أؤيد حظر الحجاب الكامل
منى الطحاوي
أنا مسلمة ونصيرة للحركة النسائية وأكره الحجاب الذي يغطّي الجسم بكامله. فهو يمحو النساء من المجتمع، ولا علاقة له بالإسلام، بل هو متجذّر في الكره للنساء الذي يقع في قلب الإيديولوجيا المتطرّفة التي تنادي به.
يجب ألا نضحّي بالنساء على مذبح اللياقة السياسية أو باسم محاربة جناح يميني متنامي النفوذ يواجهه المسلمون في البلدان التي يشكّلون فيها أقلية.
على الرغم من أنني غالباً ما أجد الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بغيضاً، إلا أنه كان محقاً عندما قال أخيراً “ليس الحجاب الكامل رمزاً دينياً، بل هو رمز خضوع المرأة وإذعانها. أود أن أقول بكل وقار أنه لن يكون مرحّباً به في أرضنا”. أضيف أنه يجب ألا يكون مرحباً به في أي مكان. غير أن كلماته دفعت ببعضهم إلى بذل محاولات للدفاع عمّا لا يمكن الدفاع عنه – محو النساء.
قال البعض إن تحيّز ساركوزي اليميني الميول والمناهض للإسلام، هو الذي يقف وراء معارضته للحجاب الكامل. لكنني أذكّرهم بتعليقات رئيس مجلس العموم البريطاني عام 2006، جاك سترو، الذي قال إن الحجاب الكامل يمنع التواصل. كان محقاً، ولم يكن يمينياً – ومع ذلك، تعرّض هو أيضاً للهجوم لأنه تجرّأ على التكلّم جهاراً ضده.
العنصرية والتمييز اللذان تواجههما الأقليات المسلمة في العديد من البلدان – مثل فرنسا التي تملك أكبر جالية مسلمة في أوروبا وبريطانيا حيث انتُخِب عضوان من الحزب الوطني البريطاني المعروف بكرهه للأجانب في البرلمان الأوروبي، وهذا أمر معيب – حقيقيان جداً.
غير أن الطريقة الفضلى لدعم النساء هي القول بأننا نعارض الكره العنصري للإسلام والحجاب الكامل على السواء. لقد التزمنا الصمت حول أمور كثيرة خوفاً من أن نمنح اندفاعة لليمين.
والطريقة الفضلى لفضح زيف الادّعاء بأن الحجاب الكامل هو تعبير عن الإيمان الإسلامي هي الإصغاء إلى المسلمين الذين يعارضونه. في المرحلة التي صدرت فيها تعليقات سترو، أثير جدل عندما وجّه عميد جامعة في مصر إنذاراً إلى طالبات بأنه لن يُسمَح لهن بالبقاء في المهاجع الجامعية إذا لم يخلعن الحجاب الكامل. وذكر العميد أسباباً أمنية وراء قراره قائلاً إنه بإمكان رجال متنكّرين به أن يتسلّلوا إلى مهاجع الطالبات.
قالت سعاد صالح، وهي أستاذة في القانون الإسلامي وعميدة سابقة لكلية الدراسات الإسلامية للإناث في جامعة الأزهر – وهي ليست ليبرالية – إنه لا علاقة للحجاب الكامل بالإسلام. وهو ليس سوى تقليد بدوي قديم.
من المؤسف رؤية الالتباس الغريب الذي يتعامل به عدد كبير من المسلمين أبناء قومي وآخرون يزعمون أنهم يدعموننا، مع الحجاب الكامل. ينتقدون كل شيء – اليمين، كره الإسلام، سترو، ساركوزي – بدلاً من أن يقولوا جهاراً وصراحة أن الحجاب الكامل هو إهانة للمرأة المسلمة.
أعزو هذا التردد إلى نجاح الإيديولوجيا السلفية المحافظة المتشدّدة – التي تُمارَس في شكل خاص في السعودية – في ترك بصمتها على الإسلام في العالم عبر إقناع عدد كبير جداً من المسلمين بأنها الشكل الأنقى والأسمى لإيماننا.
أن تجادل عن الحجاب الكامل في بلد مثل السعودية – حيث عشت ست سنوات وحيث تُعامَل النساء مثل الأولاد – أمر مختلف تماماً عن ترداد الحجج نفسها في بلد ترسّخت فيه حقوق المرأة منذ وقت طويل، فالمحاججة هنا مثبطة جداً للهمة. عندما رأيت أول مرة امرأة ترتدي الحجاب الكامل في كوبنهاغن، أصبت بالذعر.
ارتديت حجاب الرأس طوال تسع سنوات. وقد ساهم جدل حصل بيني وبين امرأة ترتدي الحجاب الكامل في مترو أنفاق القاهرة في حسم قراري برفض الدفاع عنه. فقد سألتني المرأة التي تلتحف بالسواد من رأسها حتى أخمص قدميها لماذا لا أرتدي الحجاب الكامل. فأشرت إلى حجاب الرأس الذي أضعه وسألتها “أليس هذا كافياً؟” فقالت “إذا أردت قطعة حلوى، هل تختارينها غير مغلّفة أم مع غلاف؟” أجبتها “لست قطعة حلوى. ليست النساء قطعة حلوى”.
ومنذ ذلك الوقت، سمعت حججاً عن الحجاب الكامل تصف المرأة بأنها خاتم من الماس أو حجر كريم يجب تخبئته من أجل إثبات “قيمتها”. سوف يصبح الحجاب الكامل، إذا لم نتحدّاه ذروة التقوى. لا يتعلق الأمر بمقارنة الحجاب الكامل بالبيكيني، كما يزعم البعض.
كنت أقارن حجاب الرأس الذي أضعه بتنورة قصيرة، فكلاهما وجهان للعملة نفسها في جسم المرأة. الحجاب الكامل مختلف تماماً: المرأة التي ترتديه تصبح ممحوّة.
لقد عقدت لياقة سياسية غريبة ألسنة من يدافعون عادة عن حقوق المرأة. اشتكت إحدى المدوِّنات بأن “موقف ساركوزي المناهض للحجاب الكامل يجرّد المرأة من الهوية”. إنه العكس تماماً: الحجاب الكامل هو الذي يجرّد المرأة من الهوية.
لماذا ترتدي النساء في الأقليات المسلمة في الخارج الحجاب الكامل؟ قارب ساركوزي أحد الأسباب عندما أقرّ بأن نموذج الدمج في بلاده لم يعد ينجح لأنه لا يمنح المهاجرين وأولادهم المولودين في فرنسا فرصة عادلة. لكن على الجالية المسلمة أن تطرح على نفسها السؤال ذاته: لماذا الصمت بينما تلتحف بعض نسائنا بالسواد إما تعبيراً عن أحد أشكال سياسة الهوية أو احتجاجاً على الدولة أو بدافع الإذعان للسلفية؟
بصفتي امرأة مسلمة ونصيرة للحركة النسائية، أؤيّد حظر الحجاب الكامل.
( معلّقة مصرية المولد متخصّصةفي الشؤون العربية والإسلامية)
ترجمة نسرين ناضر.
النهار