«الكباش» الأميركي ـ السوري يحتدم حول لبنان قبل الجلوس إلى طاولة المفاوضات
جورج علم
دخلت اوروبا في اجازة اعتبارا من الاول من آب، ويدخل العالم العربي والاسلامي في شبه اجازة مع حلول شهر رمضان، و«أيلول طرفه بالشتي مبلول»، والى ان يشهد الفصل السياسي الجاف في لبنان شيئا من الطراوة… هناك متسع من الوقت؟!.
وهذا «المتسع من الوقت» حدد أطره الموفد الرئاسي الاميركي لعملية السلام جورج ميتشل خلال زيارته الاخيرة الى دمشق حيث انهى محادثاته على وقع «للبحث صلة!». فأي بحث؟ وأي صلة بالوضع اللبناني الذي «يتسلّى» وليد جنبلاط بتوازناته الداخليّة؟
في الصفحة المفتوحة امام الجميع ان ميتشيل قد اجرى اتصالا برئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان قبل ان يغادر سوريا، وأكدّ هذا الاتصال ـ برأي المتابعين ـ ازدواجيّة في التعاطي الاميركي، حيث لا تترك السفيرة ميشيل سيسون فعاليّة او قياديّا، خصوصا في صفوف الاكثريّة الا وتلتقيه لتعزيز لا مركزيّة أمراء الطوائف والمذاهب على حساب مركزيّة الدولة، ودائما تحت شعار «دعم المؤسسات الشرعيّة»، في حين يعود ميتشيل الى رأس الهرم للتشاور معه.
وتفضي هذه الازدواجيّة الى علامتي استفهام، الاولى: هل من سياسة اميركيّة خاصة بلبنان الواحد الموحّد السيّد الحر المستقل؟، وأين هي الشواهد والدلالات المطمئنة؟ او بمعنى آخر هل تدعم الادارة الاميركيّة من خلال أداء سيسون الرئيس سليمان لتمكينه من إعادة بناء مقومات الدولة، أم أن النقيض هو الأقرب الى المنطق من خلال عملية توزيع الادوار على المكلفين الموثوقين بتأديتها بدقة متناهية؟.
الثانيّة: هل تدعم واشنطن فعلا الرئيس المكلف سعد الحريري في تأليف حكومة المشاركة الوطنيّة وفق الصيغ المتداولة، ام انها مرتاحة لحكومة تصريف الأعمال برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة، ومرتاحة الى بقائها اطول فترة ممكنة في السرايا الى ان تحصل متغيرات في المشهد الاقليمي ينعكس على المحلي، ليصار في ضوء ذلك الى البت بالملف الحكومي؟
ليس هناك من عناصر كافيّة لتوفير جواب واضح، لكن في مجالس المتابعين كلام مفاده ان الغالبيّة تقريبا مرتاحة لحكومة تصريف الاعمال، او غير مستعجلة لقيام حكومة جديدة، لان اللبنانيين لم يتوصلوا الى اتفاق جديد يغنيهم عن اتفاق الدوحة ويساعدهم على قيام فريق وزاري متناغم يعكس تفاهمهم وتضامنهم على معايير جديدة مغايرة لتلك التي انتجت حكومة الدوحة، التي تتولّى حاليّا مهمّة تصريف الاعمال، ولان الانتخابات النيابيّة لم تفرز توازنات جديدة في المجلس النيابي مغايرة عن تلك التي كانت سائدة قبل السابع من حزيران، وعندما رجّح التفاهم السعودي ـ السوري كفّة الاعتدال، ونصح اللبنانيين بالعودة الى التوافق لانتاج حكومة «صنعت في لبنان»، دخل الاميركي على الخط ليعطّل قواعد اللعبة، وعلى قاعدة الانصياع الى الديموقراطية لكي تأتي الأكثرية الى السرايا لتحكم.
ومن العام المتداول، الى الخاص المتعلق باتصال ميتشيل برئيس الجمهوريّة، فقد جاء ـ وفق بعض المتابعين ـ كخاتمة لجولة من المحادثات المفتوحة بين الادارة الاميركيّة ودمشق، حيث كان العنوان اللبناني طاغيّا، بعدما توافق الطرفان على ان تكون المصارحة، لا المراوغة، هي الاسلوب الافضل لمعالجة الملفات العالقة.
وفي التفاصيل، أن سوريا تشعر منذ فترة طويلة، بأن الإدارة الأميركيّة تحاول الإمساك بالورقة اللبنانيّة قبل أن تجلس جديّا الى طاولة الحوار، والهدف من ذلك التضييق عليها، والسعي الى سلبها الكثير من «اوراق الضغط» لاضعافها، تمهيدا لوضعها امام واقع جديد، ربما يسمح بإملاء بعض الشروط عليها وفق مقتضيات لعبة المصالح الاميركيّة في المنطقة.
ويكتسب هذا الشعور مقدارا من الجديّة بدليل ان سوريا لم تتدخل في الانتخابات، في الوقت الذي تتصرّف فيه الادارة الاميركيّة من الموقع المنتصر، كونها قد جرت وفق المعايير التي وضعتها، وكون فوز الاكثريّة، انما هو فوز للخط الذي تنتهجه، ولا بدّ لهذه الاكثريّة من ان تحكم ودائما تحت شعار العداء لسوريا ولسلاح «حزب الله»، وبالتالي فإن واشنطن لم تفاجأ بالنقلة النوعيّة التي افتعــلها جنبلاط، بمقدار ما فوجئت بخطاب الحريري عندما تحــدث لاول مرة بعد إقفال صناديق الاقتراع، ليل السابع من حزيران امام ماكيناته الانتخابيّة، معلنا عزمه على فتح صفحــة جديدة مع سوريا قائمة على الاحترام المتبادل، وعلى اخراج سلاح «حــزب الله»، من التجاذب السياسي.
وكانت تدرك سوريا منذ اللحظة الاولى ابعاد وخلفيات هذا الدور، ووضعت المملكة العربيّة السعوديّة في هذه الاجواء، وتركت الفرصة مؤاتية لقيام حكومة وحدة وطنيّة نتيجة التفاهمات الداخليّة، وكانعكاس مباشر للتقارب السعودي ـ السوري، لكن عندما تدخلت واشنطن بقوة وحالت دون قيام الرئيس المكلّف سعد الحريري بزيارة دمشق شعرت بأنها هي المستهدفة.
وبعد زيارة ميتشيل، والاتصال الهاتفي الذي تمّ بين الرئيسين سليمان وبشّار الأسد، استقرت الامور على صيغة 15 ـ 10 ـ 5 على ان تبصر الحكومة الجديدة النور في غضون ساعات او ايام معدودة، وهذا ما دفع بالرئيس نبيه برّي الى التفاؤل، الا ان «الازدواجيّة» في التعاطي الاميركي عقّد الامور من جديد، ولحسابات عدّة منها ان هذه الصيغة الحكوميّة انما تأتي تكريسا للنفوذ السوري من خلال حلفائه، وهذا امر لا تريد ان تقرّ به واشنطن، لان المطلوب ان يكون لبنان مجرد خاتم في يدها، تحركه كما تشاء، ووفق مقتضيات مصالحها.
ويأتي التموضع السياسي الجديد للنائب جنبلاط محكوما بسقوف خارجية ثلاثة: الانسجام مع قناعاته التي بدأت بعيد أحداث السابع من ايار من العام الماضي والتي ألمح اليها صراحة قبل موعد الانتخابات عندما اعلن ان بعد الانتخابات سيكون له كلام آخر، والثاني: تعبيد الطريق الى دمشق على «طريقتي الخاصة»، والثالث: الطلاق مع سياسة الاحتواء التي تمارسها الولايات المتحدة، والتطلع الى المكان الامن ـ الموثوق في ربوع الشام، والذي يريح الجبل ويضمن استقراره ؟!.
وعلى وقع العزف الجنبلاطي الجديد أدرك الرئيس المكلّف ان اوروبا في شهر آب اللهّاب تدخل في اجازة الصيف، وأن العالم العربي والاسلامي على اهبة الدخول في شبه اجازة مع حلول شهر الصوم، وان ايلول لا بدّ من ان يكون «طرفه بالشتي مبلول»… وحتى ذلك الحين لا بدّ من اجازة عائليّة خاصة قد تطول… الا اذا حصلت مستجدات غير متوقعة سعّرت النار من جديد تحت طبخة الحكومة؟!…
السفير