عصا جنبلاط؟
راجح الخوري
لا ندري لماذا اختار وليد جنبلاط لـ”حفلة الطلاق” مراسم الاعراس وبهرجة الافراح. لكن من الواضح تماما انه اراد او أُريد له ان يكون اعلان خروجه من صفوف 14 آذار، بمثابة زفة تشكل درساً وعبرة لمن يدرس ويعتبر في بلد يراوح قسم كبير من “سياسييه” واهله الاذكياء عند حدود عام 2004، بمعنى ان القطار السياسي الذي توقف هناك عائد الى العمل من جديد.
كان في وسع الرجل الذي لا تنقصه الحنكة ولا البصيرة ولا حواس الاستشعار من بُعد احيانا، ان يختار الخروج من دون محاولة هدم البيت على رأس اهله، وخصوصا انه المقاول الاساسي الذي شيّد بيت 14 آذار.
لا بل كان عليه ان يخرج بطريقة تختلف عن اسلوب الغزاة عندما ينسحبون تاركين وراءهم ارضا محروقة. نعم، كان عليه ان يتسلل على رؤوس اصابعه لا ان يحطم ابواب 14 آذار ليقتحم ابواب 8 آذار قارعا طبوله: “قوموا لسحوركم جايي البيك يزوركم”.
كان عليه ان يفعل هذا ليس رأفة بحلفائه الذين جرّهم جراً احيانا الى آخر سلم التصعيد، بل رأفة بشباب الحزب الاشتراكي الذين تقاطروا الى ساحة الشهداء وناموا في الخيام وفجروا حناجرهم وهم يصيحون لحرية لبنان واستقلاله وسيادته!
كان عليه ان يخرج بطريقة اكثر هدوءا، لا تحاول هدم “بيت الطلاق” على رأس العائلة التي قال فيها يوما ما لم يُقل في صفوة المناضلين والاخيار. كان عليه فعلا ان يفعل هذا رأفة بنفسه ايضا. فنحن ايضا من الذين يتألمون الآن عندما نقرأ كلاما من 8 آذار يقول: “كان ضالاً فوُجد”، وكلاما مقابلا في 14 آذار يقول: “كان موجودا ففُقد”!
ثم كان عليه ان يتأنى في تحديد سرعة خروجه وما رافق هذا الخروج من اعلانات لا تخدمه، سواء كان في 14 آذار او في 8 آذار او في مكان آخر قد يكون في النهاية بالنسبة الى وليد جنبلاط بمثابة المراوحة في دائرة الهيولى!
لم يكن مثلاً في حاجة الى “الإعلان” عن “الجنس العاطل”. لم يكن ايضا في حاجة الى وضع شعار “لبنان اولاً” في خانة الانعزال على الاقل، لانه عندما يكون الوطن اللبناني اولا فعلا عند اللبنانيين، فإنه يكون بالتالي اقدر واقوى وامتن في دعم القضايا القومية. السوريون يقولون سوريا اولا، ومن هنا يكتسبون قوة دعمهم للمسألة القومية. السعوديون كذلك يقولون السعودية اولا، والمصريون والاماراتيون والقطريون والكويتيون وقارعو الطبول في الغابات، فهل كثير اذا صاح شباب الحزب التقدمي الاشتراكي: لبنان اولا؟!
كان في وسع وليد جنبلاط ان يوسع دائرة الانعطاف، وان يلعب دور القاطرة السياسية التي يمكن ان تتفاهم مع القوى الاخرى في 14 آذار وان تجذبها ايضا الى مواقع تتسع للتموضع الوطني المشترك الذي يمكن ان تتضافر فيه جهود الجميع، وخصوصا ان المقدمات كانت آخذة في التبلور المبدئي، من خلال حكومة لمّ الشمل والوحدة الوطنية. ثم من خلال البيان الوزاري ومنهجية العمل في السلطتين التنفيذية والتشريعية.
ثم عن اي “ضرورة” يتحدث وليد بك، عندما يقول ان تحالفه مع قوى 14 آذار كان بحكم الضرورة، وهو اصلا مهندس 14 آذار وراعيه وصوته الصارخ في ساحة البرج بما لا يقدر غيره او يجرؤ؟
وعن اي يمين واي يسار يتحدث، ولم يعد هناك من يستطيع ان يسحب ماضي اليسار المتهاوي على واقع “التوازن” الدولي القائم؟
ان رجلا في حجم وليد جنبلاط وعلى ذكائه وحواس الاستشعار من بُعد الشديدة الحساسية لديه، كان عليه فعلا ان يبحث عن طريقة تردم الهوة بين 14 آذار و8 آذار انطلاقا من حكومة الوحدة الوطنية، وقد وضعتها انعطافته الحادة الآن، فوق احتمالات سلبية ومقلقة، حيث تبدو البلد كأنها تتجه نحو أزمة حكومية مفتوحة على مداها، سواء مضى الرئيس المكلف سعد الحريري في مناطحة العقد والعراقيل والحسابات المستجدة لتشكيل حكومة لمّ الشمل المنفرط اكثر من ذي قبل، او اعتذر لتدخل الينا الازمة الواقفة عند الباب.
ومهما قيل عن الخروج الاحترازي من امام الاحتمالات المقلقة المتصلة بالاجواء البغيضة التي اطلت من وراء رواية “در شبيغل” عن جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، والتي تطل دائما من وراء التهديدات المتلاحقة التي يطلقها العدو الاسرائيلي يوميا ضد لبنان و”حزب الله”… فعلا مهما قيل عن التنحي جانبا من امام هذه الاحتمالات، فقد كان من الممكن جدا اولا محاولة البحث عن بيت يتسع لكل “الآذاريين”.
وثانيا اذا استعصى الامر، الذهاب الى الطلاق من دون دوي، ومن دون هدم البيت على رأس الاشقاء والابناء الاشتراكيين ايضا.
(النهار) ، الاربعاء 5 آب 2009
ونحن على يقين انه كان في وسع وليد بك ان يمسك بعصا موسى فيضرب الماء ويشق طريقا يتسع لكل هؤلاء الآذاريين، ولكنه اراد او أُريد له ان يجعل من الطلاق عرسا فيذهب الامر مذهب الدروس والعبر والامثال!