صفحات مختارةطيب تيزيني

السلام في الإسلام

د. طيب تيزيني
منذ بضعة أسابيع انعقد مؤتمر في دمشق بالتعاون بين وزارة الأوقاف السورية والسفارة البريطانية في سوريا وحمل عنوان “رسالة السلام في الإسلام”. وقد شارك فيه جمع من المهتمين والناشطين الإسلاميين في بريطانيا وسوريا. ولقد انتهى هذا المؤتمر، وانتهت معه أصداؤه دون أن يثير حواراً علمياً يتناسب مع خطورة الموضوع معرفياً وحساسيته سياسياً في مرحلة قد تمثل أفقاً مفتوحاً للإجابة على كثير من المسائل والمعضلات المعقدة.
والملاحظ من عدد من المداخلات المقدمة في المؤتمر القول بأن الأزمة المذكورة ظهرت خصوصاً فيما يتصل بصورة الإسلام في الغرب بفعل الصهيونية العالمية المسيطرة على الإعلام، إضافة الى ذلك يرى بعض آخر من المنتدين أن رسائل السلام في الإسلام واضحة وليست معقدة. ومن يقول غير ذلك، فإنه يفتئت على الحقيقة أو لا يعرف المسألة من الداخل، أي داخل الإسلام.
وحول هذه الأفكار نُسجت أفكار أخرى تُفضي إلى الاعتقاد بأن الأمور المتصلة بالإسلام على الصُعد المختلفة، أجاب عنها هو نفسه على نحو لا يدع للالتباس أو التساؤل سبيلا. وبهذا الطرح للمسألة، يجري السكوت عن الداخل الإسلامي ليصبح “الخارج” هو مصدر أزماتنا ومشكلاتنا الطارئة والبنيوية.
تلك خطوط أولية وغيرها برزت في عدد من المداخلات التي قُدمت في أثناء المؤتمر كما في بعض الكتابات التي قدمها بعض المشاركين ونشرت في الصحافة. ويمكن أن نجد المزيد من مثل هذه الأفكار لدى كتاب إسلاميين آخرين، منهم مَنْ يحمل أسماء بارزة، ومنهم على سبيل المثال الإمام محمد عبده، فمنه تنحدر العبارة الشهيرة، التي أطلقها في سياق النظر الى الإسلام في مجاله الشرقي العربي كما في حضوره ضمن الغرب: في الغرب يوجد إسلام دون مسلمين، أما عندنا نحن في الشرق والمشرق العربي تحديداً فيوجد مسلمون دون إسلام، وعبر تسليط ضوء منهجي تاريخي على تلك العبارة، نلاحظ أن خللا منهجياً يحيط بها ويقوم على النظر الى الإسلام من حيث هو كتلة صماء من المبادئ والقيم، التي إما أن نأخذها من حيث هي كذلك، أي كتلة من المبادئ والقيم المطلقة، وإما أن لا نأخذ بها أبداً. أما خصوصية الموقف حيال تلك الأخيرة، فيُفرّط بها، وهي التي تنشأ من خلال النظر إلى المبادئ والقيم في ضوء مستوى الأفهام ومنحى المصالح، التي تكمن ضمناً في بنية الناس ثقافياً معرفياً وأيديولوجياً ومناخياً.
ذلك أمر أول: أما الأمر الثاني في قضية “السلام في الإسلام” فيقوم على أن السلام لا يمثل مبدأ مجردا بذاته، وإنما هو مبدأ ذو بُعد تضايفي، وخصوصاً في الأوضاع العالمية والمحلية الراهنة. فبصريح العبارة لن يكون هنالك سلام حقيقي لا بنظر الإسلام فحسب وإنما كذلك من أي موقع آخر، بعيداً عن العدالة في توزيع السلطة السياسية، وفي المشاركة الحقة في الإعلام على أساس التعددية، كما في مبدأ التداول السلمي للسلطة. لقد مر العام برمته أو بمعظمه بتجارب كبرى أو صغرى في ما بعد الحرب الباردة إلى الآن دللت بوضوح ساطع على أن نزعة هيمنة الغرب الاستعماري على العوالم الأخرى، ونزعة هيمنة الطبقات والفئات والنخب السياسية والمالية في هذه العوالم الأخرى على شعوبها، تمثلان مصدرين مفتوحين لإنتاج الظلم والفقر والإفقار وخراب البلاد وتيئيس العباد، وفي مثل هذه الحال الكثيفة الثقيلة في وجودها على صدور البشر في العالم كله، يغدو كل حديث عن السلام باسم أي مذهب وأية نظرية خطلا وجزءاً من الحرب الثقافية والنفسية والأيديولوجية التي يستخدمها أولئك لترويض ضحاياهم.
وعلى هذا الأساس، صار من باب الدفاع عن “حقوق الإنسان” أن يُنادى الى إنتاج حلول حقيقية ناجعة لما يعاني منه السواد الأعظم في العالمين العربي والإسلامي.
ولم يعد مقبولا أن يجري ترديد القول بدفع الزكاة وبالتحفيز على ذلك، والوقوف عند ذلك، لقد طالب بعض المنتدين في المؤتمر المعني بتحقيق السلام وفق الرؤية الإسلامية للوقوف في وجه التشدد الأيديولوجي والديني، وذلك عبر جمع الزكاة من المسلمين وتوزيعها على الفقراء والمعوزين.
هنا ثمة ملاحظة مركبة تقوم على أن الأمر قد يستدعي القيام بخطوة فكرية كبرى، تؤسس لفهم اقتصادي علمي للزكاة، من خلال الدعوة الى إيجاد نظام عمل يحقق العدالة في التوزيع للثروة عبر مبادئ اقتصادية دقيقة وملزمة. مثل تطوير نظام ضريبي على قاعدة التصاعدية في الدخل الحقيقي، وليس الوهمي وذلك نحو ما يجعل من الزكاة صيغة من صيغ الضريبة الملزمة.
لقد آن الأوان لإنجاز خطوة حاسمة في حقل الإصلاح الديني الاقتصادي في إطار إصلاح عمومي.
الاتحاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى