نظرة على مسودة قانون الأحوال الشخصية
تأخرت كثيرا في كتابة تعليق حول مسودة قانون الأحوال الشخصية الجديد لعدة أسباب منها انشغالي الشديد في هذه الفترة وأيضا تباطؤي في إتمام قراءة المسودة نظرا للملل الذي صاحبني في قراءة المواد القانونية حتى أنني مررت مرورا سريعا على بعض الفقرات والمواد.
الإحتجاجات التي رافقت تسريب مسودة القرار كانت أكثر من إيجابية من حيث أنها خلقت حالة من الحراك والتفاعل الشعبي لأول مرة مع تشريع من التشريعات الكثيرة التي تصدر دون علم المواطن بها إلا من خلال الجريدة الرسمية لترسم حياته وتقرر مصيره دون أن يكون له أي يد أو رأي فيها في ظل مجلس يحترف ضربة إجماع المجلس على كل قرار يصدر!!
المسودة تم رفضها أخيرا بعد مد وجزر دون أن يكون لمجلسنا العتيد أي دور في ذلك، مع تحفظي على مصطلح ” تسريب” إذ من غير المعقول أن نكون على علم بتفاصيل المسودة كاملة ولا ندري لغاية اللحظة من هم الذين قاموا بتأليفها، ومنذ متى تحصل تسريبات في سورية بدون رغبة أولي الأمر!!
أعتقد المسألة جس نبض للتوجه العام للشعب السوري لا أكثر وربما لتمرير شيء ما وسط المعمعة الدائرة، تماما مثلما حصل عام 2000 على ما أعتقد عندما حدث كسوف للشمس في سورية حيث انبرت وسائل الإعلام الرسمية والمسؤولين بشكل غير مألوف في توعية الشعب وتحذيرهم من الخروج خارج منازلهم أثناء الكسوف حرصا على سلامتهم!!
برأيي كانت المسألة مجرد جس نبض “لفهمنة” الشعب ومقدار انصياعه للتعليمات والأوامر القائمة على مفهوم التخويف. وبالفعل نجحوا نجاحا باهرا فالشوارع أصبحت في معظم المحافظات السورية أشبه ما تكون بالدعاية التلفزيونية لبرنامج من سيربح المليون!!
أيضا إشغال الشعب قليلا بقانون لا ضير أبدا إن لاقى رفضا منه – يذكرني الأمر بالإنتخابات الإيرانية – ليتم تسجيل موقف أن الشعب له كلمته في سورية. وإن بعض الظن إثم طبعا!!
علما أنني لا أبخس الحركة الشعبية التي حصلت فكما قلت كانت رائعة جدا وأتمنى أن تكون خطوة أولى ليقول الشعب رأيه في كل القوانين والتشريعات التي تمس حياته ومستقبله.
لكن بعد قراءتي للقانون وجدت ردة الفعل مبالغ فيها جدا من حيث تصوير أن سورية ستصبح ولاية طالبانية وعن الدور المشبوه لرجال الدين –مع تحفظي على المصطلح- في ضرب اللحمة الوطنية وعن هضم حقوق المرأة وتشريع الحسبة . . الخ
كما لو أن المشايخ هم أصحاب الكلمة العليا والفصل في الأمر!! وقد قلت سابقا أن ردات الفعل دخلت ميدان المبالغات الشعرية.
عموما لست فقيها أو حقوقيا لكن ملاحظاتي حول القانون هي:
1- سرية أسماء من قاموا بوضع المواد.
2- قانون الأحوال الشخصية مستمد من الشريعة الإسلامية وهذا أمر منصوص عليه في الدستور (المادة 3)، لكن الأفضل لو كان مصدر التشريع لا يقوم على مذهب فقهي واحد بل انتقاء أفضل الآراء الفقهية من المذاهب الخمسة لتكون مصدرا تشريعيا، رغم أن المذهب الحنفي يعتبر من أيسر المذاهب الفقهية في الإسلام.
3- بما أن القانون مستمد من الشريعة فلا أدري كيف يقوم مسلمون بالتشريع للمسيحيين، الصحيح وجود رجال دين مسيحيين في اللجنة التي قامت بتأليف القانون.
4- القانون احتوى على مصطلحات أكل الدهر . . الخ عليها، وهي معيبة جدا في الوقت الحاضر، مثل ذمي وكتابي وموطوءة وواطئ . . الخ وهذه مشكلة أننا لا زلنا نحافظ على المصطلحات والمسميات من 1400 سنة رغم تغير معانيها ودلالاتها في الوقت الحاضر !!
5- يوجد تمييز واضح بين المواطنين على أساس الدين فالمسلم له الأفضلية على المسيحي! علما أن النص الدستوري يؤكد على المساواة بين المواطنين (المادة 25 الفقرة 3) لكن هذه المشكلة أو التناقض منشأه فقهي إسلامي نظرا لأن قانون الأحوال يعتمد التشريع الإسلامي، إذا تجب مراجعة الفقه الإسلامي بخصوص هذه المسألة وحلها ليصبح هناك انسجام وتناسق.
المادة ٣٨
1- یشترط في صحة عقد الزواج حضور شاھدین رجلین، أو رجل وامرأتین مسلمین، أو كتابیین في زواج المسلم بالكتابیة حین الضرورة، عاقلین، بالغین، سامعین الإیجاب والقبول، فاھمین المقصود بھما.
2- تجوز شھادة أصول وفروع الزوجین أو أحدھما.
3- تجوز شھادة الذمي إذا كانت الزوجیة كتابیة، حین الضرورة ولكن لا یثبت الزواج إذا جحده الزوج المسلم، ویثبت إذا جحدتھ الكتابیة.
هذه المادة تشرع عودة عصر السبايا ، فالمسلم بإمكانه الزواج من أي فتاة مسيحية يراها في الشارع وتعجبه، كل ما يلزم حضور شاهدين يشهدان وعقد زواج يمكن تزويره واعتبار الزواج تم خارج المحكمة ويريد توثيقه الآن عملا بالمادة 84 الفقرة 1 لتصبح الفتاة زوجة له مهما أقسمت وأنكرت الزواج!!
المادة 84:
١- الزواج الذي استوفى أركانھ وشرائطھ والمعقود خارج المحكمة صحیح ومنتج لجمیع آثار الشرعیة، عدا ما تعلق منھا بالمال.
أيضا يمكن للمسلم التنصل من زواجه بالمسيحية ساعة يشاء طالما أن الزواج تم خارج المحكمة!!
6- المادة ٤٥
١- إذا ادعى المراھق البلوغ بعد إكمال الخامسة عشرة أو المراھقة بعد إكمالھا الثالثة عشرة وطلبا الزواج یأذن بھ القاضي إذا تبین لھ صدق دعواھما واحتمال جسمیھما.
لا تزال عادة تزويج صغار السن موجودة في الأرياف والمناطق التي تفتقد إلى التعليم لكن أن يتم تثبيت هذه العادة قانونا فهذه طامة كبرى!! علما أن المادة 44 نصت على أن سن الزواج القانوني 18 للشاب و 17 للفتاة.
هل الشاب أو الفتاة في عمر 15 و 13 سنة واعين لمعنى الزواج حتى يجيز القانون زواجهم . . عجيب حقا خصوصا أننا في زمن يحث على التعليم وهم في هذه السن يكونون في المرحلة الإعدادية بمعنى آخر القانون يجيز زواج الاطفال ولا يزال يعتمد على مفاهيم لم تعد تناسب وقتنا الراهن بتاتا !!
7- المادة ٤٦
إذا كان الخاطبان غیر متناسبین سنا ولم یكن مصلحة في ھذا الزواج فللقاضي أن لا یأذن به.
لا أدري ما دخل القاضي بخيارات الناس في الزواج خصوصا أنها مادة مطاطة جدا وغير واضحة!! رغم أنها تشتمل ضمنا على منع الزواج بين كبار السن والصغار لكن مع ذلك المفروض أن القاضي لا يتدخل بهذه المسألة طالما أنها تمت برضى الطرفين.
8- المادة ٥٣
١- إذا زوجت الكبیرة نفسھا من غیر موافقة الولي فإن كان الزوج كفؤا لزم العقد وإلا فللولي طلب فسخ النكاح.
المادة تعطي الحق لولي الأمر بفسخ زواج الفتاة البالغة العاقلة والوقوف ضد رغبتها في الإرتباط ممن تريد وهنا تعسف كبير وتثبيت الوصاية على المرأة في حقها بالزواج ممن تختار قانونا مهما بلغت من العمر!!
9- المادة 63 لا ينعقد:
٢-زواج المسلم بغیر المسلمة ما لم تكن كتابیة.
٣-زواج المرتد عن الإسلام أو المرتدة ولو كان الطرف الآخر غیر مسلم.
الإشكالية التي تثيرها المادة إشكالية فقهية بامتياز، لكي تحل يجب حلها في الفقه الإسلامي أولا، فإن كان مفهوما عدم إجازة زواج المسلمة من غير المسلم نظرا لأن المرأة تتبع زوجها، فلا أدري لماذا يمنع زواج المسلم من غير الكتابية ؟!
أيضا حكم المرتد، طالما أن الدين قناعة شخصية بالمقام الأول فكيف يحكم على المرتد عن الإسلام بالقتل ويمنع زواجه حتى من غير المسلمين!! شخص ما غير قناعاته بالإسلام وقرر أن يتماهي معها فبدل دينه لا أظن من حق أحد محاسبته على خياراته خصوصا أن الإعتقاد مسألة خاصة بين الإنسان وربه هو الذي يعاقب أو يثوب عليها (الحديث يطول في هذه النقطة)
أيضا المادة 63 تشجع من جهة ما المرتد على ارتكاب الرذيلة طالما لا يحق له قانونا الزواج، فبأي حق يمنعون عنه ذلك! يبقى عزابي طول العمر مثلا ؟
10- المادة 76 الأوراق المطلوبة للزواج:
ج- شھادة من قبل لجنة طبیبة سریة مختصة یختارھا وزیر العدل تفید بخلوھما من الأمراض الساریة والمعدیة، ومن الموانع الصحیة للزواج التي نص علیھا القانون.
ھ- موافقة مدیریة الأمن العام إن كان أحد الزوجین أجنبیا.ً
الفقرة ج فقرة ممتازة ومطلوبة لكن الفقرة هـ لا أدري ما دخل الأمن في الزواج ؟! إلا إن كان لمنع تزويج الجواسيس ومن سار على دربهم.
لكن الأغرب في المادة 84 بند الزواج خارج المحكمة:
٣-إذا كان أحدھما أجنبیا فلا بد من موافقة دوائر الأمن العام إضافة لما ذكر أعلاه، ولو كان ھناك ولد أو حمل ظاھر.
يعني اذا لم يوافق الأمن لا يعقد الزواج حتى لو كان هناك حمل وأولاد . . . عموما شرط موافقة الأمن على الزوج الأجنبي شرط يحتمل النقاش لكن المادة غير واضحة وغير محددة أبدا، إذ يمكن للمسؤول في دائرة الأمن التصرف بشكل كيدي لمنع الزواج حتى لو يكن هناك شبهة ونحن نطمح لكف يد الأمن عن التدخل في شؤوننا.
11- المادة ٨٢
یمنع عقد الزواج أو المصادقة علیھ ما لم تتم الفتاة الخامسة عشرة، ویتم السابعة عشرة من العمر وقت التوثیق.
هون حيرنا المشرع !! الزواج للشاب بسن 18 والقتاة 17 ويسمح لهما الزواج في سن ال 15 وال 13 إذا كان في ذلك مصلحة والمادة هذه تعني عدم توثيق الزواج في الحالة الثانية إلا بعد سنتين من الزواج !!
12- المادة ٨٥
كل زواج یجري خارج المحكمة:
١- لا یترتب علیھ الآثار القانونیة.
٢- یوجب معاقبة الزوجین والولي والشھود ومنظم العقد بالحبس شھرا كاملا.ً
٣- لا یستفید من ذكر في الفقرة السابقة من الأسباب المخففة التقدیریة
الفقرة 2 و 3 فيها تناقض مع الفقرة 1 من المادة 84 التي تنص ” ١-الزواج الذي استوفى أركانھ وشرائطھ والمعقود خارج المحكمة صحیح ومنتج لجمیع آثاره الشرعیة، عدا ما تعلق منھا بالمال.”
فعلى أي أساس يعاقبون ؟
أيضا المادة 86 توجب دفع غرامة على من يتزوج خارج المحكمة قد يكون الأمر جيد لمنع الزواج العرفي وتوثيق الزواج أصولا لكن المفروض تحديد مدة زمنية على أساسها تكون الغرامة نافذة.
13- المادة 325 الفقرة 4- إذا اسلم أحد الزوجین كان دین الصغیر ھو الإسلام، على أن یبقى لھ حق اختیار الدین عند بلوغھ سن الرشد خلال شھر من بلوغھ، شریطة أن لا یكون قد صدر عنھ ما یدل على إسلامھ قولا أو فعلا.ً
المادة 343 في تعريف القاصر:
هو من لم يبلغ سن الرشد وهي 18 عاما شمسية
والسؤال الذي ينطح نفسه كيف يجوز زواج القاصر !!! وكيف للقاصر اختيار دينه أو عدم إمكانية تغييره في حال غلط مرة على سبيل المثال ونطق الشهادتين قبل البلوغ ؟!
علما أنني كرأي شخصي ضد محاسبة الإنسان على تغيير دينه في أي وقت يشاء، وأعتبر أن حكم الردة هو حكم مرحلي وظرفي مؤقت في التاريخ الإسلامي.
14- المادة 364 و 365 تجيز للقاضي سحب الولاية من الولي على مال القاصر في حال خيف عليها من الضياع أو لتعارض مصلحة الولي مع مصلحة القاضر.
وهذا كلام جميل لكن السؤال ماذا لو كان الولي هو الأب، لا أعتقد من حق القاضي ساعتها نزع ولاية الأب على ابنه أيا كان الأمر.
النقاط السابقة هي ما وجدتها سلبية في القانون علما أنني قفزت أو قرأت على عجالة الكثير من الأبواب أما باب الميراث فلم أقربه إلا عدوا.
السلبيات السابقة كفيلة بنسف القانون عن بكرة أبيه بشكله الحالي، وأيضا لي ملاحظة حول إثبات النسب، الفروض نستفيد من التطور العلمي الحاصل في عصرنا والإستعاضة عن حلفان الزوج أو الزوجة بفحص الـ DNA وبذلك يكون إثبات النسب قطعيا ولا يحتمل الظنون.
بالنسبة لحقوق المرأة والتي وجدتها منصفة جدا في القانون فأرجو مراجعة المواد التالية للتأكد من ذلك:
المواد: 41 – 47 – 108 (فيها خورفة للرجل) – 117 – 129 – 136 – 140 – 141 – 142 – 143 – 180 – 186 – 190 – 427.
أيضا هناك مواد جيدة جدا مثل مواد صندوق التكافل الأسري 24 و 25 وأيضا المادة 48 و 355 الفقرة 2 حول سقوط الولاية. القانون كفل حقوق الأطفال بشكل جيد أيضا.
توجد مادة عجبتني وهي المادة ١٧٣
لا یقع الطلاق غیر المنجز إذا لم یقصد بھ إلا الحث على فعل شيء أو المنع منھ أو استعمل استعمال القسم لتأكید الإخبار لا غیر.
هاي المادة فتحت الباب للرجال مشان يحلفوا بالطلاق براحتهم على طريقة باب الحارة 🙂 لكنها تبقى جيدة.
أيضا المفروض تحديد السقف الأعلى للمهر طالما أن الامر ذكر في المادة 101.
رغم أنني عبرت عن رأيي في مسألة تغيير الدين لكن المادة 230 والمادة 231 فيها من الإنصاف الشيء الكثير.
على أيه حال نتأمل أن يتلافى القانون القادم كل الأخطاء التي وردت في المسودة والعمل على تشريع قانون عصري يحترم الإنسان ويحقق مقاصد الشرع ويصون المواطنة.
شكرا لمن قرأ حتى النهاية ولمن قرأ قليلا أيضا.
من مدونة أعواد ثقاب