صفحات العالم

حكاية مروى

عباس بيضون
حكاية مروى الشربيني مؤلمة للغاية. ذبح المصرية المثقفة والمحجبة في قاعة المحكمة حدث فظيع وفظاعته فوق الخيال. قد يكون القاتل معاديا للسامية وقد يكون كارها للإسلام وقد يكون مختلاً او يكون الثلاثة معا، فهي قد تجتمع بدون تعارض لكننا لا نفهم ذنب المانيا كلها وحكومة المانيا في ذلك كله، إلا ان يكون هناك من اشتاق لشيء كالرسوم الدنمركية ويريد ان يبتعثه من جديد.
ليس مصرع مروى الشربيني مشكلتنا مع المانيا ولا الحكومة الألمانية (لا ننسى ان القضاء الألماني حكم لصالح مروى في دعواها على قاتلها وقد يكون هذا الحكم استفزه). ان مصرعها هو مشكلة الحكومة الألمانية والشعب الألماني مع حاله. القتيلة ليست ألمانية أصيلة والقاتل أيضا ليس ألمانيا أصيلا. واذا كان كره الاسلام (لم يتأكد ذلك) دافعا للقاتل فهذه مشكلة ألمانيا مع نفسها. المسلمون ألمان في ألمانيا وكذلك الوافدون من أوروبا الشرقية وعلى ألمانيا ان تعرف كيف تصالح مكوناتها وكيف توفق بين الأصيل والدخيل وبين الدخيل والدخيل. ليست هذه مشكلة المانيا وحدها فهي مشكلة أوروبا التي تتبدل مع الهجرة والمهاجرين والتي تواجه أزمة تعايش بين ثقافات وإثنيات تأتيها من الشمال والجنوب.
مروى امرأة، وإذا صح ان الحجاب كان سبباً في موتها فهذا يعني ان النساء المسلمات حتى في أوروبا هن من يقع عليهن الضيم. النساء هنا والنساء هناك هن من يدفعن الثمن الأكبر للتخلف الثقافي في بلادهن والتأزم الثقافي في المهجر. استفز حجاب مروى الشربيني القاتل وتستفز البراقع التي تتكاثر في فرنسا الفرنسيات والفرنسيين إلى الدرجة التي جعلت ساركوزي خلافا للأعراف، يتوجه إلى البرلمان ليندد بالبرقع وليحصل على تصفيق نواب اليسار قبل اليمين. لا بد من أن البرقع او البركة الافغانية نافران ومستهجنان بالنسبة إلى الفرنسيين الى الحد الذي يشعر فيه هؤلاء ان في ذلك اعتداء صريحا على الذوق الفرنسي والحياة الفرنسية. هذا يثير بالطبع ما أثاره الحجاب من ردود متضاربة، يترك الانكليز والأميركان للنساء ان يرتدين ما يشأن ويعتبرن هذا جزءا من الحياة الانكليزية والاميركية ولن يكون الأمر نفسه في فرنسا والمانيا. الا ان مسألة الحجاب ليست ذاتها مسألة البرقع، اذا كان الحجاب سنة فليس البرقع سنة، الحجاب تابو وليس البرقع كذلك. البرقع اصطلاح اكثر منه شعيرة، وأظن ان العدد الأكبر من علماء المسلمين لا يوصي بغطاء الوجه ولا يعتبره ملزما، الأرجح ان في وسع هؤلاء ان يبتوا في أمر كهذا والبت فيه مصلحة، اذ ان البرقع لن يكون سوى وسيلة شقاق يجر على المسلمين والمسلمات سوء تفاهم مقيما مع مجتمعاتهم الجديدة.
النساء هن اللواتي يدفعن الثمن هناك، مروى الشربيني في المانيا والمبرقعات في فرنسا، مهـــما يكن من أمر فإن التشجيع على الشقاق بين المسلمين ومجتمعاتهم الغربية لا يفيد الاسلام ولا المسلمين. بل انه في الأرجـــح يقطع الطــريق على نشوء اسلام غربي قد يكون نشـــوؤه مهما للمستقبل والتــعدد الاسلاميين.
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى