الجولان «حديقة سلام»… وشراكة إسرائيلية في المياه
القدس المحتلة – آمال شحادة
يفتح دخول الولايات المتحدة على المسار السوري – الإسرائيلي في هذه الفترة بالذات آفاقاً جديدة، من شأنها إذا نجحت، أن تكون خـطوة تــساهم في خلق شرق اوسـط جديد مختلف عن ذلك الذي رسمه شمعون بيـرس في كتابه الشهير، ويختلف حتى عن ذلك الذي كانت تبحث عنه الادارة الأميركية السابقة. ففي حين كانت ادارة الرئيس السابق، جورج بوش، عقبة امام المفاوضات السورية – الإسرائيلية، فإن الرئيس باراك اوباما اختار سورية لأن تكون نافذة السلام في المنطقة، ما قد يخلق واقعاً جديداً يلزم الاطراف المتنازعة الاقتراب من بعضها بعضاً، بعد عشرات السنين من العداء والحروب الدامية. وفي هذا السياق حصلت «الحياة» على مسودة لمبادرة أميركية تقترح تصوراً لحل مشكلة الجولان، وهي تحمل جديداً على رغم حملها ملامح حلول سابقة. وهذا الجديد يكمن في التفاصيل.
الخطوات الاولى في خطة واشنطن لاقتراح التسوية السلمية بين إسرائيل وسورية ستكون في ترسيم الحدود النهائية من جانب الامم المتحدة وبرعاية أميركية فيما يتم انسحاب كامل لإسرائيل من الجولان، ووضعه كله تحت السيادة السورية، وجعله منطقة منزوعة السلاح، وتأجير بعض المناطق فيه الى إسرائيل لمدة 10 – 15 سنة، وتحويل ثلثه الى محمية طبيعية أو حديقة دولية سيطلق عليها اسم «حديقة السلام»، وسيتاح للإسرائيليين دخولها من دون تأشيرة مثلما هو الوضع في اتفاق السلام الإسرائيلي – المصري. وهذا اقتراح سبق ان تداوله طرفا المفاوضات الإسرائيلي والسوري في تركيا في فترة حكومة ايهود اولمرت. والفرق انه يأتي هذه المرة من واشنطن.
وفي الخطة، فإن الادارة الأميركية برئاسة باراك اوباما تضع امامها تحدياً كبيراً في خلق واقع جديد تجاه سورية، تشجعها فيه على الابتعاد من ايران وحليفيها «حزب الله» و «حماس». وفي الخطة من غير الممكن ان توافق إسرائيل على سلام مع سورية في الوقت الذي ما زالت الاخيرة تدعم ايران و «حزب الله» و «حماس». وفي هذا الجانب يتفق الأميركيون مع إسرائيل على ضرورة التزام سورية تغيير طابع علاقاتها مع هذه الاطراف، باعتبار ان «السلام مع إسرائيل يتطلب عدم اقامة تحالفات عسكرية مع أعداء إسرائيل».
ويظهر الأميركيون في خطتهم ان القضايا الرئيسة التي يتعين حلها من جانب إسرائيل وسورية تتعلق بالحدود والمياه والأمن وتطبيع العلاقات الثنائية. ويأخذون في اقتراحهم مخاوف الطرفين واحتمال مواجهة صعوبات للحصول على موافقتهما بالاشارة الى ان مسألة المياه قد تشكل عائقاً كبيراً في التوصل الى تفاهمات. ولمواجهة ذلك، تشمل الخطة مشاريع تضمن للطرفين مواصلة السيطرة على عدد من الموارد والمحميات الطبيعية في المنطقة والاستفادة منها. وفي مركز الاقتراح: سورية تحصل على الارض وتنظم عملية الوصول الى المياه، فيما إسرائيل تحصل على المياه وتنظم عملية الوصول الى الارض. ويتوقع معدو الخطة ان تكون مقبولة من سورية اكثر منها من إسرائيل حيث ستجد سورية نفسها صاحبة السيادة على المنطقة، خصوصاً «الحديقة الدولية».
معدو الخطة يأخذون في الحسبان ان المياه التي كانت سبباً رئيساً في استمرار النزاع بين البلدين وسط اطماع إسرائيلية بمواصلة السيطرة عليها يشيرون في مقدم اقتراحهم الى ان إسرائيل تضع قيمة أعلى من سورية للموارد المائية بالاشارة الى شركة المياه الإسرائيلية (مكوروت) التي تستخدم من مياه طبريا حوالى 400 مليون متر مكعب سنوياً. وبالنسبة اليها، فإن بحيرة طبريا اصبحت اليوم بمثابة الخزان الرئيس الطبيعي، ومنه تتوافر المياه لإسرائيل في مراكز الكثافة السكانية وكذلك لبلدات الجنوب.
وفي تفاصيل موضوع المياه، فإن إسرائيل تتلقى 850 مليون متر مكعب من مناطق تجمع المياه (350 مليون متر مكعب منها يتبخر). نهر الأردن يساهم كمعدل متوسط بنحو 520 مليون متر مكعب منها 250 مليون متر مكعب من نهر دان و 150 مليون متر مكعب من نهر الحاصباني. و120 مليون متر مكعب من بانياس. ونحو 50 مليون متر مكعب كمعدل سنوي يصل إلى البحر من الجداول القادمة من مرتفعات هضبة الجولان. كما يصل نحو 30 مليون متر مكعب إلى البحر نتيجة وجود 15 هضبة في الأراضي الإسرائيلية.
وإزاء المعطيات، يرى مــعدو الخطة انه على رغم ان نهر الاردن ومصادره وبحيرة طبريا حيوية لإسرائيل في التوازن الهـيدورليجي، فإنها أقـــل مـــن ذلــك بكثير بالنسبة الى سورية، في حين ان احتياجات دمشق للمياه تتزايد بسرعة كبيرة في الوقت نفسه.
وإزاء الاشكاليات المتوقعة بالنسبة الى قضية المياه تعمل خطة السلام على اعادة منطقة بانياس الى سورية فيما السيادة على بحيرة طبريا تبقى لإسرائيل في الوقت الذي يمنع على إسرائيل تفكيك المشاريع المائية التي أقامتها على مرتفعات الجولان خلال سنوات طويلة، وفي المقابل تعمل سورية على التخفيف من المخاطر البيئية على الموارد المائية وتمتنع عن اعادة توطين نهر الاردن وتنفيذ عمليات استخراج مياه من موارد المياه الرئيسة بين نهر الحاصباني وبانياس ونهر الأردن وبحيرة طبريا ونهر اليرموك، على ان تقتصر المشاريع على تقديم الخدمات وتوفير الاحتياجات المحلية.
وفي الجانب العمراني ترى خطة السلام أن تكون القنيطرة العاصمة الادارية لمنطقة الجولان بحيث يتم بناؤها من جديد وإعادة توطين ما لا يقل عن خمسين الف مواطن فيها. وقد أعدت لهذه البلدة مشاريع صناعية تضمن توفير المياه والبنى التحتية. اما قرية الغجر فوفق الخطة ستعاد الى سورية على ان تواصل حصولها على المياه من الوزاني والحاصباني كما سيتم نقل الحمّة الى سورية وخلال ذلك يتم الانسحاب الإسرائيلي من مياه نهر اليرموك. وتستبعد الخطة اقتراحاً سورياً بإعادة توطين 400 الف سوري في الجولان لعدم امكانية توافر الخدمات لهم بخاصة لجهة الموارد الزراعية والمياه لأسباب تعود في الاساس الى التكاليف الباهظة لضخ المياه.
وفي ما يتعلق بمصير المستوطنات القائمة على الاراضي التي ستعاد الى سورية، تتطرق الخطة في شكل خاص الى مستوطنة «كتسرين» كبرى مستوطنات الجولان والتي تشكل مركزاً حيوياً لهذه المنطقة. وستعود المستوطنة الى سورية من دون قيام إسرائيل بتفكيك اي مشروع فيها سواء مصنع المياه او مصنع النبيذ او الاماكن السياحية المهمة او حتى الابنية. ويخطط لأن تكون مركزاً مهماً وحيوياً في مشروع الحديقة الدولية الذي سيقام على مساحة ثلث الجولان.
«مرحباً بكم في سورية» لافتة كبيرة شرق جسر اريك
الامر الجوهري في الخطة التي اعدتها الولايات المتحدة يتعلق بحديقة السلام، باعتبارها الحل الذي يسهل مجابهة المعارضة الإسرائيلية للانسحاب من الجولان. الحديقة ستكون تحت السيطرة السورية وبإشراف دولي وستُبقي على علاقة إسرائيلية مع الجولان. وقد اختار اصحاب الفكرة اقامتها على منطقة تقام فيها حالياً عشرون محمية طبيعية انشأتها إسرائيل ويعتقد الأميركيون ان هناك حاجة لأن يصل خبراء إسرائيليون لمساعدة السلطات السورية في تطوير وصيانة المواقع السياحية المتوقع ان تحظى باهتمام خاص لدى الزوار اليهود. وفي اثناء تفعيل الحديقة تتخذ مختلف الاجراءات لضمان تحركات الطرفين من دون عوائق، بغض النظر عن وضع الحدود.
ولضمان خدمات سريعة للسوريين والإسرائيليين، سيقام مركز طوارئ مشترك بالقرب من بحيرة طبريا تقدم فيه الخدمات جمعية الهلال الاحمر العربية السورية ونجمة داوود الحمراء الإسرائيلية. مع اقامة هذه الحديقة سيتم تنفيذ مخطط ضخم للشوارع ونقاط مراقبة الجوازات والجمارك، والترحيب بالزوار سيبدأ عند جسر اريك حيث تستبدل اللافتات الموجودة باللغة العبرية وترشد الى الطرق المؤدية الى المستوطنات المحيطة بالجسر بلافتة كبيرة يسجل عليها «مرحباً بكم في سورية». اضافة الى لافتات شبيهة ستظهر عند نقطة الحدود التي ستقام بالقرب من شواطئ طبريا وأبزرها «عين جيف» و «الكرسي».
وضمن المخطط ستقيم سورية نقاط مراقبة لجوازات السفر عند منطقة جسر بنات يعقوب والطرق السريعة باتجاه بانياس.
وفي تفاصيل الخطة الأميركية لمشروع الحديقة حلقات كثيرة ومن أجل حماية موارد المياه في حوض نهر الأردن، والأراضي السورية شرقي الحدود المتفق عليها في شكل متبادل ستسمى حديقة مفتوحة للجميع وستقام في مرتفعات الجولان بعد استكمال الانسحاب الإسرائيلي وتطبيق السيادة السورية وفقاً لمعاهدة السلام. الحديقة تمتد من الحدود المتفق عليها شرقاً إلى خط يتم تحديده بالاتفاق المتبادل.
خصائص الحديقة
– ستكون حديقة مفتوحة للسياحة بإشراف سوري وخالية من المقيمين الدائمين باستثناء عمال الصيانة وموظفي تنفيذ القوانين.
– لا حاجة الى تأشيرة لدخول الحديقة (من الأراضي الإسرائيلية) فيما سيصدر للسوريين تصريح الدخول لقاء رسم رمزي.
– الزوار الراغبون في دخول الأراضي السورية الأخرى شرقي الحديقة يجب أن تكون تأشيراتهم صالحة للدخول والعبور تحت الرقابة السورية. والدخول إلى الحديقة يسري لمدة يوم واحد خلال ساعات النهار. كما ستقام نقاط تفتيش إسرائيلية.
– الرسوم التي تتم جبايتها يمكن أن تساهم في صيانة الحديقة وربما لدفع رواتب العاملين في الجانب السوري.
– عند خط حدود المراقبة توجد لافتات مكتوب عليها «مرحــباً بــكم في ســـورية ووادي الأردن ومحمية مرتفعات الجولان البيئية» كمسألة عملية. ولكن، كلا الجانبين لديه الحق في ضمان الحفاظ على الزوار بين سورية وإسرائيل بحيث يمنع تهريب الأسلحة أو السلع والسيارات غير المرخصة عبر 063017b.jpg الحدود. ويمنع منعاً باتاً تعطيل خدمات الزوار، وربما قد يتطلب الأمر من الطرفين قوات شرطة لإجراء الفحوص اللازمة قبل أن يسمح للزوار بالمرور للحفاظ عليها.
في ما يتعلق بالأسلحة، يشدد الاتفاق على أن الحديقة ستكون ضمن المنطقة المجردة من الأسلحة، إلا للمراقبين الدوليين الذين يسمح لهم بحمل السلاح للحماية لفترة زمنية محددة بحسب المعاهدة. وغيرها من أسلحة ستقتصر على الجانب السوري الذي سيقوم بالحفاظ على أمن الأفراد. =
باختصار، فإن هذه المعاهدة بين الطرفين السوري والإسرائيلي برعاية أميركية تضمن الحفاظ على وصول الزوار إلى الحديقة في شكل آمن وذلك بوجود نقاط تفتيش تابعة للشرطة تحول دون التهريب.
اما زوار الحديقة فلهم الحق في التنقل داخل الأراضي السورية بواسطة الأوراق الثبوتية، مع العلم أنه لن تكون هناك تسهيلات جمركية عند الحدود لجواز السفر السوري!
الحياة