صفحات الحوار

الشاعر عادل محمود صاحب “حزن معصوم عن الخطأ” عن تجربته الشعرية: الشعر لا يأتي من قوة الأشياء بل من ضعفها!

null
حاوره: دلدار فلمز
عادل محمود من أبرز الشعراء السوريين من جيل السبعينات، ومن أشفهم، وأبعدهم عن الشعارات والسهولة والتنازلات والضجيج…
له ست مجموعات شعرية “قمصان زرقاء للجثث الفاخرة” و”ضفتاه من حجر” و”مسودات عن العالم” و”استعارة مكان” و”حزن معصوم عن الخطأ” و”إنتبه الى ربما”، ورواية وحيدة بعنوان “الى الأبد ويوم”، ومجموعة قصص بعنوان “القبائل” وكتاب مقالات بعنوان “ضمير المتكلم”، وآخر بعنوان “بريد الغرباء”.

[ عادل محمود، أنت شاعر، كيف تعرف الشعر؟
ـ كل شاعر يمكنه تبنّي هذا القول، جزئياً أو كلياً، “الشعر ضرورة وأتمنى لو أدرك… لماذا؟” لا حاجة للشعر إن لم يكن في داخل الشاعر نص يريد الخروج، والحياة.
وثمة من يعتقد بأن “ملحمة” صغيرة… حادثة، تكوين طفولي موجود / موجودة في مكان ما من روح الإنسان، تعبر الخط الفاصل بين الصمت وبين الكلام.
أنا جئت من الصمت الطويل. خلفي كانت الطبيعة تتهيأ يومياً لأن تقول لي: “تكلم ونحنُ نزهر لك”.
اعتقدت، في البداية، بداية الرهبة أن أخاف. فكل شئٍ قيلَ من قبل. ووراء نصّنا المتعثر يوجد من أنشأ خيمة من الشعر، وعمارات من الكلام. ولكنني اكتشفت أن شيئاً لم يُقَل بعد. فلكل لسان ولكل قلب كلام مختلف حتى في موضوع بشري واحد.
الجمهور
[ كيف تصف علاقة الجمهور بالشعر في عصرنا الحالي؟
ـ الشعر والجمهور ليس مقياسه الحشدُ والعدد. جمهور الشعر الحديث قليل إن لم يرتبط بذاكرة انفعالية للناس يأتون وهم جاهزون سلفاً لوليمة… لما يشبه الوليمة الانفعالية: سواء كانت سياسية أو وطنية أو تحريضية أو غزليه. وفي كل مرحلة يكون هناك بضعة شعراء يجتذبون الجمهور لأسباب عديدة لها علاقة بالشاعر والشعر والمراحل الثقافية السياسية. وبالتناغم النصي واللغوي مع هذه القضايا. الإصغاء إلى الشعر يتناقض في مفعوله كلما كان العدد كبيراً. ولا يستطيع الشاعر (إلا في حالات استثنائية وهي موجودة كما قلنا) أن يتواصل مع حشد مؤلف من الآلاف… مثل هذا الحشد له زاد خاص به… حصته موزّعة بدهاء من الشاعر: خذ مثلاً: عمر الفرا. يجتذب جمهوراً كبيراً وهو يتحدث عن بدوية اسمها صبحة، لا أدري ما الذي حدث لها حتى الآن غير انها أحبت وتعذبت بين الخيام.
[ هل ترى في القصيدة الحديثة بديلاً للقصيدة الكلاسيكية، بمعنى هل يجب أن يخلي الكلاسيكيون مواقعهم وبشكل نهائي لفرسان الحداثة؟
أنا أترنم دائماً بمختاراتي من الشعر الكلاسيكي. وأتلذذ بكون جدي الشاعر الصحراوي القديم قد عارك عزلته بهذا النوع من غيومه وسرابه. ولكن لا أرى أية نصوص حديثه مكتوبة كلاسيكياً، استطاعت أن تشحن الشعر وتقدم تلك النكهة التي في النص القديم. والكلاسيك لا تحتمل المُنجز الوسط: “إما الفحول وإما العجُول!!” كما لم يعد هناك ضرورة لمعركة نقد أو خيارات بين الشعر الكلاسيكي والحداثة الشعرية. فقد انتهت هذه المعركة منذ الستينات الماضية. وأعتقد أن كلمة “فرسان الحداثة” في السؤال في غير محلها. الشعراء ليسوا فرساناُ بأي معنى من المعاني، كما أنهم لم يكونوا “فحولا” في اللغة النقدية القديمة… بل هي تسميات بيئية لم تعد كافية أو ضرورية للدلالة على النصر أو الهزيمة، على القوة أو الضعف.
المستقبل
[ كيف ترى مستقبل الشعر كفنٍ يخاطب الروح فيما يتجه العالم بأسره نحو التحول إلى آلة؟
ـ الشعر لا ينتهي إلى الأبد.. فهو نبرة إنسانية لا تأتي من قوة الأشياء بل من ضعفها وهشاشتها. وهما صفتا الإنسان عندما يغدو، أو يكون تامّ العزلة. والشعر يجمّل لحظة الحزن، ويزخرف ويلون ما لم يكن شيئاً على قارعة الحياة. والشعر هاجسه بعيد عن الأرقام والآلات والمادة المتحولة الكينونة. هو أقرب إلى اقتصاد الروح والمعيشة والصلصال. وكما يقول سان جون بيرس: “حَسبُ الشاعر أن يكون الوجدان السّيئ لزمنه” والشعر، في جوهره حزمة من الوداعات الرنانة لزمن قصير وخاطف كالبرق يعيشه الانسان في عجزٍ عن بلوغ كماله.
[ بعد انجازك لتجربتك الشعرية ما الذي ترى أنها قد حققت لك وهل كنت لتتحول إلى شاعر فيما لو أتيح لك أن تعود بالزمن إلى بداياتك؟
ـ بعد سنوات من الشعر أعتقد انه ساهم (الشعر) في تكوين تكويني الذاتي. فأنا أسير في الحياة، وأصرف رصيدي الروحي كشاعر. الشعر ساهم في صياغتي / و/ صيانتي. ولكنني لا أعرف، في لغة التناسخ، إن كنت سأكرر تجربتي وأصبح شاعراً مرة أخرى… إن الشعر ليس خياراً وظيفياً. بل تكوين.
الشعور
[ شعورك بعد إنجاز القصيدة؟
ـ أكتب عندما يكون لدي ما يعذبني. ويكون الناتج ليس نصاً معذباً. بل أجد فيه تأمّلاً بعيد المدى أحياناً. وأترك النص بعد أن قدّم لي ما يشبه التعازي من مصدر مواساة عاطفي. كأنما يأتيك شخص تثق بقدرته على التأثير في لحظة صعوبتك أو فقدانك للتوازن، ويضعك في المكان الآمن. أترك القصيدة أو النص أو النص جانباً. بل في مكان بعيد عن متناول التكرار والقراءة والتشذيب، حتى إذا عدت إليه مرة أخرى تقر مصيره: إما الكتاب أو السلة. (سلة المهملات اختراع مهم كالموبايل. فهو للذاكرة وهي للنسيان)!
[ تطرح في أوساط مختلفة مسألة الحوار العربي الكردي ما هو رأيكم من هذا الحوار، ضروراته وآلياته، وأي جانب فيه الثقافي أم السياسي ينبغي أن يرجح كفته؟
ـ في بلادنا الصغيرة يمكن القول إن هناك “مشكلة” كردية. لا “قضية” كردية. طبعاً يمكن القول بالعكس ولكن على الوصف الآنف يتحدد نوع الحوار. لم يخلق الكردي لترجمته إلى العربية… تعريبه ! ولكن لم يوجد لتعذيبه ! الكردي بحاجة إلى “المواطنة” شأنه شأن السوري ففي المواطنة توجد العلامة الفارقة الهامة للسوري توجد الهوية التي على أساسها يقوم القانون بصيانة الحقوق وتحقيق المساواة. وبالتالي فخيار الكردي والسوري هو خيار ديمقراطي. ثمة فرق بين حصول الكردي العراقي على حصته من الأرض والنفط والعلاقات الدولية. وبين حصول الكردي السوري على حقه في الهوية والمساواة والمواطنه والتعبير الثقافي عن الذات الخصوصية، فرق في المشروع الذي ينشد دولة كردية في أربعة بلدان والمشروع الديمقراطي بقاعدة إجتماعية عربية كردية. ماهو الحوار؟ هو العيش المشترك تحت سقف (سماء) الحرية للجميع. حرية التعبير والقول والكتابة والانتاج الثقافي… حرية الذات الانسانيه في التفتح والازدهار. “الحوار” أداة تفاهم للتعايش حتى بين سكان البناية الواحدة. ضع نقطة على (الحاء)… أي قُم بتزوير بسيط، وانظر ما سيحصل وعلى ماذا سنحصل؟ على: “الخِوَار”!! إن بلادنا ذات ألوان بشرية. وإحدى مزاياها هذا التنوع البشري والطبيعي. وهي ليست جميلة بدون الرقص الكردي البديع والشعر الكردي المهم والأغنية الكردية العذبة. أنا شخصياً لا أجد صعوبة في التفاهم مع أصدقائي الأكراد حتى دون حوار. وأتمنى أن يكون عدد الآشوريين أكثر من عددهم الحالي. ما يجب فعله هو حلّ مشكلات عالقة وتزداد تفاقماً. وهي مشكلات سهلة الحل، كما أعتقد وتحتاج فقط إلى مبادرة من قبل الدولة فقط. وإلى المناخ الديمقراطي السوري العام.
[ سأترك لك أن تختم الحوار؟
ـ أيها الرسام الكردي الصديق: “اعطني جزءاً من الفراغ في لوحتك، لأستخدمه في المكان الفارغ من… قصيدتي”.
المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى