السعودية وسورية وإيران… ولبنان
وليد شقير
تستند الدول الغربية والعربية التي انخرطت في اتصالات انفتاح وتطبيع مع سورية الى جملة إشارات تعتقد ان دمشق أطلقتها عن استعدادها الى أخذ مسافة عن ايران. فهذا ما يهم هذه الدول في هذه المرحلة، في سياق استعدادها هي الأخرى، لاستكشاف مدى جاهزية ايران لتسوية مع الغرب ومحيطها العربي، أو استمرار حال المواجهة معها، على ملفها النووي ونفوذها الإقليمي الذي تمادى في السنوات الأخيرة.
ومن الطبيعي ان تكون استعادة سورية الى الحضن العربي هي هدف الاتصالات السعودية – السورية التي دبت فيها الحيوية في شكل استثنائي خلال الأسبوعين الماضيين على ضوء انتهاء الانتخابات النيابية اللبنانية في شكل مرض للجميع إن من حيث إتمام العملية في حد ذاتها بطريقة مقبولة، أو من حيث نتائجها وفوز قوى 14 آذار بها، (لأن هذا ما كان يهم الدول الغربية والعربية). بل ان خلفية المصالحة السعودية – السورية بمبادرة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، كانت استعادة سورية بأي ثمن لأن حرب غزة أثبتت، بالتوازي مع مجيء الإدارة الأميركية الجديدة وتغييرها سياسة واشنطن تجاه المنطقة، أن لا مكان للدول العربية في المعادلة الدولية الجديدة إلا إذا جرى ترتيب البيت العربي.
لكن السؤال الذي يواجه جميع المعنيين من قادة الدول الذين يأملون بخطوات من دمشق تبعدها تدريجاً عن طهران هو: هل ان الجانب السوري قادر على أخذ المسافة التي يريدها الآخرون عن حليفه الإيراني؟ وهذا السؤال يستدرج سؤالاً آخر هو: هل ان طهران بعد الأزمة الداخلية التي مرت بها والتي أوحت بأن نظامها قادر على استيعابها، في وضع يجعلها “متسامحة” مع حلفائها إذا أرادوا أخذ مسافة عنها؟ وهل هذه الأزمة تدفعها الى التشدد والاحتفاظ بأوراقها في سياستها الخارجية كما أوحت ردود فعلها على المواقف من هذه الأزمة؟ أم أنها أزمة تدفعها الى الليونة الخارجية مقابل التشدد الذي أظهره النظام في الداخل؟
فالتجربة دلت على ان ما أظهرته دمشق حتى الآن من إشارات استقلالية عن السياسة الإيرانية، ان في مفاوضاتها غير المباشرة مع إسرائيل، أو في انفتاح إدارة الرئيس باراك أوباما عليها أو المصالحة السعودية – السورية، تمت تحت سقف التفاهم مع طهران. وحين حصلت تعارضات بين الحليفين في بعض المحطات، ظلت هذه التعارضات تحت هذا السقف ايضاً نظراً الى حاجة الجانبين الى بعضهما بعضاً.
ولا تشذ هذه القاعدة عن المحاولات الغربية والعربية لجذب سورية عن ايران، في لبنان، فالتشابك بين النفوذين الإيراني والسوري في هذا البلد بلغ مرحلة، تحتاج معها العودة به الى الوراء الى أثمان كبيرة ستسعى إليها دمشق، لتبرر لنفسها، ولحليفها، القبول بإغراء أخذ المسافة المطلوبة عن حليف السنوات الأربع الماضية من عهد محمود أحمدي نجاد، فهل ان قادة الغرب والدول العربية المعنية وفي طليعتها السعودية مستعدون لدفع تلك الأثمان؟
لقد سبق لدمشق ان بررت مفاوضاتها غير المباشرة مع إسرائيل، عند حليفها الإيراني وحلفائها في لبنان (حزب الله) بأنها تلقت إشارات عبر تركيا عن ان اسرائيل (رئيس الوزراء السابق ايهود أولمرت) مستعدة لمفاوضات تنتهي باستعادتها الجولان، وأن تحقيق ذلك يستحق المحاولة. وقبلت إيران والحلفاء بالحجة. واستفادت دمشق من هذه المفاوضات، على رغم انها لم تحرز تقدماً كبيراً في استعادتها الجولان، بالانفتاح الغربي عليها… والأرجح ان دمشق تحتاج الى حجة كبرى من اجل ان تواصل خطوات الانفتاح بينها وبين الدول العربية المعنية باستكمال المصالحة معها تبرر لها التهيؤ لأخذ مسافة عن طهران في لبنان، أو إلى تأييد إيراني للتسوية التي تسعى الى عقدها مع السعودية واستطراداً مع مصر. وهذه الحجة هي ان تستعيد نفوذها في لبنان وفي السلطة السياسية فيه وأن تنهي مفاعيل السنوات الماضية بدءاً من اغتيال الرئيس رفيق الحريري، عليها… وفي هذه الحال يكون الثمن مبرراً كي تزيد من المسافة السياسية بينها وبين طهران، أو قد يقنع الأخيرة بأن أرباح الحليف تستأهل تلك التسوية.
لكن هل ان الدول العربية، والغربية معها، مستعدة لتقديم هذا الثمن المتعدد الأوجه لدمشق في وقت لا تتوقف عن الترداد صباحاً ومساء بأن لا عودة عن استقلال وسيادة لبنان، ولا عودة لسورية (سياسياً) الى إدارة شؤونه كما كانت تفعل سابقاً؟
وعليه فإن الإفادة من أجواء التواصل الإقليمي لأجل الاستقرار في لبنان يفترض ان تدفع أحد طرفي الاتصالات السعودية – السورية، أو كليهما، الى وضع مطالب وأهداف أكثر تواضعاً، طالما تصعب استعادة سورية الى الحظيرة العربية في شكل كامل وتصعب إعادة نفوذ سورية الى لبنان…
الحياة