زين الشاميصفحات سورية

مفاوضات «المسار الثاني» السورية الإسرائيلية

null
زين الشامي
رغم النفي السوري الرسمي المتكرر والتأكيد على عدم الاستعداد للقيام بأي نوع من المفاوضات السرية وراء الكواليس مع إسرائيل، فإن الكثير من اللقاءات والجولات التفاوضية التي ضمت شخصيات سورية وإسرائيلية بعيداً عن أعين وسائل الإعلام، تثبت أن النفي الرسمي لم يكن دائماً دقيقاً، وهذا ما تؤكده بعض التسريبات والوثائق والمذكرات التي تعرف طريقها إلى النشر بين الحين والآخر.
مناسبة هذا الحديث الآن، ما نشرته العديد من المواقع الالكترونية في الآونة الأخيرة حول استئناف المباحثات السورية -الإسرائيلية في أثينا برعاية يونانية رسمية وأميركية غير رسمية، ورغم أنه لم يصدر أي تعليق سوري رسمي ينفي أو يؤكد هذه المعلومات، فإن العديد من المؤشرات والتحركات الديبلوماسية تعطي أرجحية لتصديق ما نشر وكتب عن ذلك، ولعل أبرزها الزيارة التي قام بها الرئيس اليوناني إلى دمشق قبل انعقاد تلك الجلسات بأيام عدة، ثم زيارة رئيس الوزراء التركي التي أعقبت زيارة الرئيس اليوناني بأيام قليلة.
بعض المصادر السورية التي لم تنف أو تؤكد، كما جرت العادة دائماً، ألمحت من خلال بعض التقارير الإعلامية إلى أن «الاجتماعات دائماً مفيدة تحت عنوان العلاقات العامة». لكن تقارير أخرى أكدت تلك اللقاءات وقالت ان الأكاديمي الأميركي الجنسية والسوري الأصل «مرهف جويجاتي» ترأس الجانب السوري في تلك المباحثات، التي حضرها من الجانب الإسرائيلي رؤساء أحزاب، ورئيس منتدى الحوار الإسرائيلي – السوري، وعدد من الأكاديميين وهم افرام سنيه، الئيل الون، مايك جافي، شلومو بروم، وجرت برعاية أميركية رفيعة حيث أدارها مدير إدارة التخطيط السابق في الخارجية الأميركية سام لويس، ومدير مجموعة الأزمات الدولية روبرت مالي. وخرج الحضور بورقة توصيات جلبها معه الدكتور جويجاتي إلى دمشق للقاء المسؤولين السوريين المعنيين بملف المفاوضات لمناقشتهم بما تم التوصل اليه.
وللحقيقة فإن غالبية مبادرات الانفتاح على إسرائيل والتفاوض معها منذ أكثر من خمسة أعوام جاءت من دمشق التي طلبت مطلع 2004 من رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، حيث كانت دمشق تتعرض إلى ضغوط أميركية كبيرة ومحاولة لعزلها دولياً، اقناع الحكومة الإسرائيلية برئاسة ارييل شارون آنذاك بضرورة بدء مفاوضات سلام معها.
ورغم أن شارون رفض هذا المقترح في ذلك الوقت، إلا أن المساعي استؤنفت من خلال الدكتور إبرهيم سليمان، وهو رجل أعمال أميركي من أصل سوري تربطه صلات جيدة ببعض المسؤولين السوريين الكبار، وقد التقى سليمان ما بين شهر سبتمبر عام 2004 ويوليو 2006، بمسؤولين إسرائيليين منهم ألون ليئال، وأجرى مفاوضات معهم.
طبعاً حرصت الحكومة السورية على نفي علمها أو موافقتها على هذه المحادثات رغم أن سليمان يرتبط بعلاقة قربى عائلية من المستوى الأول مع احد المسؤوليين السوريين الأمنيين الكبار، وهو ما يجعل النفي الرسمي مستغرباً.
ثم انضم لاحقاً إلى هذه العملية الديبلوماسي السويسري نيكولاس لانغ الذي زار دمشق مرات عدة بعيداً عن أعين وسائل الإعلام، وكان لانغ ساهم سابقاً في عملية تفاوض سرية جرت في بلاده بين شخصيات فلسطينية وإسرائيلية وأدت عام 2003 إلى اصدار «وثيقة جنيف» المتضمنة تصوراً مفصلاً شاملاً لتحقيق السلام النهائي بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
في حديثها أمام الصحافة الدولية بمناسبة توليها رئاسة الكنفدرالية السويسرية لعام 2007، أكدت الرئيسة السويسرية ووزيرة الخارجية ميشلين كالمي ري حدوث مفاوضات سلام سرية إسرائيلية سورية بوساطة سويسرية.
في هذا السياق وفي مؤشر على استمرار «مفاوضات المسار الثاني» أو «المفاوضات السرية، أعلن نائب رئيس الحكومة سيلفان شالوم منذ أيام أنه بعث في عام 2003 بممثل عنه «للقاء شقيق الرئيس السوري بشار الأسد وزوج شقيقته».
إن قراءة متفحصة في نتائج كل جولات التفاوضات التي عقدت بين الجانبين، سواء منها المعلنة أو تلك السرية، تؤكد أن الفشل كان دائماً النتيجة الثابتة والمتكررة لهذه المفاوضات، ولعل العقدة في جميع هذه المفاوضات كانت دائماً حجم الانسحاب الإسرائيلي من مرتفعات الجولان، وربما كان الانجاز الوحيد الذي استطاعت سورية تحقيقه في كل هذه الجولات السابقة الحصول على ما تسميه «وديعة رابين» التي تقول سورية انها تتضمن تعهداً إسرائيلياً بالانسحاب إلى خط الرابع من يونيو من عام 1967 أي قبل اندلاع حرب يونيو.
كما أن عدم جدية إسرائيل، وشعورها بعدم وجود حاجة ملحة للانسحاب من الجولان، حيث تشهد هذه المرتفعات هدوءاً لافتاً منذ نهاية حرب اكتوبر 1973، نقول تلعب هذه الظروف دوراً كبيراً في عدم جدية الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة في التوصل إلى اتفاق سلام مع سورية.
وحقاً ما الذي يجبر إسرائيل أو أي زعيم فيها على الانسحاب من هضبة الجولان التي لم تشهد أي حادثة أمنية، أو حالة مقاومة، منذ أكثر من 35 عاماً؟
ان الهدوء الذي تنعم به إسرائيل على حدودها مع سورية لم تشهده لا الحدود المصرية – الإسرائيلية، ولا الحدود الأردنية – الإسرائيلية رغم اتفاقيتي السلام التي وقعتهما إسرائيل مع كل من مصر والأردن. وحقاً ما الحاجة إلى مثل هذه الاتفاقية إذا كان السلام يعم الجولان بشكل فعلي، وهل تريد إسرائيل أكثر من الأمن على حدودها مع أي دولة عربية بعد أن تأكدت أن اتفاقتي السلام «كامب ديفيد»، و«وادي عربة» مع كل من مصر والأردن لم تجلبا معهما سلاماً وتطبيعاً حقيقياً بين الشعوب والمجتمعات والثقافات كما كانت تبتغي وتريد؟
الراي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى