الزعامات في زمن الحرب
عبد الرحمن الراشد
ان أسهل المواقف التي يمكن لأي زعيم لبناني أن يتبناها اليوم هي مسايرة حزب الله في حربه بلبنان، ببساطة لأنه يملك اليد العليا كونه الوحيد حامل السلاح والميلشيات الكثيفة والدعم الخارجي،
في حين أن سلاح الطرف الآخر انه يملك اكثر الاصوات في البرلمان الممنوع عليه الاجتماع فيه. لذا كان موقف زعيم سني مثل نجيب ميقاتي محل احترام الجميع عندما رفض مبدأ استخدام السلاح في فض النزاع المحلي، وعارض مطالبة المعارضة بان يستقيل فؤاد السنيورة، رئيس الوزراء الحالي. وميقاتي كان رئيسا للوزراء قبل السنيورة، ويطرح اسمه في الأزمة الحالية كأحد المرشحين للمنصب السني، ومع هذا اختار المصلحة العامة على شراء المنصب.
وكذلك فعل طلال أرسلان، الزعيم الدرزي المعارض، الذي رغم خلافه مع وليد جنبلاط، رفض المساس به او بأهله وقبل ان يكون وسيطَ خيرٍ ويعلن انه ضد استخدام القوة. فكان موقفه نبيلا يعبر عن سياسي كبير في زمن صعب جدا. فقد كان بإمكانه ان يطوق مواقع جنبلاط ويكسر شوكة خصمه لكنه رفض، ودافع عن خصمه.
في المقابل، خذوا نموذج عمر كرامي. فهو زعيم سني، ورئيس وزراء أسبق أيضا، ظهر في مؤتمر صحفي يدافع عن حزب الله المسلح، تخيلوا في وقت كانت فيه ميلشيات الحزب تقوم بقتل مواطنيه، ونهب وتدمير مقرات السنة الوقفية والخيرية والإعلامية والسياسية، في أكبر عملية إذلال مر بها سنة لبنان في تاريخهم الحديث.
وهنا لا أحد يتوقع او يطلب من الرئيس كرامي، او غيره من الزعامات السنية، ان يساندوا حكومة السنيورة او يدافعوا عن قراراتها. ففي الخلاف السياسي، نحترم كل فريق مهما كان رأيه مع حزب الله او مع الأكثرية. لكن تأييد أفعال مقاتلي حزب الله وأنصاره الذين نفذوا انقلابا دمويا في العاصمة، ثم هاجموا بقية البلاد، واستهدفوا مؤسسات مدنية، أمر غريب ومعيب جداً.
والاستغراب كبير من موقف كرامي وأمثاله. وقد برره احدهم بالقول لا تلوموا كرامي وأمثاله، فهؤلاء متورطون وخائفون، وتوجد بنادق مصوبة الى رؤوسهم. وهنا نسأل مَنْ مِنَ العاملين في الحقل السياسي غير مهدد، او غير قلق في أهون الأحوال، انما عندما يقوم هؤلاء بالانحياز العلني الى استخدام السلاح يسهلون على القتلة فعلهم، فيصبحوا شركاء في الجريمة.
كل ساعة تمر، فيها قتل وصمت على القتل يحدد مصير لبنان، في حالة حرب او سلم، او ان يحكم بالسلاح ويرد عليه بالسلاح او يحكم بالمؤسسات المدنية، ان تصبح الخلافات السياسية مذهبية والمعركة طائفية. فحملة السلاح يريدون غطاء سياسيا وعندما تعطيهم اياه زعامات سياسية تبرر للقتال، والسلاح، والميلشيات، وصيغة فرض القرار بالقوة. بعدها سيتجه لبنان للأسوأ. وعندما نقول الأسوأ ليس من الصعب ان نتخيل معناه. فالحرب الأهلية اللبنانية بدأت بنفس الاستهانة بالآخرين. فعندما هاجمت الكتائب الفلسطينيين عام 1975، وكان ذلك في شهر ابريل (نيسان)، ظن الكتائبيون ان المعركة انتهت. بعد ثمانية أشهر، عمت الحرب في كل انحاء لبنان، لا شرق بيروت فقط، وخسر من أشعلها وبرر لها وساندها، ولم يسلم من الضرر الجميع.
الذين يمالئون حزب الله، طمعا او خوفا، عليهم ان يتعظوا من الحرب الماضية ويحافظوا على بلدهم من سنوات الدمار الآتية.
الشرق الاوسط