زين الشاميصفحات سورية

لماذا يتعلق السوريون بالشأن السياسي اللبناني الداخلي؟

null
زين الشامي
خلال الانتخابات التشريعية اللبنانية الأخيرة، لا بل منذ فترة التحضير لها ووصولاً إلى لحظة الاعلان عن النتائج، لوحظ أن اهتماماً سورياً مجتمعياً منقطع النظير قد تم تسجيله في هذه الانتخابات، بحيث بدا الشأن السياسي اللبناني كما لو أنه شأن داخلي سوري بامتياز، وسجل أيضاً أن للسياسيين اللبنانيين حضورهم الطاغي في الحياة السورية، يدل على ذلك متابعة السوريين لهم على محطات التلفزة اللبنانية المختلفة التوجهات والتي تعكس بدورها اختلافاً سياسياً بين مختلف الأحزاب والقوى السياسية والطائفية اللبنانية.
ففي سورية يمكن ملاحظة الحضور الكبير والاعجاب المنقطع النظير بـ «حزب الله» اللبناني وزعيمه حسن نصر الله، كما يمكن ملاحظة الحضور الكبير والشعبي لزعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشيل عون بين صفوف غالبية المسيحيين السوريين وعدد لا بأس به من المسلمين أيضاً، كذلك هي حال الزعيم وليد جنبلاط رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي»، الذي تقتصر حالات الاعجاب به في سورية على أبناء الطائفة الدرزية، رغم أنه أصبح شخصية إشكالية ومثيرة للجدل على خلفية دوره القيادي في قوى «الرابع عشر من أيار» التي ساهمت إلى حد كبير في إخراج القوات السورية من لبنان في ربيع 2005. بالطبع يخشى الكثير من مؤيدي الزعيم جنبلاط السوريين التعبير عن مشاعرهم خوفاً من الأجهزة الأمنية التي لن تسامحهم أبداً في ما لو أبدوا أي تعاطف مع من شن حملة إعلامية كبيرة ضد النظام السوري بعد مقتل رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري.
وينطبق الموقف ذاته على زعيم تيار «المستقبل» سعد الحريري الذي يجد أنصاراً له في مختلف المحافظات السورية، وربما يعود سبب التعاطف معه ليس على خلفية مواقفه السياسية المعارضة للتوجهات السورية، بل بدرجة أولى بسبب ما حصل مع والده حين اغتيل بطريقة مؤلمة، لا بل ثمة من يعتقد، ان اغتيال رفيق الحريري أتى بالدرجة الأولى بسبب موقعه العروبي وشعبيته التي لم تقتصر على لبنان فقط!
في عموم الأحوال، وبغض النظر عن اهتمام السوريين بكل السياسيين اللبنانيين، ومواقعهم، وخطاباتهم، وتصريحاتهم الصحافية التي لا تخلو من إثارة وطرافة إعلامية بسبب ما تحمله من تحرر من الجمود والرتابة التي تميز «السياسيين» السوريين بخاصة والعرب عموماً، نقول بغض النظر عن هذا الحضور الكبير «الشعبي» للسياسيين اللبنانيين، فإن ذلك يثير التساؤلات الكثيرة عن أسباب كل هذا الشغف والتعلق بشأن داخلي لدولة عربية يعتبر بحد ذاته «شأناً مربكاً ومعقداً وموجعاً للرأس» على حد وصف أحد الأصدقاء المصريين، نظرا للفسيفساء اللبنانية الطائفية والاجتماعية والسياسية، حيث لا يخلو حي أو أي منطقة لبنانية من تناحرات سياسية، مثل كونها لا تخلو من أسماء كثيرة لسياسيين، وأحزاب جميعهم لهم الحضور الإعلامي المحبب بغض النظر عن اتجاهاتهم السياسية، وصراعاتهم اليومية على المحطات الفضائية.
ان السبب الأول في رأينا يعود لجاذبية الحياة السياسية اللبنانية التي تتميز بهامش ديموقراطي لا يتوافر في الحياة السياسية السورية، ان الديموقراطية اللبنانية، حتى لو كانت محكومة باللعبة الطائفية، تبقى أفضل بكثير من انعدامها تماماً كما في سورية، حيث تخلو البلاد من أحزاب سياسية معارضة تملك وزناً وحضوراً مؤثرين في الشارع.
وهذا يقودنا إلى السبب الثاني، وهو يتعلق كما أشرنا آنفاً، بطبيعة الحياة السياسية السورية، حيث تغيب السياسة عن الشارع منذ نحو نصف قرن تقريباً، أي منذ تاريخ الوحدة السورية – المصرية حين منع عبد الناصر الأحزاب السياسية من العمل والنشاط، وفي ما بعد تكريس هذا المنع بعد وصول «حزب البعث» إلى السلطة عام 1963.
أيضاً، وبسبب هذا الغياب للحياة السياسية وسحبها من الشارع، بقي السوريون من دون سياسيين، ومن دون شخصيات كاريزمية مؤثرة وقوية، ان تجربة سجن المعارض رياض الترك أكثر من 17 عاماً هو خير دليل على سعي النظام منذ عام 1963 لمحو والغاء أي شخصية سياسية حزبية تملك طموحات وتسعى للتغيير الديموقراطي. لقد تأكد ذلك بعد عام 2000، حين عملت السلطات على سجن كل الناشطين السوريين المعارضين، فسجنت الدمشقي رياض سيف في المرة الأولى لمدة خمسة أعوام، كما أنها عادت وسجنته ثانية بعد أقل من عام على خروجه من السجن، وهو الآن لا يزال في السجن على خلفية اتهامات غير مقنعة ولا تعني إلا خوفها من الحضور الشعبي لهذا المعارض. أيضا سجنت كلا من النشطاء ميشيل كيلو، وعارف دليلة، وأنور البني وغيرهم. وقبل عام 2000، وإذا ما رجعنا إلى فترة الستينات والسبعينات من القرن الماضي سنجد أن «حزب البعث» وقيادته السورية، أبعدت الكثير من رموز الحياة السياسية السورية آنذاك إلى الخارج لعل أبرزهم مؤسس «حزب البعث» ميشيل عفلق، وأكرم الحوارني، كما أنها سجنت العشرات.
ان هذا الغياب القسري للرموز السياسية من الحياة السورية ساهم إلى حد بعيد في نمو حالة من الخواء الداخلي، خاصة وأن نظام الحزب الواحد المعمول به لحقبة طويلة لا يساعد على نمو شخصيات محورية في داخله، لا بل على العكس تماماً، ان أي شخصية مثيرة للجدل يتم اقصاؤها باكراً قبل أن تصبح معروفة جماهيرياً، ان المطلوب في ظل هذا النظام هو فقط الطاعة العمياء، ثم الطاعة العمياء والولاء الأخرس.
لذلك من الطبيعي، وفيما لو أخذنا في عين الاعتبار العوامل المتعلقة بالروابط الاجتماعية والعائلية والثقافية والجغرافية التي تربط السوريين باللبنانيين منذ حقبة طويلة موغلة في القدم، من الطبيعي أن نلحظ مثل هذا التأثر بما يحصل في «بيت الشقيق» الآخر… فكيف إذا كان هذا الشقيق مثيراً في كل شيء.
الراي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى