لماذا يُفترض بالعلاقة بين الأكثرية ودمشق أن تمر عبر واشنطن؟
جورج علم
ترحيب المعلّم بالزيارة دليل على الرغبة في التفاهم والتوافق من دون وسيط
أطلق وزير الخارجيّة السوري وليد المعلّم، في الآونة الاخيرة، سلسلة من المواقف، شكّلت مادة دسمة عند بعض المجالس الدبلوماسيّة العربيّة والأوروبيّة، فماذا في التفاصيل؟.
يؤكد المعلم مرّة اضافيّة على ترحيب بلاده بزيارة العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز، الا ان الرياض تلتزم الصمت، ولم يتمّ الاعلان رسميّا بعد عن موعد محدد لها.
ويندرج الصمت السعودي في السياق الطبيعي التي تدار فيه الامور مع الولايات المتحدة الاميركيّة حول ملفات كثيرة، بينها لبنان وموضوع تأليف الحكومة الجديدة. وهذا لا يعني ان العاهل السعودي ينتظر اذنا من واشنطن كي يتمّ تحديد موعد الزيارة، الا ان فريق العمل المشرف على دراسة جدول الاعمال، يتعاطى مع الجزء كما الكل، ومع التفاصيل كما العناوين، كي تأتي ناجحة بكل المقاييس، وتحقق الاهداف المرجوة منها.
وحاول كلّ من وزيري خارجيّتي المانيا فرانك فالتر شتاينماير، وفرنسا برنار كوشنير، الدخول على الخط من موقع التأكد من حقيقة ما حصل منذ تكليف رئيس تيار المستقبل النائب سعد الحريري بتأليف الحكومة، وأدى الى فرملة المساعي التي كانت ناشطة ومكثّفة بين كلّ من الرياض ودمشق لتسهيل مهمّة الرئيس المكلّف، فضلا عن الضجّة الاعلاميّة التي اثيرت حول ظروف زيارته الى سوريا، «إلاّ ان دمشق عرفت كيف تحمي علاقتها الواعدة مع واشنطن من التدخلات الخارجيّة، وخصوصا الاوروبيّة منها».
ويتوقف دبلوماسيون عرب عند تأكيد المعلّم مرتين ان بلاده لن تتدخل في عملية تأليف الحكومة: الاولى عندما ضغطت واشنطن، ونجحت في الحدّ من الاندفاعة السعوديّة، ومن الحيلولة دون قيام سعد الحريري بزيارة دمشق بعيد التكليف، ومرّة ثانيّة عندما حاول الاوروبيون الدخول على الخط، فجاء الموقف وفيه شيء من الرفض المعنوي المبطّن، وحتى ولو كان المقصود القيام بدور توفيقي للتقريب في وجهات النظر المتباعدة نسبيّا.
ويبدو ان نجاحا معنويّاً قد تحقق، بمعنى ان الولايات المتحدة قد ثمّنت الخطوة عندما رفضت سوريا اي دخول اوروبي على خط الاتصالات الناشطة ما بينها وبين الرياض من جهة، وواشنطن من جهة اخرى. وتأتي الرسائل المتبادلة بين الرئيسين بشّار الاسد وباراك اوباما عبر وسائل الاعلام، وقبول الاخير الدعوة التي وجهت اليه لزيارة دمشق، لتؤكد على نمط جديد من التعاطي المباشر وغير المرتبط بأي دفتر شروط، والمتحرر من اعباء اي وساطة او وسيط، والهادف الى طرح المواضيع بوضوح وشفافيّة بعيدا عن سياسة الزواريب، واللفّ والدوران.
وتتعاطى بيروت بهدوء مع «سلال الترحيب» السوريّة التي يبعث بها الوزير المعلّم هذه الايام الى كلّ من الرياض وواشنطن، اذ سارع الى الترحيب بزيارة محتملة للرئيس اوباما الى العاصمة السوريّة، بعدما سبق له ان رحّب بزيارة الملك عبد الله. وتنظر الى هذا المشهد من منطلقين، الاول: كون الزيارتين تحظيان بأولويّة الاهتمام، وأيضا الاستعداد الهادئ والرصين لكلتيهما. والثاني، يتصل بموعد تحقيقهما الذي قد يتحوّل الى مؤشر حول النتائج والمردود الذي قد ينعكس على ملفات كثيرة ومعقّدة من ضمنها الوضع في لبنان، والاستحقاق الحكومي.
يضاف الى ذلك اهتمام آخر، يتصل بنسيج العلاقة التي يفترض ان تقوم ما بين الرئيس المكلّف ودمشق، وتوقيت زيارته الى العاصمة السوريّة، ودائما وفق عقارب الساعة السعوديّة ـ (لا الاميركيّة) ـ بمعنى انه اذا كان موعد زيارة الملك عبد الله لم يحدد، او انه حددّ لكن لم يتم الافصاح عنه بعد، فكذلك الامر بالنسبة لزيارة الحريري التي رحّب بها المعلم بتحفظ في قوله «إن قلب سوريا كبير، ومن يخطُ باتجاه سوريا خطوة نخطُ باتجاهه خطوة».
والمطلوب وفق الحسابات المتداولة ان يبادر الحريري بالخطوة، كي تردّ عليها سوريا بالمثل، لذلك سارع الى ان يعيد على مسامع الصحافييّن، بعيد محادثاته مع نظيره الفرنسي برنار كوشنير، ما سبق ان اعلنه بعيد محادثاته مع نظيره الالماني فرانك فالتر شتاينماير، بأن دمشق لن تتدخل في ملف تأليف الحكومة.
واستنادا الى معلومات تبلغتها بيروت، فإن الوزيرين الالماني والفرنسي قد رحبا، كلّ من موقعه، وعلى طريقته الخاصة، بهذا الموقف، كونه من الناحيّة المبدئيّة والمفهوم السيادي سليما ولا غبار عليه، لكن من المفهوم العملي ليس هو المطلوب، بل نقيضه اي ان تتدخل سوريا لكن بشكل ايجابي مساعد، كأن تضغط على حلفائها في المعارضة كي يتمكن الرئيس المكلّف من تأليف الحكومة التي ترتاح اليها الاكثريّة.
والحقيقة ان المعلم من خلال مواقفه الاخيرة، شاء ان يوجه رسائل باتجاهات مختلفة واحدة باتجاه واشنطن، وعلى قاعدة اذا كان البعض في الادارة الاميركيّة يريد تشكيل حكومة «صنعت في لبنان»، وبمعزل عن دمشق، ومن دون التعاون معها، فالمجال مفتوح امام الرئيس المكلّف، ان تمكن من ارضاء المعارضة والأخذ بمطالبها سواء ما يتعلّق بالثلث الضامن او بالنسبيّة. وإذا كان يرفض تلبيّة هذه الشروط، فما عليه والحال هذه، الا ان يشكل حكومة من لون سياسي واحد، او يلجأ الى الخيار الثالث؟ّ!.
أما الرسالة التي تركها برسم الاكثريّة فهي في غاية الاهميّة، ويختصرها سؤال واحد: لماذا لا تكون العلاقة مباشرة؟، ولماذا يصرّ فريق من الاكثريّة على ان يصل الى دمشق عن طريق واشنطن، وليس بصورة مباشرة وواضحة وسريعة عبر بوابة بيروت ـ دمشق؟!.
ربما وليد جنبلاط قد استشعر تبدلات الريح، وأحسن الاختيار بعد الانتخابات النيابيّة، وهو يحاول الآن ان يفتح صفحة جديدة مختلفة عن تلك التي كانت سائدة قبل السابع من حزيران الماضي، عندما كان الخطاب الكيدي، والعلاقة المأزومة مع سوريا، اللذان استثمرهما الاميركي الى ابعد الحدود، فكان يأتي الى بيروت ليجيّش، ويعبئ ضد السياسة السورية، ومن ثم يمضي قدما في عمليّة مدّ الجسور معها. ولم يشأ الاميركي ان يغيّر القاعدة بعد الانتخابات، وكان همّه ان تمرّ العلاقة مع دمشق من خلاله، ومن خلال لعبة مصالحه اولا وأخيرا.
وتنتهي بعض المجالس الى الاستنتاج ان لحظة ترميم الجسور لإقامة العلاقات السوريّة ـ السعوديّة ـ الاميركيّة المتوازنة قد أزفت، والمسألة هنا مسألة وقت، وإن كانت عمليّة التأليف لا تحتمل المزيد من الهدر؟!.
السفير