أيلول الإيراني
محمد ابرهيم
الاحداث التي شهدتها ايران في الاسابيع الاخيرة استهلكت معظم رصيد الحوار الذي كان منتظرا بين الادارة الاميركية الجديدة وطهران.
كل النظريات حول أثر الحوار على الوضع الداخلي في ايران، او بالعكس حول المعطيات الداخلية الايرانية المؤثرة في الحوار استقرت عند صورة غير واعدة.
الرئيس الاميركي تعرض للانتقاد اثناء الاحداث لأن لهجته لم تكن حازمة بشكل كاف ضد قمع المحتجين على نتائج الانتخابات. ومعظم تصريحاته اللاحقة، وصولا الى ما بعد قمة الثماني، خلت من الامل بأن يؤدي الحوار الى التغيير الايراني المنشود، على الاقل في الموقف من الملف النووي.
الغرب اليائس من انتظار طهران بدا وكأنه يضرب موعدا لنفسه في ايلول المقبل لافتتاح مرحلة جديدة عنوانها استئناف الضغوط على النظام في ايران.
والضغوط المعنية ليست بالتأكيد ما اوحى به نائب الرئيس الاميركي من ضربة عسكرية تتحمل اسرائيل مسؤوليتها حصرا، للاسباب نفسها التي منعت سابقا من توجيه ضربة لايران، وانما تشديد العزلة السياسية والعقوبات العسكرية والاقتصادية على طهران.
لا بل ان الاحداث الايرانية الاخيرة تزن لمصلحة التعجيل بمثل هذه العقوبات طالما ان الوضع الايراني الداخلي قدم نفسه مأزوما للعالم الخارجي، مما يعني ان العقوبات قد تلعب لمصلحة المعترضين، وربما تعيد اشعال تحركاتهم.
وفي هذا السياق اتى عرض الرئيس الاميركي باراك اوباما على روسيا في قمته الاخيرة مع دميتري ميدفيديف في موسكو. وهو العرض الذي ذكّرت به موسكو امس عندما رفضت ما هو غير معروض.
قال اوباما في موسكو إن الدرع الصاروخية الاميركية المنوي نشرها في اوروبا الشرقية قد “تفقد زخمها” اذا ما ساهمت موسكو في وقف المسار النووي الايراني بانضمامها الى خط تشديد العقوبات، فجاء الجواب امس بأن لا علاقة بين ذلك وبين الوصول الى اتفاق روسي – اميركي لخفض الاسلحة النووية بما يوازي الثلث. والامران غير مرتبطين اصلا.
لذلك يبقى العرض الاميركي قائما ويبقى الرد الروسي منتظرا ربما بانتظار جولة حوار ما، ولو شكلية، بين واشنطن وطهران، ونضوج المساومات حول الدرع الصاروخية نفسها.
في المقابل لا يبدو ان ايران التي خرجت ضعيفة داخليا وخارجيا من انتخاباتها الرئاسية الاخيرة بصدد “استخلاص النتائج” على مشروعها النووي. ويبدو انها في صدد استئناف اللعبة الديبلوماسية التي اثبتت نجاعتها خلال الاعوام السابقة والقائمة على ترك نافذة مفتوحة يمكن استعمالها لتمرير التقدم في قدرتها النووية، شوطا بعد شوط.
لا بل يبدو ان الضعف الذي طرأ على الموقع الايراني يؤدي الى نتائج عكسية، منها هو المسؤول في الخارجية الايرانية يتحدث عن الإعداد لـ”حزمة من المقترحات” لمعالجة المشكلات التي تواجه العالم، على انواعها، باعتبار ان ايران “تعتبر اليوم قوة اقليمية عظمى…”. ومن بين المقترحات بالتأكيد “تجريد العالم من اسلحة الدمار الشامل بما يوحي ان طهران لديها الكثير لتفاوض عليه.
الادارة الاميركية الحالية ليست بالتأكيد الادارة التي ستسجل على نفسها اشعال مواجهة مع ايران، مباشرة، او بالواسطة الاسرائيلية. فكل ما تقوم به اليوم على الصعيد العالمي، بل على صعيد الداخل الاميركي، يتناقض مع خطوة المغامرة العسكرية، المعروفة النتائج.
لكن الادارة الاميركية الحالية هي في المقابل الاقدر على خوض مجابهة ديبلوماسية مع طهران نتيجتها عزلة دولية حقيقية هذه المرة.
المبادرات الانفتاحية للرئيس الاميركي، عبر العالم، لقيت حتى الآن استجابة، يمكن وصفها بالشاملة، سواء في اتجاه العالم الاسلامي، ام الروسي، ام الافريقي، ام الاميركي الجنوبي.
كل ذلك ينتظر بالتأكيد تحويل الخطب البليغة الى خطوات ملموسة تثبت ان هناك تغييرا حقيقيا في السياسة الخارجية الاميركية. لكن الانتظار لا يبدو انه سيكون طويلا، ففي معظم الملفات التي كانت علاقة بين ادارة جورج بوش و”العالم” يبدو ان اوباما لا يقف مترددا امام مباشرة التغيير ولو بخطوات “صغيرة”، ومنها بالتأكيد خطوة اعلان ان “الدرع الصاروخية” التي تسمم العلاقات الاميركية – الروسية ليست مقدسة.
يشاء سوء حظ ايران ان القضية الوحيدة التي يبدو اوباما مقفلا في وجهها هي الملف النووي الايراني. ولأسباب ليست اسرائيلية حصرا.
ذلك ان الحد من انتشار السلاح النووي وخفض الترسانات الموجودة فيه جزء اساسي من سياسة اوباما العالمية تشبه موقفه الحازم من قضايا البيئة والطاقة النظيفة. ليس اوباما معجبا بالتأكيد بشعار نشر الديموقراطية الذي استظلت به ادارة جورج بوش لكنه، في المقابل، لا يبدو اقل تصميماً حين يتعلق الامر باحباط سياسة جوهرية من سياساته العامة، والداخل والخارج هنا سواء.
العرض أمام طهران جدي، فهل تقتنع، نووياً، بجدية التحولات العالمية؟