوري في وقت اسرائيل فيه منهمكة مع الفلسطينيين وحوارها مع الحكومة الفلسطينية بقيادة محمود عباس، وفي مناخ ضاغط من قبل الادارة الامريكية والتي تعمل للتوصل الى اتفاق شبه نهائي بين الفلسطينيين والاسرائيلين لفتح طريق لاعلان الدولة الفلسطينية قبل نهاية ولاية الرئيس الامريكي جورج بوش، خاصة وانه الرئيس الامريكي الاول الذي اقر بدولة فلسطينية قابلة للحياة الى جانب دولة اسرائيل.
سوريا اليوم تعيش في ازمة شاملة وخانقة من حيث علاقاتها مع معظم الدول العربية، وتجلت في مستوى التمثيل بمؤتمر القمة العربية والذي انعقد في دمشق بنهاية شهر اذار من هذا العام، وحسب العديد من المراقبين كانت فاشلة على اكثر من صعيد، كما انها تعيش في ازمة على المستوى الدولي وبشكل خاص في علاقاتها مع الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة الامريكية بسبب تعاملها مع المنظمات الارهابية الدولية والحركات المتطرفة الفلسطينية واللبنانية، وتدخلها المستمر في شؤون كل من لبنان وفلسطين والعراق.
كما وان سوريا تمر بازمة اقتصادية وموجة من الغلاء جاءت بعد رفع سعر المازوت وترافق ذلك مع موجة الجفاف التي تعاني منها البلاد وذلك بسبب شح الامطار، فقد قضي بشكل كامل على القطاع الزراعي، لان معظم الزراعة السورية تعتمد على الامطار ومنذ الان بدات ازمة كبيرة في الحصول حتى على رغيف الخبز لعدم توفر الطحين اللازم،فقد حدثت صدامات بين الاهالي والشرطة في اكثر من منطقة وبشكل خاص في محافظة الحسكة.
كما وتساور سوريا مخاوف من تقدم المسار الفلسطيني واسقاط الورقة الفلسطينية من يديها، ولكونها من اقوى اوراقها لذا لا يستغرب ان تكون الدوافع السورية الرئيسية من هذا الاعلان التشويش على المسار الفلسطيني من جهة، ولتخفف الضغط عن نفسها من جهة اخرى.
اسرائيل من جانبها لم تنف الخبر، بل التزمت الصمت لتسخير ذلك في الضغط على المسار الفلسطيني للحصول على المزيد من التنازلات، واعطاء انطباعا اكثر ايجابية لموقفها في بحثها عن سبل لانهاء نزاعها مع الدول العربية.
وهنا لابد من الاشارة الى الاهداف التركية من وراء هذه الوساطة، خاصة وان تركيا على قدر كبير من المعرفة بعدم جدية سوريا في التوصل الى حل سياسي مع اسرائيل كما ان اسرائيل غير مستعجلة للتوصل الى حل سياسي مع سوريا، خاصة وان حدودها مع سوريا اكثر امنا حتى من حدودها مع مصر والاردن البلدان اللذان تصالحا مع اسرائيل.
قد تكون الدوافع التركية من هذه الوساطة محاولة للاظهار امام الشعب التركي وشعوب المنطقة بان تركيا ما تزال لها دورها الاقليمي في ظل حكومة الاسلاميين، وتعمل هذه الحكومة للاستفادة من الورقة السورية في صراعها الداخلي مع القوى التي تدعي العلمانية، كما ان النظام التركي يرى نفسه ملزما بمساندة سوريا في هذا الوقت الصعب وذلك لهدفين:
1- النظام السوري الحالي هو الذي تنازل لتركيا عن لواء اسكندرون، منذ عدة سنوات.
2- ارتباط تركيا بحلف مع كل من سوريا وايران لمحاربة القضية الكردستانية. وان اي ضعف لاحد اطراف هذا الحلف سوف يقلل من مناعته تجاه هذه المسالة.
الى جانب تطلعات تركية بان تصبح بوابة لعلاقة الاوروبيين بالشعوب الاسلامية.
المتتبع للمسار السوري الاسرائيلي والصراع الفلسطيني والاسرائيلي يرى بان الوقت لم يحن بعد للتوصل الى حل نهائي بين سوريا واسرائيل، كما ان الحديث عن استرجاع اسرائيل كامل الجولان لسوريا يحوم حوله الكثير من الشكوك، لقد مضى على الاحتلال اكثر من اربعين عاما، جلب معه الكثير من المتغيرات ليس فقط عل مستوى توازن القوى بل على الجغرافية والقوى البشرية المعنية ايضا.
__________
* كاتب سوري
أخبار الشرق – 6 أيار/ مايو 2008