عندما يطول السجن, فماذا بعد
كمال شيخو
نسمع في سوريا بين الحين والآخر, اعتقال صحفي او عامل في الحقل الصحفي, او ناشط حقوق إنسان, او ناشط سياسي معارض, او أي مواطن عادي, بشكل تعسفي, من قبل جهات أمنية, دون أي مذكرة اعتقال او آمر استدعاء, ويستند هذا الأجراء الى قانون حالة الطوارئ الذي اصدر حسب المرسوم التشريعي ذو الرقم -51- تاريخ 22/12/1962 , ونص مادته الأولى على:
أ – يجوز إعلان حالة الطوارئ في حالة الحرب أو قيام حالة تهدد بوقوعها أو في حالة تعرض الأمن أو النظام العام في أراضي الجمهورية أو في جزء منها للخطر، بسبب حدوث اضطرابات داخلية أو وقوع كوارث عامة- ب – يمكن أن تتناول حالة الطوارئ مجموع الأراضي السورية أو جزءاً منها.
هذا القانون الذي أعطى الشرعية لتلك الجهات التي تقوم باعتقال العديد من هؤلاء النشطاء, دون اللجوء الى القضاء, واستصدار مذكرات قانونية بحق هؤلاء, فبعد مرور أربعة وخمسين يوما على سجن الصديق العزيز امجد عثمان, لا يعلم أي احد -حتى أهله- أي معلومة عنه, وهذه هي العادة المتبعة لدى تلك الجهات, حيث انه يتم توقيف الناشط من مكان عام او دارة حكومية, كما حدث مع عثمان, ويساق الى جهة غير معلومة, دون أبلاغ ذويه على الأقل.
امجد عثمان الشاب الذي يبلغ من العمر السادسة والعشرين ربيعا, ينتمي الى عائلة وطنية, حيث كان والده المتوقي مناضلا ومخلصا لمبادئه الوطنية, وهذا الشاب أحب الوطن وأحب تراب هذا البلد كما رباه والديه, وكان من الوجوه الشابة المعتدلة التي تعمل على مناهضة التطرف والتعصب بكل معانيها ومناحيها, وكان ينهل من هذه الحياة ما توفر له ساعديه, وكان يحاول ان يكسب رضىه كل المحيطين به, يحب الحياة ويعشق الحرية, فهو ولأول مرة يسجن فيها في هذا الاعتقال الذي طالة مؤخرا, لأنه لم يتوقع كمثل هكذا أجراء, بحيث كان يعمل دائما على التقرب من كل الحركات الوطنية الموجودة في سوريا, أحزاب عربية وكردية وأشورية, وكان يحاول باستمرار طرح نفسه كشخصيته مستقلة, وغير منتمي لآي جهة ما.
هذا الشاب الذي كرس حياته لخدمة ورعاية أسرته الصغيرة, بعد وفاة والده مبكرا, وترك هذا الحمل الثقيل على شاب في مقتبل العمر, اذ كان يبلغ من العمر عندما أصبح مسئولا عن أسرته, تسعة عشر ربيعا, وهو المعيل الوحيد لهذه الأسرة, المؤلفة من ثلاث بنات وأخ يخدم الآن في الجيش, وام قوية وقفت الى جانب ولدها بكل ما اؤتية من قوة وطاقة, هذه الأم التي تحملت كل ماسي الحياة وكل همومها وآلامها من اجل إسعاد أسرتها الصغيرة, ارضائا لابنها البكر من ناحية, ووفائها لزوجها الراحل من ناحية أخرى.
فعندما يطول السجن, يتخيل الأهل وجميع الأصدقاء والمعارف, باب السجن الحديدي, ينتظرون متى سيفتح ويفر ج عنه, والمفارقة هي عندما يجهل الجميع مكان وجوده, بحيث فرضت عليه الحياة ان يتحمل المواقف الصعبة, ننتظر على الأقل كي نعلم أين هو الآن, ومن بعدها ننتظر متى سيفرج عن الصديق امجد عثمان, وعن كل معتقل سجن من اجل كلمة, او موقف, او رأي, او مقالة كتبها, او نشاط ساهم فيها.
المرصد السوري