لماذا قد تكون الحكومة “عيديَّة رمضان” ؟
سركيس نعوم
تراجعت اخبار “المحكمة الخاصة بلبنان” في وسائل الاعلام اللبنانية في الأشهر الماضية. لكن ما نشرته مجلة “در شبيغل” الالمانية عن هذا الأمر قبل أسابيع أثار قلق جهات لبنانية وارتياح جهات أخرى كما جعل غالبية الشعوب اللبنانية في حال ترقب. فالقلق كان من نصيب “حزب الله” وليس الخوف لأنه يعرف استناداً الى قريبين منه انه لم يرتكب هذه الجريمة البشعة ولأنه يملك من القدرات المتنوعة والدعم الاقليمي ما يمكِّنه من الدفاع عن نفسه أياً تكن الاثمان التي يمكن ان يدفعها في المقابل. الا ان ذلك كله على أهميته لم يبدد القلق، لأن إقدام المجلة الالمانية على نشر ما نشرت لا يمكن ان يكون بريئاً بل لا يمكن الا ان يكون اشارة الى تطورات خطيرة ستحصل على صعيد المحكمة المذكورة والقضية التي تنظر فيها. فضلاً عن ان احد ابرز الدوافع الجدية للقلق هو احتمال دخول قضية اغتيال الحريري مرحلة التسييس فالصفقة. وهذان الأمران غالباً ما يكونان لمصلحة الكبار الكبار وعلى حساب مصلحة “الصغار” رغم ان حجمهم حقيقة قد لا يكون صغيراً.
اما الارتياح الى ما نشرته “در شبيغل” فكان من نصيب اللبنانيين الذين اصيبوا مباشرة سواء سياسياً أو وطنياً أو عائلياً باغتيال الرئيس الحريري والذين كاد اليأس ان يتسرّب الى نفوسهم نظراً الى البطء المتعمّد أحياناً لأعمال المحكمة ونشاط لجنة التحقيق الدولية، وايضاً نظراً الى الغموض الملتبس لمعظم تقاريرها وخصوصاً بعد تخلي اول رئيس لها عنها.
يبقى الترقب الذي شعرت به غالبية اللبنانيين بسبب معلومات “در شبيغل”، وهو يعود الى إدراكها ان بلادها لن تشهد تقدماً فعلياً على طريق حل مشكلاتها الكثيرة المعقدة ما لم ينجل غموض عملية قتل الحريري على نحو مقنع وما لم يؤد ذلك الى اتهامات واضحة لجهات أو اشخاص حقيقيين.
طبعاً لم تؤد مشاعر القلق والارتياح والترقب المفصلة أعلاه الى عودة اخبار “المحكمة الخاصة بلبنان” الى صدارة وسائل الاعلام المحلية وغير المحلية في البلاد. لكن القليل منها الذي نُشر والذي تسرّب الى عدد من الدوائر السياسية اللبنانية والديبلوماسية العربية والاجنبية يشير الى ان شهر أيلول أو على ابعد تقدير آخر السنة الجارية لا بد ان يشهد صدور القرار الاتهامي عن المحكمة المذكورة. وتقرير كهذا يعني في حال صدوره، ذكر اشخاص وجهات وربما أحزاب وربما دول اتخذوا مجتمعين أو منفردين قرار قتل الحريري والتخطيط له والإعداد لتنفيذه وأخيراً تنفيذه.
ويشير القليل نفسه من المعلومات المتسرّبة الى الدوائر المذكورة اعلاه الى ان القرار الاتهامي لن يختلف كثيراً عن مضمون ما نشرته المجلة الالمانية “در شبيغل”. أي ان الاتهام سيوجه الى “حزب الله”. علماً ان احداً لا يعرف منذ الآن وفي حال صحة المعلومات المشار اليها اذا كان سيقتصر على عناصر حزبية تصرفت بمفردها ام سيشمل الحزب كله.
هل يعرف “الحزب ” هذه الامور؟ وهل يتابعها؟ وهل يتحوّط لها؟ وما هي طريقة معالجته لها؟
لا يشك أحد من متابعي مسيرته في انه منظم ودقيق وجدي ومطلع. ولا يشك أحد منهم ايضاً في انه يتابع مجريات التحقيق والمحكمة ويدرس كل الاحتمالات بالنسبة الى ما يمكن ان يصدر عنها. ولا يشك احد منهم ثالثاً في انه يدرس الوضع الداخلي في لبنان والوضع الاقليمي الحليف له والآخر المعادي له كما الوضع الدولي وذلك بغية وضع الخطة التي يرى ان في امكانها انقاذه من الذي يخطط كثيرون لإيقاعه فيه، وهو افقاده صدقيته ورصيده واضعافه وربما ضربه والانتهاء من اخطاره المتنوعة، سواء على اسرائيل او على الداخل او على الاعتدال العربي. ولا يشك أحد أخيراً في انه سيلجأ الى كل الوسائل المتاحة امامه لانقاذ نفسه من “عقاب” على شيء يقول انه لم يرتكبه، منها تحصين نفسه وطنياً بتفاهم مع كل الافرقاء، سواء داخل فريق 8 آذار الذي يقود أو داخل فريق 14 آذار الذي يقف في وجهه، وكذلك بتفاهم بين الفريقين. وقد تكون حكومة الوحدة الوطنية التي لا تزال ولادتها تتعثر رغم دخول “تكليف” النائب سعد الحريري اسبوعه الثالث قبل يومين هي “الحصن” المهم، اذا تمكن الجميع من تجاوز عقباتها وصعوباتها واهوائهم ومصالحهم ومصالح الخارج المتنوع والمتناقض الذي “يمون” عليهم. اما اذا بدا للحزب ان الداخل لن يساعده لإزالة الفخ المنصوب له فإنه سيلجأ الى كل ما في “جعبته” لمقاومة الاستهداف الذي يظن انه يتعرض له. وقد لا يستطيع أحد ان يتكهن بخطواته وتصرفاته وقراراته. لكنها قطعاً يمكن ان تكون مفاجئة جداً وقوية جداً وقاسية جداً وربما حاسمة. ولا يعود مهماً في هذا المجال اذا كانت مضاعفاتها سلبية وكثيرة. “فيا روح ما بعدك روح” كما يقول اللبنانيون.
هل من اجل هذا السبب او هذا الموضوع تتأخر ولادة الحكومة الاولى لسعد الحريري في ظل مجلس النواب الجديد؟ لا احد يمكنه الجزم بذلك. لكن ما بثته قناة “المنار” التلفزيونية التابعة لـ”حزب الله” قبل ايام عن ان الحكومة الجديدة قد تكون “عيديّة الفطر السعيد” اي في منتصف ايلول المقبل أو أواخر السنة الجارية يمكن ان يكون اشارة غير مباشرة الى ارتباط ما لتشكيل الحكومة بالقرار الاتهامي للمحكمة الخاصة بلبنان أو باتفاق اللبنانيين على استراتيجيا لمواجهة المرحلة المقبلة بوحدة وطنية حقيقية وإن فوجئ بها حلفاء الافرقاء اللبنانيين المتناقضين والذين هم بدورهم متناقضون.
النهار