من أجهض مفاوضات سوريا – اسرائيل في سويسرا ؟
سركيس نعوم
الذين ساهموا في شكل او في آخر في اطلاق تفاوض سري وغير مباشر ومتقطّع في آن واحد بين سوريا واسرائيل اثناء رئاسة حافظ الاسد الأولى، وبعد تسلّم نجله بشار الرئاسة من بعده، ومن هؤلاء الاميركي السوري الأصل الدكتور ابرهيم سليمان، لا يزالون يبحثون عن الجهة التي سربت الى الاعلام معلومات عن هذا التفاوض، الامر الذي أدى مع عوامل اخرى الى وقفه. وأحد ابرز اسباب بحثهم هذا معرفتهم من خلال متابعة الجولات الاخيرة من المفاوضات السرية التي استضافتها سويسرا بين عامي 2004 و2006 أن الحل للصراع السوري – الاسرائيلي صار في متناول اليد، وان تسريب الاخبار اجهضه بل أوقف عملية التفاوض من اساسها.
هل استطاع الباحثون عن “مسرّب” اخبار المفاوضات المشار اليها اعلاه الى الإعلام معرفته؟
يجيب بعض هؤلاء أن شكوكهم توجهت في البداية ناحية اسرائيل، لأسباب كثيرة موضوعية، منها غياب اقتناع كاف عند قادتها او حكامها بضرورة التخلي عن الجولان أولاً، لأنه خزان مياه كبير جداً ولأن اسرائيل بدأت تعاني شحاً في مواردها المائية (ويمكن إدراج تمسك اسرائيل بمزارع شبعا وتلال كفرشوبا في اطار السبب المائي هذا). وثانياً، لأنه حيوي واستراتيجي للدفاع عن اسرائيل عسكرياً، وذلك رغم تطور التكنولوجيا الحربية والعسكرية التي جعلت الكثير من الدول في غنى عن خطوط الدفاع الطبيعية. ثالثاً، لأنه صار أرض سياحة صيفية وشتوية وأرض زراعة وصناعة وخصوصاً ارض انتاج للنبيذ المعترف بجودته عالمياً. لكن هذا البعض يضيف أن الشكوك تحولت في مرحلة لاحقة نحو جهة اخرى هي تركيا. والدافع الى تحولها كان الرغبة الشديدة التي ابدتها الحكومة التركية بالاشتراك في محادثات سوريا – اسرائيل السويسرية والتي عبرت عنها برسائل وجّهتها الى الفريقين المتفاوضين من طريق احد المفاوضين الاسرائيليين. لكن الرغبة هذه لم تؤخذ في الاعتبار.
فهل سربت تركيا اخبار التفاوض السوري – الاسرائيلي الى الإعلام انتقاماً، او رداً على السلبية التي اظهرها فريقا التفاوض حيالها؟ ربما، يجيب البعض نفسه من الباحثين عن مسرّب اخباره الى الإعلام. لكن الى الآن لم يتوصل الى معلومة ثابتة تدل على هويته، الامر الذي جعل دائرة الشكوك محصورة بجهتين هما اسرائيل وتركيا.
طبعاً، يستدرك الذين ساهموا في المفاوضات السورية – الاسرائيلية السرية وغير المباشرة حتى انقطاعها عام 2006، ان تركيا عادت وحققت هدفها، اذ رعت مفاوضات غير مباشرة بين دمشق وتل ابيب دامت اشهراً انعقدت خلالها خمس جولات تفاوض. لكنها لم تحقق تقدماً يسمح بتحويلها مفاوضات مباشرة لأسباب عدة، ابرزها خسارة الفريق الحكومي الاسرائيلي الحاكم الانتخابات العامة، ووصول اليمين المتشدد من قومي وديني وعلماني الى السلطة. الا انها حققت فوائد اخرى اقل اهمية لكل من سوريا واسرائيل. فرئيس وزراء الثانية ايهود اولمرت كان يريد بأي ثمن صرف انظار الشعب الاسرائيلي عن شبهة الفساد الحائمة فوق رأسه بل عن الاتهامات بالفساد الموجهة اليه من الشرطة والاجهزة القضائية. وقد نجح في ذلك الى حد بعيد. اما سوريا بشار الاسد فكانت تريد كسر جدار العزلة الدولية الذي أُحكِم حولها منذ اواخر عام 2004 بسبب التطورات السلبية التي كان لبنان بدأ يشهدها. ولا احد يستطيع انكار تحقيقها بعض النجاح ولا انكار انها تابعت البناء على هذا النجاح لهدم الجدار المذكور ولاستعادة انفتاح دولي وتحديدا اوروبي – اميركي عليها لا بد في وقت غير بعيد من ان يعيد اليها دوراً اقليمياً فقدته، او بعض دور، وخصوصاً في لبنان.
هل يمكن توقّع معاودة سوريا واسرائيل المفاوضات في ظل حكم اليمين المتشدد للثانية بقيادة بنيامين نتنياهو؟
توقّع امر كهذا ليس سهلاً، لأن نتنياهو ومعه شركاؤه المتشددون، ألزموا انفسهم قبل الانتخابات التي اوصلتهم الى السلطة عدم التخلي عن الجولان. وليس في مقدورهم التخلي عن التزامهم هذا على الاقل في سرعة وقبل مرور وقت قد لا يقل عن سنة، وقبل حصول تطورات تضع الشعب الاسرائيلي في مزاج قبول إعادة الجولان المحتل الى اصحابه السوريين. علماً ان نتنياهو يقول للاتراك الذين يحاولون اقناعه بالعودة الى التفاوض غير المباشر مع سوريا عبرهم، وكذلك للاميركيين عبر موفد رئيسهم جورج ميتشل، انه مستعد لمفاوضات من دون شروط مسبقة. لكن الاتراك يعرفون انه يفضّل اميركا راعية للتفاوض مع سوريا – رغم اختلافه الشديد مع رئيسها باراك اوباما وادارته – وليس تركيا، لاسباب عدة: منها ان حكومتها الاسلامية مؤيدة لـ”حماس” ومنتقدة دائمة لتصرفات اسرائيل وسياساتها وخصوصاً بعد حرب غزة، او مجزرة غزة قبل اشهر.
الا ان عودة التفاوض، في حال حصولها، لن تحقق الاغراض المرجوة منها. ذلك ان نتنياهو قد يفعل مثل سلفه اولمرت، اي يستعمل المفاوضات، ايا يكن راعيها، لتخفيف الضغوط الاميركية والدولية عليه لوقف الاستيطان في صورة كاملة، او لتجميده مدة طويلة. كما قد يستعملها للضغط على الفلسطينيين بالايحاء اليهم انه سيهملهم ويحل مشكلاته مع سوريا، الامر الذي يضعفهم ويبقيهم وحدهم. فضلاً عن ان سوريا بشار الاسد قد تستغل عودة التفاوض مع اسرائيل لتحقيق اهداف اخرى غير السلام معها، منها استعادة ثقة المجتمع الدولي، وتحديدا الغربي، ثم العربي، واستعادة نفوذ بل موقع مهم لها في لبنان، وإن من دون وجود عسكري مباشر على ارضه.
كيف يمكن الخروج من هذا المأزق، اي مأزق جمود المفاوضات السورية – الاسرائيلية وعدم نجاح اميركا اوباما حتى الآن في ازالة تجميد المفاوضات على المسار الفلسطيني – الاسرائيلي؟
بطريقة من اثنتين: واحدة يدعو اليها اميركيون كثر، منهم الاميركي السوري الاصل المذكور اعلاه الدكتور ابرهيم سليمان، وتقضي بالبدء بالمسار السوري – الاسرائيلي والتركيز عليه. واخرى يدعو اليها اميركيون كثر آخرون وتقضي بالتركيز على المسار الفلسطيني – الاسرائيلي لأنه الاساس، ولأن المسارات الاخرى كلها فروع. الطريقة الاولى يؤيدها يهود اميركيون واميركيون غير يهود. والامر نفسه بالنسبة الى الثانية. يبقى ان يقرر الرئيس اوباما بعد انتهاء المشاورات التي يجريها موفده ميتشل وفريقه في المنطقة، اي طريقة يعتمد واي وسائل يستعمل لـ”إقناع” الاطراف المعنيين بالتسهيل او بالامتناع عن التعقيد، وان ينفذ قراره هذا اياً تكن صعوباته. ذلك ان تراجعه تحت ضغط جماعات الضغط المختلفة، ومعظمها يهودي، يعرّض بلاده الى مزيد من الخسائر او على الاقل التعثر في العالمين العربي والاسلامي، والى مد اعداء اميركا واخصامها بمزيد من القوة، علماً انهم ليسوا ضعفاء ابداً، وتأثيرات ذلك على اميركا وحلفائها معروفة.
النهار