الجديد والقديم في قضية الاستيطان
موفق نيربية
لا يبدو على السطح أن هنالك تقديراً لمطالبة الإدارة الأميركية الجديدة إسرائيل بوقف الاستيطان بوضوح ومن غير لبس ولا مداورة، بل هنالك مَن يقول مباشرة إن هذا الموقف جاء للتغطية على مسائل الاحتلال وحق العودة وقضية القدس. رغم ذلك؛ ويا للعجب؛ ربما كان الموقف الرسمي لحكومات عربية أفضل مما تعكسه نخب مختلفة، ومواطنون عرب آخرون.
ففي خارطة الطريق عام 2003، كان العرض المقبول من الطرفين هو تجميد الاستيطان في مقابل وقف ‘أعمال العنف’. أو هي هدنة يتجمّد فيها الاستيطان وأعمال مقاومة الاحتلال العنيفة، ريثما يتم التفاوض على طريقة الوصول إلى حلّ الدولتين.
وفي الشرائع الدولية، يكون حق المقاومة مقابلاً ومكافئاً للاحتلال، ووقف العنف يُقايَض بإنهاء الاحتلال أو بالاستقلال، وليس باستمرار وتوسّع الاستيطان، الفريد في دوافعه وطريقته، ورغم ذلك، وافق الطرف العربي والفلسطيني على المشروع-المخطط.
إسرائيل قبلت الأمر رسمياً، لكنها استمرت عملياً، في كذبٍ مفضوح، هي تكذب في ادعاء ‘التوسع الطبيعي’ أو ‘الحياة العادية’ كما سمّاها نتنياهو في خطابه، فتقرير ‘الأسوشييتدبرس’ في 24 يونيو الماضي، يؤكّد أن المهاجرين يتدفقون إلى الضفة الغربية رغم الادعاءات بأن إنشاء المساكن الجديدة يتم فقط لتلبية حاجات التوسع الطبيعي للعائلات.
في الوقت نفسه، يتحدث التقرير عن السيدة يافا شكيباي التي تعيش في مستوطنة معاليه أدوميم منذ ستة وعشرين عاماً، وكيف اشترت لأطفالها منذ الآن أربع شقق، بالأسعار الرخيصة التي يحرصون على أن تُشجع على الشراء فالاستيطان، ثم قالت’ يجب أن يستمروا في البناء ولا يخافوا من الولايات المتحدة، لأننا إذا انحنينا، فسيطردوننا من هنا’.
الأكثر أهمية في سياسة الولايات المتحدة حالياً، أنها تعي مسألة الكذب هذه، فللمرة الأولى منذ عقود، تلمس إسرائيل موقفاً جدياً يثير قلقها، ينقل المشاحنات السياسية بقوة إلى الساحتين الأميركية والإسرائيلية، ومن الطبيعي ارتباطهما، حتى في مسألة الاستيطان المحتدمة الآن.
رونيت آفني مواطن إسرائيلي-أميركي- كندي، هو مخرج فيلم ‘نقطة مواجهة’، ومدير تنفيذي لمنظمة ‘رؤية عادلة’ التي تهتم بالتوثيق لمبادرات السلام الفلسطينية والإسرائيلية، نشر مقالة في’ واشنطن بوست’ عنوانها ‘هل تريدون وقف الاستيطان الإسرائيلي؟ اتبعوا الدولارات’. يقول إن كبار المتطرفين الإسرائيليين جاؤوا من الولايات المتحدة، وإن أكبر داعمي الاستيطان ودعاته ومموَليه أميركيون، وإذا لم تجد المحاكم الأميركية طريقة لوقف التسهيلات لتوسيع المستوطنات، فيمكن مثلاً لمكتب السيطرة على الودائع الخارجية في وزارة الخزانة أن يتدخل ‘كما فعلت الحكومة حين وضعت منظمة كاهانا في قائمة المنظمات الإرهابية لأسباب لا تتعلّق مباشرة بتمويل الاستيطان، فمنعت مواطنيها بذلك عن تقديم العون المالي لهذه الجماعة’.
أشار أيضاً إلى أن مستشاراً للخارجية نشر رأياً في عام 1979، يقول إن الاستيطان يتعارض مع اتفاقية جنيف الرابعة (لماذا لا يتمّ التركيز على ذلك، ومواد الاتفاقية المقصودة واضحة لمن يرغب؟)… ختم رونيت آفني مقالته بنداء ‘ربما حان الوقت للأميركيين أيضاً لأن يتوقفوا عن دعم المستوطنات’. الأميركيون يصبحون للمرة الأولى أكثر قابلية للاقتناع أو الجرأة، وهم يناقشون صواب السياسات الإسرائيلية وشرعيتها ومدى مخالفتها لحقوق الشعوب والناس.
في التعليقات على صفحة تقرير ‘الأسوشييتدبرس’ المذكور أعلاه، هنالك ازدحام شديد على المناقشة، ويضطر المدافعون عن إسرائيل إلى الكشف عن عنصريتهم وهشاشة منطقهم، فهم يتكلمون حتى الآن عن أنهم حلّوا مكان رعاةٍ رحّل وبدو ضعفاء لا علاقة لهم بالأرض، وأن الإسرائيليين هم ورثة حقّ طبيعيون لأولئك الذين شردهم في المنافي الرومان والبابليون والآشوريون والفرس.. منذ ألفي عام.
المهم أن هنالك مدافعين أكثر عن الحقوق الفلسطينية، ومهاجمين أكثر للعدوان الإسرائيلي.
وبما أن الأمر بالأمر يُذكر، فقد طفا على صفحات الإنترنت أيضاً انتصار ‘قناة المنار'(هكذا… ليس ‘حزب الله’) على الفنان الفرنسي من أصل مغربي’ جاد المالح’ وإجباره على إلغاء مشاركته في مهرجانات ‘بيت الدين’ في لبنان، بدعوى أصوله اليهودية، ودعمه للجيش الإسرائيلي، الأمر الذي تمّ نفيه. في الهتافات اللاحقة لخبر الانتصار، وكلّها تبارك وتحيي، وَرَدَ تذكير بانتساب اليهود إلى أجدادهم القردة والخنازير.
فلا بأس بأن نتوقف قليلاً وننظر بلطف وتفهّم في مَن يدعم مَن؟ وكيف يدعمه؟ وهل يمكن استخلاص شيءٍ على هذا المسار، والدنيا ليست مضطرة إلى انتظارنا؟
ولا يمكن ألّا نرى في تمديد الحوار الفلسطيني؛ بسبب الخلاف على بضع كلمات تتعلّق بجنس الملائكة؛ جزءاً من حالة تساعد العدوان على غيّه، وعلى استيطانه، وكذلك ألّا نرى في تأخير وعرقلة عملية الإصلاح السياسي الاقتصادي الاجتماعي (والثقافي أولاً) حالةً مرضيةً عميقة تمهّد الطريق للهزائم والمصائب والنكبات.
* كاتب سوري