العرض والطلب
ساطع نور الدين
المصالحة اللبنانية السورية التي باتت تنتظر تحديد موعد السفر الرسمي الى دمشق، فتحت الباب امام سؤال طريف بعض الشيء حول هوية الرابح الأكبر والخاسر الأكبر من الأطراف اللبنانيين الذين هتفوا طوال السنوات الخمس الماضية لإسقاط النظام السوري او الذين افتدوه بالروح والدم.
ثمة إجماع اليوم على أن ظروف هذه المصالحة قد نضجت، ولم يبق سوى التفاصيل التي تبدو في معظمها شكلية، وهي لا تلغي حقيقة أن لقاء دمشق المرتقب لن يكون اكثر من عملية تبويس لحى، تبقي الخلافات الجوهرية خارج البحث، وتضمن فقط تسليم الجانبين اللبناني والسوري بأن سعيهما المتبادل خلال الفترة الماضية ، لتقويض النظام في كلا البلدين كان فاشلاً وكان ثمنه باهظاً جداً على اللبنانيين بشكل خاص.
وهذا المنطلق للمصالحة ليس بسيطاً، لأنه يشكل نقطة التقاطع الوحيدة بين طرفين مهزومين بالغا في تقدير حجمهما وتحالفاتهما الخارجية. ولن يكون بإمكان احد في بيروت او دمشق ان ينكر ان التوتر ساهم من جهة في إعادة انتاج النظام السوري وتعزيز سلطته وتقوية مؤسساته، وحال دون اي تعديل للنظام اللبناني الذي انبثق من اتفاق الطائف… وأثبت بشكل نهائي ربما ان كل طموح للتغيير او التطوير في كلا البلدين هو مجرد وهم قاتل.
لكن هذه البداية الجديدة لن تكون سهلة. وجسور الثقة التي هدمت على مدى نحو 35 عاماً لن ترمم في وقت قريب، او على الأقل قبل ان يحدد اللبنانيون والسوريون مرتكزاً او مرجعاً للبحث في العلاقات بين الشعبين وبين الدولتين، يتخطى المرارات المتوارثة منذ الاستقلال وحتى عام 1976، ثم منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم، ويعتبر ان التأسيس للمستقبل يتطلب اعترافاً مسبقاً بأن التناقض بين النظامين وبين ميولهما وأساليبهما لا يمكن ان يحل ولا يجوز ان ينفجر عند اول منعطف خارجي، ولا يصح ان يكشف ان التفاهم بين البلدين لم يكن يوماً إلا قسرياً، برغم كل الزجل السياسي حول المصير المشترك والمسار الواحد.
لن يكون من السهل تحديد حسابات الربح والخسارة من تلك المصالحة. الواقعية السياسية التي تسود اليوم في بيروت كما في دمشق، ليست وليدة التسليم بالهزائم الاخيرة على جانبي الحدود، بل هي نتاج ضغوط خارجية هائلة على اللبنانيين والسوريين، تحاول ان تقفل الجبهة اللبنانية المضطربة، على الأقل لفترة محدودة… بانتظار ما ستسفر عنه التحولات العراقية والفلسطينية والأفغانية، والإيرانية طبعاً.
الكل خاسر، في بيروت كما في دمشق، لكن ثمن الخسارة سيكون مختلفاً بين العاصمتين اللتين تنتظران مكافآت خارجية على حسن السلوك المتبادل، وهي مكافآت قد تتأخر بعض الشيء، لأن التهدئة في لبنان لوحده ليست بذات قيمة، ولأن تنظيم العلاقات اللبنانية السورية لا يندرج في اي سياق إقليمي واسع، وهو لا يؤدي حتماً الى تفكك المحور السوري الإيراني ولا الى تبدل المحور السعودي المصري الأميركي… ولا طبعاً الى صفقة شاملة بينهما.
ثمة محور يريد ان يشتري بلا مقابل، وثمة محور ليس لديه شيء للبيع. لكن الاثنين يتفقان على انها لحظة للعرض والطلب.
السفير