المشروع العربي وأسباب الإخفاق
د. طيب تيزيني
كان لقاء حياً ذلك الذي تم قبل عدة أيام بيني وبين ثلّة من المهتمين حول ما يحدث في إيران والعالم. وكان من بين هؤلاء نساء ورجال وشباب وجامعيون، وآخرون ممن لا يجعلون من الثقافة وشؤون الفكر تخصصاً لهم أو هواية.
وكان هناك حوار معقد، ولكن بناء حول التطورات الأخيرة ، بمختلف أوجهها الممكنة، وأيضاً حول الاحتلال الإيراني لجزر الإمارات الثلاث. ومن ذلك أن سيدة تعمل مدرسة للتعليم الثانوي طالبت بضبط الأسئلة والمسائل الاستراتيجية المتعلقة بذلك كمسألة أوّلية حاسمة لنتبين في سياق ذلك وبعده، كيف نجيب على الأسئلة الجزئية والطارئة، وأتت على مسألة السيادة الوطنية، فرأت أنها تمثل معياراً منهجياً استراتيجياً للنظر فيما عداها. وثنى على ذلك أحد الحضور “ويعمل مهندساً معمارياً” فأشار إلى أنه انطلاقاً من هذا المعيار يفصح عن نفسه القول الشائع: بين حانا ومانا، ضيّعنا نانا. وقياساً على ذلك – وهو قياس صوريّ – يمكن القول إنه عبر الانحياز إلى إيران أو إلى الولايات المتحدة، تكون المسألة قد ضيعت خارج الأسئلة الحقيقية التي تنتمي إليها.
إن المشروع العربي في النهضة والتنوير وإن كان قد أعلن عن نفسه إرهاصياً مع أواخر القرن الثامن عشر فقد تعيّن عليه أن يكافح في سبيل هدفين اثنين حاسمين إلى الانفصال عن الامبراطورية العثمانية التركية العجوز من طرف والتأسيس لأقطار عربية مستقلة سياسياً سيادياً من طرف آخر ترسي هي بدورها دعائم عالم عربي تحكمه علاقات تضامن فعلي. التأسيس لمشروع تحديثي ديمقراطي في الحقول المجتمعية كافة من طرف آخر، بما في ذلك الحقول السياسية والثقافية والتعليمية لكن المشروع المذكور أخفق لأسباب كبرى وأخرى صغرى، متحدرة من الدواخل العربية كما من الخارج الغربي الاستعماري خصوصاً. ويمكننا – في ضوء ذلك – أن نضع يدنا على واحد من أخطر أسباب الإخفاق في تحقيق علاقات أولية من التضامن العربي الفعلي، ذلك هو استقواء بلدان عربية على بلدان عربية أخرى من خلال “الآخر”، طبعاً في سياق تمكن هذا الأخير من اختراق الدواخل العربية المذكورة، ثم كذلك عبر إخفاق السياسيين والمفكرين العرب في ضبط النواظم الدنيا الحاسمة لعلاقات التضامن المأتي عليها، “منهم من رأى هذه النواظم مائلة في الحقل الديني الإسلامي، أو في حقل النضال الطبقي أو في الثالث السياسي أو في الرابع القومي… الخ”.
ولهذا وغيره من العوامل، تكونت آلية صارمة تحكم البلدان العربية داخل كل منها وفيما بينها عموماً، تلك هي أنها تحوّلت إلى ضحية أو ضحايا متتابعة لآلية قضم مفتوحة. ومع ضرورة الأخذ بالعوامل الموضوعية التي ما تزال كامنة – جزئياً على الأقل – وراء آلية القضم تلك شبه المنظم والدائم “في فلسطين ولبنان وسوريا والعراق والإمارات.. الخ”، قد يصح القول إن جل محاولات التضامن الاستراتيجي بين البلدان العربية أخفقت حتى الآن في إنجاز المطلوب. في هذا الحال هل علينا أن نعلن أن بنية العقل العربي هي بالأساس مؤسسة على كونها مغلقة وتتأبى على التقدم؟ إن هذا القول هو جزء من هذا الزعم الاستشراقي المناهض لمشروع نهضوي عربي.
جريدة الاتحاد