اليسار لا يملك إلاّ الخداع والخيانة
فـؤاد النمري
قبل أي حديث عن خداع وخيانة ما يسمى إعتباطاً باليسار أو اليسار الديموقراطي، حيثما تواجد، فإن مثالاً تاريخياً واحداً يغني عن كل حديث. لقد تواجد في روسيا في العام 1917 أربعة أحزاب يسارية كبيرة غير البلاشفة وهي حزب الإشتراكيين الثوريين وكان حجمه ضعف حجم حزب البلاشفة، وحزب المناشفة ويقوده ماركسيون كبار(توصيفاً) منهم بليخانوف ومارتوف، وحزب الإشتراكيين الثوريين اليساريين وحزب الإشتراكيين الشعبيين. هذه الأحزاب اليسارية الكبيرة، والتي كانت ترفع صوتها تنادي بكل الشعارات الديموقراطية، اهتبلت أول فرصة بعد ثورة أكتوبر لترفع السلاح بوجه البلاشفة الذين وقعوا معاهدة صلح مع الألمان في آذار 1918 لم ترض عنها تلك الأحزاب إذ كانت تأمل أن يقوم الألمان بمواصلة الحرب ويبيدوا الشيوعيين نيابة عنها. لم يخجل أولئك اليساريون الديموقراطيون من أن يشكلوا الطليعة المحاربة لجيوش الألمان المعادية وهي تحتل الأراضي الروسية لتتوكل عنها ليس بإبادة الشيوعيين فقط بل وبإفشال الثورة البورجوازية في شباط 1917 وإعادة القيصرية على رأس السلطة الإمبرالطورية. خيانة اليسار الروسي الفاضحة تلك كانت مثالاً لليسار الألماني الذي اصطف مع قوى الفاشية السوداء في سحق الجمهورية السوفياتية في ميونخ/بافاريا 1919 وفي التمهيد لوصول هتلر إلى الرئاسة في العام 1933، وبناء عليه استحق الحزب الاشتراكي الديموقراطي الألماني لقب موئل الخيانة عن جدارة واستحقاق. وهكذا تحقق لدى البشرية مثال تاريخي يدلل على أن التكنّي باليسار لا يعني سوى الخيانة، ليس خيانة الطبقات الكادحة في الأمة فقط بل خيانة الأمة بكل شرائحها وطبقاتها أيضاً. ولدى العرب مثال صارخ على مثل هذا اليسار الخائن للأمة يتمثل بحزب البعث العربي الإشتراكي وقد أفقر أغنى قطرين عربيين هما العراق وسوريا وشتت شمل شعبيها.
الجماعات التي تنسب نفسها إلى اليسار ستنكر بالطبع مثل تلك الخيانات باعتبارها انحرافاً عن السكّة العامة لليسار غير أن الحقيقة هي عكس مثل هذا الإدعاء الأجوف حيث لا يوجد أية سكة معلومة لليسار وأن الخيانة هي من طبيعته الخلقية التي لا يمكنه التخلص منها، الأمر الذي يستوجب التنبيه وتأكيده كيلا يتم التغرير بشرائح كادحة تقع تحت تأثيره ولها قضية تستحق النضال. كنا قد كتبنا مقالتين نحذر من أحابيل اليسار في مارس وفي أغسطس من العام الماضي واليوم نكتب مرة ثالثة نظراً لخطورة الموضوع وقد ارتفعت صيحات في مختلف بلدان المشرق العربي وخاصة في البلدين المأزومين، العراق ولبنان، تدعو لما يسمى بوحدة اليسار ” الديموقراطي ” دون أن تعيّن ما الذي سيتوحد حوله هذا اليسار أو ما الذي يبرر انتسابه لليسار أو كيف سيقيم ديموقراطيته!! وهكذا تغرق الجماعات اليسارية في المثالية فتختار لنفسها أجمل الأوصاف كما ترتأي وفق بصيرتها القصيرة القاصرة بعيداً عن الواقع بكل شروطه وهي لا تملك إلا الخداع والخيانة تستخدمهما لحماية إمتيازات تستأثر بها على حساب كل الطبقات المنتجة في المجتمع وهو ما لا يتحقق إلا عن طريق الحكم البوليسي القمعي.
المنطلق الخاطئ الذي تنطلق منه مختلف الجماعات اليسارية، ومنها بعض الجماعات التي ما زالت ترفع مراءاة راية الشيوعية، هو ادعاؤها بأن الماركسية قد ثبت فشلها بسقوط الإتحاد السوفياتي وانهيار المشروع اللينيني ؛ ولذلك هم يساريون وليسوا شيوعيين أو ماركسيين. وطالما أنهم ليسوا شيوعيين أو ماركسيين فهم إذاً لا يمثلون البروليتاريا. سينكرون بالطبع أنهم الأبناء الشرعيون للبورجوازية الوضيعة. ولما كانوا يساريين فإنهم بالطبع لا يمثلون البورجوازية النامية أو الرأسمالية. التحدي الكبير أمام هؤلاء اليساريين هو أن يسموا الطبقة التي يمثلونها. لعلهم يدّعون تمثيلهم للشعب كله إقتفاء بادعاء رجلهم المثال نيكيتا خروشتشوف الذي أسقط دولة دكتاتورية البروليتاريا عام 1959 وأقام محلها ما أسماه اعتباطاً ” دولة الشعب كله ” ؛ وفي هذه الحالة يمتنع عليهم التكنّي باليسار طالما أن الشعب يتمثل فيه اليمين واليسار بقدر متساوٍ بصورة عامة. ولدى مواجهة مثل هذا المأزق الصعب يهرب أدعياء اليسار ليدّعوا أنهم يمثلون الفقراء والمستضعفين من أبناء الشعب. المأزق الآخر الأكثر تعقيدا الذي يواجهه عندئذٍ هؤلاء الأدعياء هو كيف يميزون بين الفقراء وغير الفقراء وما عساها تكون العلامة المميزة للمستضعفين من أبناء الشعب، وهل هم من هؤلاء المستضعفين وما هي إشارة ذلك؟ قد نوافق على الدمغة اليسارية لهؤلاء الأدعياء لو استطاعوا أن يجيبوا على هذه الأسئلة التي لا يمتلكون أية إجابات عليها. بل هناك أسئلة أكثر صعوبة تمتحن صدقيتهم.. كيف سيحصّل هؤلاء اليساريون حقوق المستضعفين، وممن؟ الإجابة الوحيدة على هذا السؤال الفيصل، والتي يرفض اليساريون الإعتراف بها، هي الصراع الطبقي. يكفي أن يعترفوا بالصراع الطبقي في مجتمعاتهم كعلّة ضعف المستضعفين كي ينفكوا من يساريتهم ليكونوا شيوعيين ماركسيين وليسوا يساريين. علامة الخزي في هؤلاء اليساريين هي أنهم لا يعترفون بالصراع الطبقي ومع ذلك يمارسونه في إبادة الشيوعيين مثلما فعل روادهم الروس في العام 1918. بعض اليساريين بل جميعهم ينكرون مثل هذا الدور القذر في إبادة الشيوعيين وهم الذين لم يفطنوا إلى أن تسميتهم باليساريين يستبطن الإنكار لشرعية الشيوعيين واستنكارها.
يفرّ اليساريون من حقل الأفخاخ هذا ليستريحوا في حقل الديموقراطية وينادوا بإقامة المجتمع الديموقراطي، مجتمع التعددية والعدالة الإجتماعية (!!) دون أن يعوا أن التعددية إنما هي انعكاس مباشر للطبقية ؛ لا تعددية بلا طبقية والعكس صحيح أيضاً. لم يجرؤ اليساريون على مقاربة مثل هذا الموضوع ؛ فهل هم يعملون على إقامة مجتمع طبقي رأسمالي؟ ليتهم يتساءلون عن جوهر التعددية في النظام السياسي! وهناك سؤال فيصلي آخر يلزم توجيهه إلى اليساريين أعداء الإشتراكية.. ما عساكم فاعلون، أيها اليساريون الديموقراطيون، بتقسيم العمل الإجتماعي؟ هل ستقبلون بشرعيته فتكونون بذلك من أعداء الإشتراكية أم سترفضون شرعيته فتكونون اشتراكيين ماركسيين وليسوا يساريين!؟ ليبقَ هذا السؤال برسم الإجابة من لدن اليساريين!
العداء للشيوعية متأصل في البورجوازية الوضيعة وممثليها اليساريين من مختلف الألوان. ولذلك لم يتوان اليساريون في مشاركة الدوائر الرجعية بالإدعاء أن انهيار الاتحاد السوفياتي دليل قطعي على فشل النظرية الماركسية وثبات بطلانها. مثل هذه المزاعم قمينة بالإزدراء حيث أنها لا تدل إلا على جهل أصحابها بكل ما له أدنى علاقة بالماركسية. فالماركسية ليست إلا منهجاً للتحليل دون أن توصي بأية برامج محددة تستوجب التطبيق. فأن تجرّ السلطات السوفياتية الإتحاد السوفياتي العظيم إلى الإنهيار فذلك دليل قطعي على أن تلك السلطات لم تحلل مجمل الظروف المحيطة تحليلاً صحيحاً وفق المنهج الماركسي لأسبابها الخاصة، وهذا ما نوافق عليه دون أدنى تردد قبل أن نؤكد أن تلك السلطات التي جرّت الإتحاد السوفياتي العظيم إلى الإنهيار إنما كانت من طينة اليساريين، طينة البورجوازية الوضيعة.
ما يضجّ بالخيانة الفاضحة هو إصرار اليسار بكل أطيافه، ومنه طيف عريض من ” الشيوعيين ” سابقاً، على اعتبار التجربة السوفياتية وحدة متكاملة وقد أتاها الفشل من شروط كينونتها، متجاهلاً بصورة لافتة تستوجب الإشتباه الردّة المجلجلة التي قادها خليفة ستالين نيكيتا خروشتشوف واستقبلها العالم الرأسمالي بفرح وترحاب غامرين لا نظير لهما. استنكر خروشتشوف كل المبادئ التي قام عليها مشروع لينين والدولة السوفياتية من بداية تأسيسها. أنكر الدور القيادي للبروليتاريا وأطاح بدولة دكتاتورية البروليتاريا التي هي الأساس الوحيد الذي يقوم عليه البناء الإشتراكي بإجماع ماركس وإنجلز ولينين. أنكر العمال وانتصر للفلاحين، بعد أن كان الحزب في العام 1950 يعد العدة لإلغاء طبقة الفلاحين نهائياً من المجتمع السوفياتي. لذلك أقام خروشتشوف مشروعه الغريب تحت عنوان ” إصلاح الأراضي البكر والبور ” الذي سيظل مثال الفشل الذريع وموضع سخرية مرة لتاريخ طويل. وأنكر مبدأ الوحدة العضوية ما بين الثورة الإشتراكية وثورة التحرر الوطني الذي أرساه لينين منذ قيام الإتحاد السوفياتي عام 1921، وتبعاً لذلك سعى لملاقاة الإمبريالية في منتصف الطريق بموجب سياسة إلتقاء المصالح (!!) والوفاق الدولي، وسياسة ” إطفاء بؤر التوتر الدولي ” الشهيرة باسمه. في العام 56 شتم ستالين بصفاقة نادرة حتى وصفه بعبادة الذات رغم أنه المثل الأمثل في إنكار الذات بين كل الزعماء عبر التاريخ. وفي العام التالي (57) أنكر لينين عندما خاطب البلاشفة في المكتب السياسي للحزب قائلاً في عرض دفاعه عن مشروعه الزراعي المهزلة والكارثي قائلاً بوقاحة لا نظير لها.. ” شبعنا من لينينكم ولم نشبع الخبز “، ثم قام بانقلاب بمساعدة العسكر فطرد جميع البلاشفة من المكتب السياسي وكانوا يشكلون نصف عدد أعضاء المكتب السياسي (البرزيديوم). وفي العام 61 إدّعى التقادم على اللينينية بكل وقاحة فقال في خطابه ألى الؤتمر العام للحزب.. ” أن لينين لم يعاصر الشركات المتعددة الجنسيات ” وهو ما كان حجته في تعطيل التناقض مع الغرب الرأسمالي والشروع بسياسة ما يسمي ب ” الوفاق الدولي ” والتي تعني تحديداً خيانة ثورة التحرر الوطني لملاقاة الإمبريالية في منتصف الطريق. ولنا أن نذكر في هذا السياق العديد من الإنقلابات العسكرية في الكثير من بلدان العالم الثالث في خدمة الإمبريالية ــ الإنقلاب في سوريا وإلغاء الوحدة مع مصر، الإنقلاب الدموي في العراق ضد حكومة قاسم الوطنية، الإنقلاب في الجزائر ضد بن بلاّ الماركسي، الإنقلاب الدموي في أندونيسيا ضد سوكارنو، الإنقلاب في الكونغو ضد لومومبا، الانقلاب في غانا ضد نكروما ــ جميع هذه الإنقلابات حدثت في الستينيات كتداعيات لانقلاب خروشتشوف على المبادئ اللينينية الأساسية للدولة الاشتراكية السوفياتية في النصف الثاني من الخمسينيات.
ما على جميع الشيوعيين المخلصين لقضية الطبقة العاملة، قضية الإنسانية، قضية الشيوعية ألا ينسوا للحظة واحدة أنه تعاقب في الفترة ما بين 1917 و 1991 على الأراضي السوفياتية دولتان متعارضتان، الأولى وهي الدولة الإشتراكية الشيوعية منذ 1917 أو الأحرى 1919 إلى العام 1954، والثانية وهي الدولة المعادية للإشتراكية والشيوعية وباسم ” دولة الشعب كله ” منذ العام 1954 أو الأحرى 1957 وإلى العام 1991 عام الإنهيار التام لكل المشروع اللينيني شكلاً ومضموناً. أعداء الشيوعية قاطبة، واليسار بكل أطيافه منهم، يتعمدون تجاهل هذه الحقيقة التي لا سبيل لإنكارها لهدف خبيث ومفضوح وهو الإدعاء بفشل الماركسية ومبادئها في الثورة الإشتراكية والإنتقال إلى الشيوعية. يزعمون هذا كي يقولوا لعمال العالم.. إياكم أن تسترشدوا بمنارة الماركسية مرة أخرى وقد جلبت مآسي كارثية للبشرية!!
الدوائر الإعلامية التابعة للإمبريالية الدولية تحيك الأكاذيب الرخيصة والأضاليل الباطلة حول شخص ستالين، رغم أنه أعظم شخصية ظهرت في التاريخ، بقصد طمس ميّزات الماركسية اللينينية واستحقاقاتها. ويسير خلف هؤلاء الإعلاميين الأجراء مختلف اليساريين ومعهم كل الذين تحللوا في بوتقة خروشتشوف من الشيوعيين سابقاً. الحقيقة التي لا مراء فيها هي أن هؤلاء الإعلاميين الأجراء لدى الإمبريالية الدولية ما كانوا ليشتموا ستالين لو لم يكن الأقدر على ترجمة الماركسية اللينينية على الأرض. العدو رقم واحد للشيوعية في القرن العشرين ونستون تشرتشل كان يعترف صاغراً بالنجاحات فوق العادية التي حققها الحزب الشيوعي السوفياتي بقيادة ستالين ؛ وقد سخر روزفلت من تملق تشرتشل لستالين في مؤتمر يالطه وهو يطمئنه بأن شعبه الإنجليزي تحول إلى اليسار!! ــ الإنجليز تحولوا إلى اليسار وقد اجتذبتهم انتصارات الاتحاد السوفياتي المفاجئة في مواجهة النازية بعد أن ألحقت ألمانيا الهتلرية هزائم منكرة بفرنسا وبريطانيا. كان الفضل في كل النجاحات فوق العادية التي حققها الحزب الشيوعي السوفياتي قبل ظهور خروشتشوف يعود للوعي الماركسي اللينيني الذي امتلكه ستالين مضافاً إليه بالطبع التكريس العبقري لكل ما هو حي في شخصه لأجل قضية عمال العالم وهي الشيوعية.
اليساريون وأعداء الشيوعية من مختلف الأجناس ولمختلف الأسباب يشيحون أنظارهم عن النجاحات الهائلة التي حققها الحزب بقيادة ستالين في أصعب الظروف خلال الربع الثاني من القرن العشرين ليركزوا الإهتمام على الانتكاسات المتلاحقة للدولة السوفياتية بقيادة خروشتشوف وعصابته رغم كل الظروف المؤاتية في الربع الثالث. أليس في ذلك كل الخبث والنوايا السيئة لمستقبل البشرية جمعاء. لربما يتساءل بعض اليساريين.. ولماذا نسيء للبشرية في مستقبلها؟ الإجابة الوحيدة على مثل هذا التساؤل غير الفطين هو أن طبقة البورجوازية الوضيعة التي تفرّخ اليساريين سيتم اجتثاثها مثل سائر الطبقات الأخرى في مستقبل البشرية الشيوعي. ولما كانت كل الأجسام الحيّة تمتلك غريزة حب البقاء والحفاظ على الذات فالبورجوازية الوضيعة ليست بحاجة لتفكير وتخطيط كي تقاوم خطر اجتثاثها نهائياً من تاريخ البشرية.
تتوحد اليوم الأصوات الخبيثة الخؤونة من جهة والأصوات الغبية البلهاء من جهة أخرى لتتعالى منادية بوحدة اليسار في العراق وفي سوريا وفي لبنان. عبثاً تنادي هذه الأصوات الخبيثة والغبية فاليسار لن يجد موضوعاً واحداً يتحد حوله اللهم إلا الخيانة والغدر. يتوحد اليسار فقط في سد الطريق أمام الشعوب نحو تحسين ظروفها الإجتماعية من خلال تطوير وسائل الإنتاج لديها. يندفعون في مثل هذه الخيانة لشعوبهم لأن أي تطور ملموس في وسائل الإنتاج من شأنه أن يعمل على اجتثاث طبقة البورجوازية الوضيعة التي تفرّخ اليسار بمختلف ألوانه. لذلك قلنا أن ليس ثمة سكة معلومة للتقدم لدى اليسار. وقلنا من قبل لا لوحدة اليسار، نعم لاتحاد الماركسيين الشيوعيين، اتحاد الماركسيين الحقيقيين من أجل اكتشاف الطريق المؤدية لاستكمال المشروع الماركسي اللينيني في الثورة الاشتراكية العالمية.
فيما بعد انهيار النظام الرأسمالي مع بداية الربع الرابع للقرن العشرين أخذت الطبقة الوسطى، طبقة البورجوازية الوضيعة مفرخة اليسار، تغتصب الامتيازات وتستهلك الثروات الهائلة على حساب الطبقات الانتاجية دون أن يكون لها أي دور في إنتاجها. طبقة البورجوازية الوضيعة من العسكر والفلاحين بقيادة الخائن المرتد نيكيتا خروشتشوف (1954ـ 1964) تمكنت من أن تلحق هزيمة منكرة ساحقة بالبروليتاريا السوفياتية وحزبها الشيوعي. وهكذا استقر الحكم في الإتحاد السوفياتي للطبقة الوسطى دون منازع فيما بعد وتأكد ذلك في تنسيب الدولة بصورة رسمية إلى ” دولة الشعب كله “. في العام 1975 وعندما تحقق زعماء الدول الرأسمالية الكبرى (G5) أن نظامهم الرأسمالي قد وصل إلى نهايته ولا سبيل لإنقاذه اتخذوا القرارات المناسبة لتمكين الطبقة الوسطى من أن تقفز إلى قمة السلطة ودست الحكم في العالم الرأسمالي. وهكذا انتهى العالم كله إلى أن يكون محكوما للطبقة الوسطى خلافاً لمنطق التاريخ. اليسار بكل تلاوينه وأرديته التنكرية إنما ينبثق أولاً وأخيراً من الطبقة الوسطى، طبقة البورجوازية الوضيعة، التي تحكم العالم اليوم. ما الذي يبحث عنه اليساريون وهم يحكمون العالم بمراكزه الرئيسة بدءاً من الولايات المتحدة وروسيا والصين وحتى انكلترا وفرنسا وألمانيا!؟ ما الذي لديهم ليضيفوه إلى العالم؟ نحن نتفق معهم إذ يقولون بفساد العالم الماثل اليوم، لكن يتوجب أن ننبههم إلى أن فساد العالم هو من فسادهم.
ايلاف