الأمل والإحباط في كلام السيد جنبلاط
بدرالدين حسن قربي
قد تختلف التحليلات والتوقعات على ماكان من الموقف الدراماتيكي الجديد للسيد وليد بك جنبلاط سـلباً أوإيجاباً وعلاقة ذلك مع القادم من الأحداث خيرها وشرها. تعددت التحليلات وكثر الكلام عن الموقف الذي بدا جديداً في التكويعة الجنبلاطية، وسواء أكان الجديد سببه إعادة النظر في تحالفه مع قوى 14 آذار لأسباب من التحالف نفسه، أو لأسباب محلية وإقليمية مريبة ومعقدة إن لم تكن مستعصية ومسدودة، أو لأسباب خاصة منطلقة من مصالح طائفته.
مخالفو السيد وليد بك جنبلاط أو أعداؤه يحلو لهم وصف مواقفه بالتلون والمفاجأة، وبعضهم يبالغ في الاتهام والربط والتربيط، ولكن مما لاخلاف فيه أو عليه أنه قاريء سياسي ومتنبيء أكثر من جيد في المتوقع من الأحداث بغض النظر عن طبيعتها ومداها. ومن ثم فهو بطبيعته كسياسي محنك ورائد في جماعته مخضرم ، يحرص أن يكون له ( قرص في كل عرس) وألا يبقى (برّه) أو بعيداً عن الإفادة من الحدث، والعمل حتى للخروج بأقل الأضرار في حال لابد منها. ومن هنا يحلو للبعض تشبيه السيد جنبلاط بطائرة الإنذار المبكر (الأواكس) المتربّصة في السماء تلتقط أي حركة في الأجواء بشكل متقدم زماناً للتصرف المناسب والمبكر وإجراء مايلزم، أو أنه ثعلب السياسة والمواقف الذي لايهرول عبثاً وهو في كل أحواله لايعنيه مايقال بسبب موقفه طالما أنه يرى فيه المصلحة.
قد نكون عاجزين أو قاصرين عما أحست به الأواكس الجنبلاطية بقرون استشعارها وأجهزتها، أو عما وصل الثعلبَ من معلومات على طريقته، ولكن على الأقل وبعيداً عن الشخصنة في القراءة، يمكن القول أن هنالك شيئاً من الأحداث قادم ولن يكون يسيراً، استوجب هذا التغيير الدراماتيكي في موقف زعيم الطائفة الدرزية في لبنان.
هل هي الأزمة الإيرانية المفتوحة بين الإصلاحيين والمحافظين التي انطلقت ولا يعلم أحد عن منتهاها كيف يكون؟
أم هل هي الأزمة الفلسطينية الفلسطينة المستعصية بين أكبر فصائلها والتي تبدو أنها متوقفة أمام جدارٍ مسدود ولا أمل وقد أُعلن عن فشل لقاءاتهم رسمياً، وكل منهم يعتبر نفسه الفرقة الناجية، ويلقي باللوم على طرفه الآخر، وأن هناك من ينتظر ماسينفض عنه مولد حركة فتح ومؤتمرهم.
أم هل هو التهويل عن الأخطار القادمة والتهديدات المتبادلة إسرائلياً وإيرانياً وبعضاً من الخط الممانع والمقاوم، أم هي سياسة الاستمرار بالفوضى الخلاقة أم بعض الاستحقاقات التي جاء أجلها على الصعيد الإقليمي والمحلي، أم هي المحكمة الدولية تتحضر لطلب المتهمين في مقتل الحريري وأن في الأمر إن وأن؟ أم …؟ أم…؟ إلى آخر هذا الكم من الأسئلة الكثيرة التي تشير بشكل ما، أن أحداثاً وتغييرات تعجبنا أو لاتعجبنا قادمة تتسم بالعجلة إلى الحد التي استدعت السيد جنبلاط استعجال إعلان موقفه إلى حدٍ لم يستطع معه صبراً إلى مابعد إعلان الحريري الابن عن تشكيل حكومته العتيدة، ومن ثم يتوجب علينا توقع غير المتوقع.
مانتعرض له حقيقة من أحداث على طريقة زوم ساخن وزوم بارد، ومانقوله أن آب اللهاب طباخ الأعناب، وأن أيلول يأتي وذيله مبلول، يجعلنا نتساءل: ماذا يطبخ لنا أو ماذا سيطبخه لنا آب من أحداث وماذا سيتبعه في أيلول…؟ قد يكون تساؤلنا في غير محلّه فالله أعلم، وإنما لاخلاف على أن صافرة أخطار وإخطار لها مالها، انطلقت من إيران تنبيء أن وراء الأكمة ماوراءها.
قد يظن البعض أن الخط المقاوم والممانع من سورية وإيران ومن معهما من أحزاب ومنظمات، قد حقق إنجازاته في كسر شوكة المشاريع المعادية له في المنطقة، وأن أموره إلى انفراج، وأن مواكب الحج والتفاهم والتعاون إليه على قدم وساق، ولا أدل على ذلك من ملاحظة بعض أهم كبار المسؤولين الأمريكيين في الأيام الأخيرة في حركة دؤوبة ومزدحمة غدواً ورواحاً بين عواصم عربية وإقليمية رئيسة من دمشق والقاهرة وتل أبيب وبغداد وعمان والرياض وتركيا عملاً للحفاظ على بعض ماء الوجه الأمريكي للخروج بدولتهم من المنطقة ببعض الكرامة والضربات تتوالى عليهم مقاومة وممانعة وبما اقترفت أيديهم، وهم على وشك السقوط و( ضبضة ) أشياءهم وسقط متاعهم ليغادروا برائحة طيبة، وليتركوا (الشقى على من بقى أو لمن بقى) من لبنان إلى العراق وأفغانستان.
قال: الموضوع كاد أن يصبح مكشوفاً ولايحتاج (أواكسات) جنبلاط ولا تحليلات الأرطبونات، وإنما هي مرحلة جديدة من التموضع والترتيبات القادمة بعدما هزم من هزم وانتصر من انتصر.
قلت: قد يكون ذلك، ولاشك أن الأيام تعلّم من يريد التعلم، ولكن هل انتهى الطوفان في منطقتنا، واستوت سفينته على الجودي ..!!؟ إن حلفاء وليد بك وبعيداً عن الإحباط فيما صدمهم من كلام السيد جنبلاط مدعوون أكثر من أي وقت للتدقيق في القراءة بعيداً عن أن حليفاً لهم غيّر في مكانه وتموضعه، كما أن خصومه ومعارضيه مدعوون بنفس الدعوة بعيداً عن الأمل، واعتبار ماكان أبعد وأعقد من أن يكون تصدعاً في جدار خصومهم أو سحاباً يمطر على أرضهم.
قال: لعلّ وعسى…!!
قلت: مازلنا محتاجين إلى التفكير ملياً بما كان من الموقف الجنبلاطي المستجد لابن المعلم في تكويعته ورفعه للكرت الأحمر في أرض الملعب وقوله إني أرى ما لاترون، وعذره في ذلك حفاظه على عروبة الدروز والقضية الفلسطينية والتصاقهم بالعروبة وفلسطين. ومازال الأمر يستوجب على الجميع موالاةً ومعارضةً التمعن جيداً سواء لمن كان منهم في موقف الإحباط أو الأمل خشية النوم في العسل.
خاص – صفحات سورية –