أزمة الخطاب الإعلامي السوري فيما يخص قضية المرأة
سارة مراد
يتميّز وضع المرأة في سورية خاصّة، والعديد من الدول العربية عامّة، بالتباس واضح ما بين وهم الأرقام الجافّة، ومأساويّة الواقع الراهن. حيث نشهد – ظاهرياً- حركة نسائية حاضرة في مختلف القطاعات الحياتية، خاصّة الأدبية والفكرية والإعلامية والحقوقية منها، ولدينا أسماء نسائية عديدة في أعلى مناصب صنع القرار، وأكثر منهنّ بكثير في موقع النيابة في مجلس الشعب، وأخريات في القضاء والإعلام، وتطول القائمة.
غير أنّ هذه الأسماء والأرقام التي يستند إعلامنا إليها في المقام الأوّل للحديث عن وضع المرأة في سورية، لا تعبّر حقيقة عن فعالية المرأة السورية، سواء في الحياة السياسية أو الاجتماعية أو الثقافية، فنجد أنّها أرقام تهتمّ الحكومة بإحقاقها لغايات تزيينية، وضمن مبدأ “الكوتا”، أكثر من كونها تعبيرا عن فاعلية حقيقية وملموسة في بنية المجتمع السوريّ، إذ وبعيداً عن ذكر أسماء أو حالات محددة، فإنّ نساء سورية يُعانين في الواقع من أمرين، أوّلهما ثبات القوانين التي تقيّد المرأة إلى البُنى السلفية التقليدية، ومنها قانون الأحوال الشخصية من جهة، وما يتعلق بقضايا جرائم الشرف من جهة أخرى. وثانيهما الأزمات الذاتية التي تعانيها المرأة، ما بين الطموحات إلى الاستقلال والمساواة وبين التربية التي ما زالت مقيّدة في حدود النظرة الاجتماعية المحافظة للمرأة ودورها في المجتمع، ممّا أفرز حالات شديدة التعقيد… إذ ما زالت المرأة في مجتمعاتنا الشرقية محكومة ـ حتى اليوم ـ بمنظومة قيم بطركية سائدة في جوهر البنية الاجتماعية لبلادنا، ولهذا نشهد في الكثير من الأحيان قرارات مُتعسّفة بحقّ المرأة تصدر من امرأة تمّ تعيينها في منصب صنع القرار وفق مبدأ “الكوتا”، حيث اقتضت الخطة الخمسية العاشرة للحكومة – على سبيل المثال- إحقاق نسبة ثلاثين في المائة من كراسي البرلمان للنساء، ورغم كلّ الأرقام القائلة بتحسّن وضع المرأة في سورية، لم تستطع الحكومة تحقيق أكثر من نسبة 12 في المائة، وهي نسبة متواضعة لكنها لا تعبّر رغم ذلك عن فعالية حقيقية للمرأة في المجتمع. إذ أنّ سيّدة في منصب وزيرة سابقة ونائب رئيس حالياً غير قادرة على منح جنسيتها السورية لأطفالها، لأنّها متزوّجة من رجل عراقيّ، وغير قادرة على ممارسة أيّ ضغط لتعديل قانون الجنسية بما يسمح بمنح هذه الجنسية لأطفالها ولباقي الأطفال الناتجين عن زيجات مماثلة.
أمّا نساء البرلمان وسيّدات صنع القرار، فإنّ مسيرة كلّ منهنّ موضع تساؤل في ما يخصّ الخطوات الحقيقية التي قطعنها في قضايا المرأة، حيث يبدو حتى اليوم، أنّ المشروع الشخصيّ للمرأة، ليس من ضمن الأولويّات التي يتمّ تعيين السيدات على إثرها لتحقيق الكوتا المطلوبة، وهو ما يضعنا تحت وطأة الالتباس ما بين البيانات الرسمية لحضور المرأة السورية ومشاركتها في مختلف مجالات الحياة، وما بين الواقع المُعاش بمفرداته المغايرة تماماً. وعلّ واقع الحال الفعليّ، هو ما قلّص إمكانية إحقاق نسبة الثلاثين في المائة، والأهمّ هو وصول الحال بهذا الواقع- مُتمثّلاً ببعض الأفراد- إلى التفكير وصياغة وتقديم مسودة قانون من مستوى قانون الأحوال الشخصية مثار الجدل هذه الأيام، لما فيه من تعسّف وعودة حقيقية إلى زمن ما قبل الدولة وقبل القومية، وفي العديد من القضايا وخاصّة ما يتعلّق منها بالمرأة. إنّ ظهور مثل هذه الإمكانية كفيل بالتأكيد على الهوّة العميقة التي تفصل حال نساء الشارع السوريّ عن الصور والأرقام التزيينية التي تظهر في الوسائل الإعلامية المختلفة.
فمن هذه الأجواء الملتبسة يأتي الخطاب الإعلامي، في صيغه الرسمية أو الخاصة- التي صدرت بمباركة الجهات الرسمية- ملتبساً بدوره، إذ قلّما نجح هذا الخطاب في الحديث عن إشكاليات المرأة السورية، ومردّ ذلك إلى مجموعة مختلفة من الأسباب، لعلّ أهمها ارتباط هذا الخطاب بالتوجّهات السياسية الرسمية من جهة، وتماهيه مع خطاب الشارع المحافظ من جهة ثانية، حيث لم يستطع إعلامنا السوريّ، في مختلف قطاعاته، الاستقلال عن حاضنه الاجتماعيّ. وعليه نرى مقالات صحفية أو برامج إعلامية تتحدّث عن ضرورة مساواة المرأة بالرجل، ونيلها كافّة حقوقها، مع ذكر بعض الشواهد التي تتناسب والرؤى السياسية عن التطوّر الذي تشهده قضية المرأة في سورية. لكن الصحفيّ في سورية، يبقى في الواقع، غير قادر على الإمساك بالأرقام الإحصائية الحقيقية لعدد النساء اللواتي يتعرّضن للعنف المنزليّ (الجسديّ- الجنسيّ- النفسيّ)، وهو كذلك غير قادر على الحديث في ما تمّ التعارف على أنّه (خطوط حمراء) مثل قضايا: (الاغتصاب- سفاح القربي- السحاقيات- العلاقات الحرّة خارج إطار الزواج…)، وهي قضايا تشكّل مفردات واقعنا السوريّ الجديد، الذي يُفترض بالإعلام أن يكون المُعبّر الأكثر شفافية ودقّة عنه، لكنّ نساء هذا المجتمع محكومات بمفرداته الحياتية وليس بالخطب الإنشائية، فيفضّلن كتمان الفضيحة، وعدم نشر الغسيل الوسخ، وستر العار، وتأمين مستقبل الأولاد، وعليه قلّ عدد النساء المستعدّات للمخاطرة بوضعهنّ الاجتماعيّ والحديث عمّا يتعرّضنّ له من سوء معاملة، كما قلّ عدد المراكز المهتمّة بتأمين المساعدة الحقيقية، ولا توجد قوانين تحمي هذه المرأة، وكما اعتادت المؤسسة الزوجية تأمين حمايتها بالضغط الاجتماعيّ على المرأة عبر تربيتها على كونها الحلقة الأضعف، فقد اعتادت مؤسّساتنا الحكومية استغلال سيّداتها بضمان الحماية الاجتماعية الأقوى، فلمن تشتكي نزيلة مشفى الأمراض العقلية إن تعرّضت لإساءة المعاملة، أو السجينة. ومن سيقف إلى جانب الموظّفة ليُثبت تحرّش مديرها؟ وفي خضمّ كلّ هذا، وحيث نرى فعالية السلطة الرابعة مُحقّقة في مختلف دول العالم، بقدرتها كسلطة على البحث والتحرّي وتقديم الوقائع إلى الرأي العامّ، نجد لدينا رأي العائلة البطركيّ والأرقام التزيينية مفردات إعلامنا الأولى والأخيرة.
وعليه تخرج سورية من نطاق الحاجة المباشرة إلى مساواة المرأة بالرجل، إلى حيّز الحاجة إلى فاعلية واقعية تكشف عن جميع القضايا ولجميع النساء والرجال في هذا المجتمع، لتكون المطالبة بتعديل القوانين مطالبة مبنيّة على دراسة حقيقية لحاجات وواقع نساء سورية.
موقع الآوان
تعليق واحد