صفحات مختارة

كتاب مستقبل الإسلام السياسي في سوريا لرضوان زيادة

يقظان التقي
تطرح تقسيمات الاسلام السياسي تحديات جدلية ازاء ما يتعلق بالمعيار أو المنهج الذي يعتمد عليه في التقسيم. ويلاحظ المؤلف اختلافاً في التوجهات الفكرية والايديولوجية، واختلافات تنبع من النشأة الجغرافية واختلافات اخرى تقود الى المواقف السياسية والتوجهات النظرية، ولكن الأرجح ان الباحثين في حركات الاسلام السياسي يستندون الى موقف هذه الحركات من العنف والتطرف.
انه معيار يرتكز على التأثير السياسي لهذه الحركات ومدى قدرتها على التغيير بالاساليب السلمية او بتبنيها اشكالاً مختلفة من العنف.
رضوان زيادة يستخدم في مؤلفه هذا مصلطح الاسلام السياسي ويعني به الحركات الاسلامية (ولما اصطلح على تسميته في مواضيع أخرى بالأصولية الاسلامية) اي الحركات السياسية التي تمارس السياسة انطلاقاً من مرجعيتها الدينية الاسلامية.
لقد شكل الاسلام السياسي في سوريا مكوناً بارزاً في الحياة السياسية منذ نيل سوريا استقلالها حتى الوقت الحالي، وقد تعاظم دور الحركات الاسلامية في سوريا بشكل كبير خلال فترة الستنيات والثمانينات حيث تصاعدت موجات العنف بشكل غير مسبوق، ثم اعيد طرح الموضوع مجدداً مع ملاحظة عودة مظاهر التدين الشعبي بشكل كبير لدى افراد المجتمع السوري ووجود حركة سياسية اسلامية في الخارج. حركة الاخوان المسلمين تحاول طرح نفسها بديلاً سياسياً مستقبلياً وهي تعتمد على المرجعية الاسلامية محدداً رئيسياً في رؤيتها السياسية ورؤيتها الاجتماعية ورؤيتها الاقتصادية، وان كان داخل خطابها تحولات ومعمولات كثيرة يحاول رضوان زيادة دراستها وتتبعها ورصدها.
تتناول الدراسة تطور العلاقة بين السلطة والحركات الاسلامية في سوريا، ودور هذه الحركات في صوغ المجال السياسي وتبيان حدود تأثيرها فيه. ويحاول على المستوى نفسه دراسة تطور مؤسسات الدولة السورية المختلفة، وكيفية تأثير النظام السياسي والذي ساد سوريا منذ العام 1963 ومستقبل الحركات الاسلامية بشكل خاص، ومستقبل الحياة السياسية في سوريا بشكل عام.
سيرة
رضوان زيادة يشغل موقع كبير الباحثين في معهد الولايات المتحدة للسلام بواشنطن منذ العام 2007 وهو باحث زائر في كلية جون كينيدي للعلوم السياسية، ومدير مركز حقوق الانسان بجامعة هارفرد وهو مؤسس مركز دمشق لدراسات حقوق الانسان ومديره.
له عدد من المؤلفات المنشورة ومن ابرزها: “سؤال التجديد في الخطاب الاسلامي المعاصر” (بيروت 2004) و”ايديولوجيا النهضة في الخطاب العربي المعاصر” (بيروت 2004) و”صنع القرار والسياسة الخارجية في سوريا” (القاهرة، مركز الاهرام 2007) وكثير من المقالات والتحليلات.
دراسة غاية في الجدية المهنية والمحققة بمرجعيات موثقة بدقة تطرح سؤالاً سياسياً واجتماعياً واقتصادياً كجزء من التحولات العامة وتقوم على التفريق بين احد مظاهر التدين الشعبي، وتبين تأييد الحركات الاسلامية في محاولة للفصل بين المنظورين ولا تسقط في التضخيم لدور الحركات الاسلامية، وهذه نقطة شديدة الاهمية، كما لا تقع الدراسة في التعميم (اطلاق اوصاف تعميمية على المجتمع) والأهم في الدراسة تطرقها الى مستقبل الاسلام السياسي في سوريا أو مآله وحظوظه السياسية في ظل السيناريوات المختلفة المرتبطة بالتحولات التي قد يشهدها النظام السياسي السوري.
العلاقة المبكرة بين الدين والدولة في سوريا

تعود العلاقة بين الدولة السورية والاسلام ممثلاً في مؤسساته الرسمية او غير الرسمية الى ما قبل نيل سوريا استقلالها السياسي عام 1946. فقد اتاحت فترة التنظيمات العثمانية فرصة للكثير من علماء الدين الدمشقيين لتأسيس جمعيات خيرية ظاهرها الخطاب الدعوي والخطاب الخيري، لكنها ما انفكت تمارس دوراً سياسياً بشكل من الاشكال. لقد جاءت الجمعيات تعبيراً عن رغبة “العلماء” في استرداد نفوذهم بعد تضاؤل سلطتهم المعنوية اثر اجراءات اتخذتها الدولة العثمانية آنذاك، اذ برزت سلطة المصلحين الذين استعادوا المفاهيم السياسية والاقتصادية والاجتماعية اللازمة لتأسيس الدولة الحديثة.
بدأ تأسيس اول الجمعيات الخيرية على يد الشيخ ماهر الجزائري الذي توفي عام 1920 وازداد عدد الجمعيات بشكل كبير خلال فترة الانتداب الفرنسي على سوريا (1920 1946) اذ أسست “الجمعية الغراء” بمنزلة احتجاج ضد الانتداب في مجال التربية والتعليم برئاسة محمد هاشم الخطيب الحسيني وتأسسن جمعية الهداية الإسلامية عام 1931 وكان كامل القصار اشهر شخصياتها. و”جمعية التمدن الاسلامي” (1932) وكانت تضم ممثلي الطبقة البرجوازية الصغرى من فقهاء وخطباء جوامع واطباء ومحامين وكان على رأسها اسماء كأحمد مظهر العظمة ومحمد بهجة البيطار وغيرهما الى جمعيات اخرى مثل “جمعية التعاون الاسلامي” وجمعية “التوجيه الاسلامي” وجمعية “اعمال البر الاسلامي” و”البر والاخلاق”..
تكاثر هذه الجمعيات السياسي اختبر في تأييد شكري القوتلي رئيساً للجمهورية لكن التحالف لم يدم طويلاً ولكن انصهار هذه الجمعيات في بوتقة واحدة لاحقاً هو ما شكل “جماعة الاخوان المسلمين في سوريا”.
تأسيس جماعة الاخوان المسلمين
اتحدت جمعية الشباب المسلمين في حمص وقد اسسها عام 1936 ابو السعود عبد السلام وجمعية “دار الارقم” في حلب التي اسسها عام 1936 عمر بهاء الدين الأميري وعقد عام 1937 مؤتمران في حمص، ثم مؤتمر ثالث في دمشق عام 1938 مع جمعية اسلامية في دمشق عام 1941 بقيادة عبد الوهاب الازرق (اتحاد طلاب مدارس ثانوية) وصيف عام 1946 اعيد تنظيم “جمعية شباب محمد” و”الشباب المسلمين” وتم دمجهما تحت اسم “جماعة الاخوان المسلمين” وانتخبت مصطفى السباعي مراقباً عاماً لها وعمر بهاء الدين الاميري نائباً له ويتضمن اللقب الجديد بشكل ما التبعية للمرشد العام للاخوان المسلمين في مصر وان كان الاخوان المسلمون السوريون قد تمتعوا باستقلال تنظيمي عن مكتب الارشاد العام في مصر ويعود ذلك الى سببين اثنين:
الأول سياسة المرشد العام الأول حسن البنّا في العمل اللامركزي، وانشغاله بالوضع المصري بشكل كبير، والثاني اختلاف البيئة السياسية والاجتماعية بين مصر وسوريا.
كان واضحاً أن العمل السياسي هو من صلب مهماتها واحتفظت بنوع من القيادة الجماعية على الرغم من التأثير الكاريزمي الذي تحلى به مصطفى السباعي. وكان الاشتباك السياسي الأول داخل المؤسسات السياسية ولا سيما البرلمان حول صيغة دستور عام 1950، حيث طرحت العلاقة بين الدين والدولة من خلال نصوص الدستور، فقد طالب الأخوان أن ينص الدستور صراحة أن “دين الدولة هو الإسلام”. إن ذلك يظهر أن الأخوان المسلمين في سوريا أصبحوا حركة مؤثرة، لكنها لم تكن قائدة أو وحيدة التأثير في غياب الفعاليات السياسية الأخرى. وكان عدد الأخوان المسلمين في سوريا عام 1955 أو عدد المنتسبين يراوح بين عشرة آلاف وإثني عشر ألفاً من الأعضاء الفاعلين.
ومع عودة الأخوان وخاصة بعد فترة انقسامات (أيام حسني الزعيم) وبعد عودة الديموقراطية وسقوط أديب الشيشكلي عام 1954 كان حضور الأخوان خافتاً وخفيفاً جداً، حتى أن السباعي نفسه لم يضمن لذاته مقعداً في البرلمان عام 1957. لكن بعد الانفصال بين مصر وسوريا عام 1961 تمكن الأخوان من الفوز بعشرة مقاعد، ودخلوا مرحلة جديدة إثر وصول حزب البعث الى السلطة في سوريا عام 1963 فيما سمي “عصيان حماة” عام 1964 لمدة 29 يوماً.
كمؤشر على تصاعد تيار جهادي داخل الأخوان لا يوافق على طروحاتهم السياسية والسلمية والديموقراطية في مقابل التحول الآخر واحتكار السلطة السياسية وفرض حالة الطوارئ وإلغاء التعددية السياسية والصحافة المستقلة وقيام الجمهورية الثالثة “الثورية” في سوريا على حساب الشرعية الدستورية. وتمكن الرئيس السوري حافظ الأسد منذ تسلمه رئاسة الدولة عام 1971 من ممارسة سياسية للاحتواء الديني المزدوجة على مدى سنوات حكمه الذي تميّز بعاملين: عامل الولاء وهو المحدد والقائم من رفاق دربه العشرين وعامل الحلقة العسكرية في بناء الدولة المدنية. وحدثت صدامات مسلحة كان ذروتها عام 1973 بقيادة الشيخ حسن حبنكة ـ الميداني ذو التأثير القوي في حي الميدان في دمشق.
وخلفية الإشراط “ان دين رئيس الجمهورية يجب أن يكون إسلامياً سنياً وليس علوياً” مع رفض الرئيس الأسد أن يكون الإسلام متزمتاً ومنفصماً ومقيتاً. وأصر الرئيس الأسد على موقفه الرافض لإعلان “الإسلام دين الدولة” ونظم استفتاء شعبياً عام 1973.
واستمرت الاحتجاجات والصدامات والانتفاضات وأخمدها الأسد الأب “فقرر محاصرة مدينة حماه في شباط/ فبراير 1982، وقصفها بالطائرات وهدم أحياءها المدنية والسكنية وأدى ذلك الى مقتل عدد من المدنيين”. وكان لذلك انعكاسات سلبية على المجتمع السوري لم يستطع تجاوزها الى الآن كما اعتبره كثيرون “كارثة وطنية” والحسم العسكري تبعه حسم قانوني (القانون رقم 49) بالملاحقة والتعقب والاعتقال العشوائي.
ونتيجة الملاحقة حصلت انشقاقات في صفوف الأخوان بلغت الذروة عام 1986، وظهرت الأجنحة المتصارعة التي لم تعد داخلية صرفة وارتبطت بعوامل إقليمية وخارجية.
ولم تفلح بعد المفاوضات بين البيانوني والكثير من قادة الأجهزة الأمنية السورية في حل قضية الأخوان المسلمين ـ بوصفهم حزباً سياسياً ـ وفي عودة قيادته من الخارج مع بروز حالة احتواء جديدة بين النظام وقيادة الأخوان في المرحلة الأخيرة ضمن صفقة بدفتر شروط متبادل أساسه التزام آليات العمل السياسي الديموقراطي ووسائله والحق المتكافئ للجميع في دولة حديثة والإصلاح السياسي ووضع حد للفساد على أن يبقى صنع القرار المؤسساتي السياسي بأيدي النظام الحاكم.
وقد حاول الرئيس بشار الأسد منذ بداية ولايته تجنب المواجهة مع بنية السلطة التي ورثها عبر سياسة الالتفاف والاحتواء للمعارضة وبما لا يعني بالضرورة إصلاحاً جدياً وحقيقياً بقدر ما يهدف إلى تطوير نظام بديل الى جانب المحافظة على السلطة واستخدام هذا التكوين البديل بوضع أساس استراتيجية طويلة الأمد من اختيار تدريجي لنظام راسخ”.
لقد تغير مشهد الإسلام السياسي في سوريا بعد حرب العراق ومع التحولات في السلطة ومع تحولات حزب البعث الحاكم وفي خطابه السياسي المقترب من التيارات الإسلامية كجزء من استراتيجية الاحتواء لكن ماذا عن مستقبل الإسلام السياسي في سوريا:
عودة المظاهر الدينية
من الواضح أن الدين قد أصبح جزءاً من استراتيجية حزب البعث الحاكم في سوريا؛ من أجل ضمان بقائه في السلطة، وعلى الرغم من أنه لا وجود لخطاب سياسي مواز يحاول استثمار الدين بشكل صريح وواضح؛ كما حصل في أكثر من بلد عربي؛ كمصر، والجزائر، والعراق خلال فترة وجود صدام حسين في الحكم، فإن المواقف والتصريحات السياسية للرئيس والمسؤولين السوريين، أصبحت تأخذ موقفاً أيديولوجياً صريحاً، من استثمار المشاعر الدينية، وهذا ما برز بشكل واضح خلال أزمة الرسوم الدنماركية على سبيل المثال.
ويمكن أن نقول: إن هذا الخطاب هو بشكل ما، انجراف وراء عودة المظاهر الدينية بقوة الى المجتمع السوري، سواء لدى الأجيال المتقدمة في السن، أو الأجيال الشابة التي لم تجد أمامها حياة سياسية مفتوحة؛ لممارسة النشاط السياسي، وغزارة الخطوط الحمر التي تمنع النشاط الاجتماعي؛ ومن ثم وجدت نفسها عرضة للتأثر بشكل كبير بالخطاب الديني، بدرجاته المختلفة، وإن هذه المظاهر لا تعني بالضرورة حضوراً طاغياً لتيار الإسلام السياسي في سوريا، وعلى رأسه الأخوان المسلمون؛ فالقمع الشديد الذي عاناه أعضاؤها يمنع الأجيال الشابة من التفكير في الانضمام الى هذه الحركة، ولا يتوقع قريباً، أن يسمح النظام السياسي السوري بتسوية وضع الحركة داخلياً، أو السماح بعودتها، ولا سيما مع اشتداد الضغوط الخارجية على سوريا، وهذا يجعل النظام يفسر اي خطوة باتجاه المصالحة، وكأنها تعني تنازلاً سياسياً كبيراً؛ ولذلك فان الوضع الداخلي بالنسبة الى تيار الإسلام السياسي سيشهد حالة من الاستقرار النسبي، قياساً الى ما كانت عليه الحال خلال العقود الثلاثة السابقة، من دون ان يمنع ذلك ظهور بعض الجماعات الأصولية والسلفية المتطرفة التي ربما تقوم ببعض العمليات المسلحة في فترات متباعدة، ولكن، من دون ان يكون لها تأثير سياسي أو تاثير اجتماعي.
وباغلاق اي شكل من اشكال الحوار بين الحكومة السورية والاخوان المسلمين، دفع الاخوان الى أخذ مواقف قصوى، مختلفة عن تلك التي بدأوا بها عهد الرئيس بشار الأسد، سواء عبر المواقف او التحالفات السياسية، وقد ظهر ذلك في الدخول مع نائب رئيس الجمهورية الأسبق عبد الحليم خدام، الذي أعلن انشقاقه عن النظام مطلع عام 2006، فيما يسمى “جبهة الخلاص الوطني” في حزيران/يونيو 2006.
وكانت المعارضة السورية الداخلية قد طورت ما اصبح يعرف بـ “اعلان دمشق”، الذي أعلن عنه في تشرين الأول/أكتوبر 2005، وقد ضم الأحزاب السياسية المعارضة في سوريا، وغير المعترف بها؛ كأحزاب: التجمع الوطني الديموقراطي، وعدداً من الأحزاب الكردية، اضافة الى عدد من المستقلين، وقد أعلن الاخوان تأييدهم للاعلان بعد دقائق من الاعلان عنه.
لقد استغرق التفاوض حول صيغة الاعلان ما يقارب ثمانية اشهر، بما تشتمل عليه هذه الفترة من حوارات مكثفة وعميقة، حول النقاط الواجب ذكرها، ونمط صوغها وشدتها، وترتيب الأولويات ومدى الحاجة اليها، وتوقيت الصدور وآليته، وابتكار آلية للمتابعة والتحرك المستقبلي. كل ذلك كان موضع نقاشات يومية، بين مختلف القوى السياسية السورية.
لقد جاء الاعلان تعبيراً عن وصول الدعوات الداخلية اليومية التي أطلقتها القوى السياسية المعارضة، والجمعيات والمنظمات الحقوقية، وما كتبه المثقفون والناشطون، خلال السنوات السابقة الى طريق مسدود؛ فالسلطة السياسية السورية، صمت أذنها تماماً عن هذه المطالبات، وتصرفت وكأنها لا تعنيها؛ وهو الأمر الذي زاد حالة الاحتقان الداخلي والاستعصاء على التغيير، ورافق ذلك حجم كبير من ضغوطات المجتمع الدولي الخارجية.
لقد أطلق “اعلان دمشق” حراكاً فكرياً وسياسياً، حول ضرورة التغيير وحتميته، وأظهر قدرة القوى السورية على التحاور والتوافق؛ لما فيه مصلحة الوطن والمجتمع، وقطع تماماً شوطاً مع نمط الدعوات المطلبية التي شملت العرائض والبيانات، نحو الحض على التغيير ومحاولة تحقيقه وانجازه.
ولا شك ان الاعلان ووجه منذ صدوره بكثير من النقد والهجوم، وأحياناً بالتجريح والتشكيك في صدقية القائمين به والموقعين عليه، وبلغت القراءات التأويلية له حدوداً لا غاية لها الا الطعن والنفي، وان كان بعض النقاط يحتاج حقاً الى نقاش جدي من الموقعين على البيان، ولا سيما ما يتعلق منه بالمضمون العروبي للبيان، وتأكيد الانتماء العربي الى سوريا تاريخياً وسياسياً. أما النقطة الأخرى المتعلقة بالضغوطات الخارجية التي تختزل في النقاش السياسي الى “ثنائية الداخل والخارج”، فان الاعلان حاول ان يبتكر صيغة خلاقة للتعامل واياها، قائمة على القول: ان الضغوط الخارجية ربما تصب في اطار المساعد والمهيئ؛ للقيام بالاصلاح اللازم، ولن تكون معيقة أو معرقلة.
لقد استفاد الاخوان كثيراً عبر انضوائهم ضمن الاعلان؛ اذ اصبحوا جزءاً من المعادلة السياسية الداخلية، لكن، التحالف بينهم وبين خدام ضمن جبهة الخلاص، دفع أصحاب اعلان دمشق الى النأي بأنفسهم عن هذه الجبهة.
ان السقف الذي تتحرك ضمنه الجبهة، يقوم على ان “خيارهم الاستراتيجي هو تغيير النظام السوري الذي قام على اغتصاب الحكم، وعلى الاكراه، وفقد كل مسوغات وجوده، بامعانه في سياسات الاستسلام، وافتعاله الفتن مع الجوار العربي في كل الاتجاهات، والايغال في سياسات الظلم والشللية والفساد والاستئثار”.
وبينما يستحيل على المعارضة الموجودة داخل سوريا الوصول الى هذا السقف، فضلاً عن أنها أخذت موقفاً حذراً من التحالف مع خدام، وجد الاخوان في خدام شخصاً خبيراً، يمتلك علاقات دولية لا يتمتعون بها، أما خدام فتوقع من تحالفه معهم ان يحصل على الشعبية التي يتمتع بها الاخوان داخل سوريا.
لقد دعمت الجبهة اعلان دمشق، الذي عدته “حجر اساس في حركة المعارضة الوطنية البناءة”، لكنها رغبت في التمايز بينها وبينه، في سرعة الأداء والحركة، ولا سيما مع توقعات للجبهة ـ وخدام تحديداً ـ بتسارع الأمور بشكل كبير بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، وتتابع الاتهامات الدولية للحكومة السورية بالتورط في اغتياله.
لقد طالب مشروع جبهة الخلاص الوطني للتغيير الذي اقر في بروكسل بتاريخ 16 و17 آذار/مارس 2006، ببناء سوريا دولة مدنية ديموقراطية حديثة، تقوم على التعددية والتداولية والمؤسساتية، مرجعيتها صندوق اقتراع حر نزيه، يعبر عن ارادة المجموع العام لأبنائها، من دون التجاوز على حقوق اي فئة، أو أقليات: دينية أو مذهبية أو عرقية؛ لأن سوريا التي نريدها، ونسعى لها، هي سوريا جميع أبنائها، على قاعدة المساواة، و”السواء” الوطني العام، ضمن حدود دستور عصري يشترك في صوغه واقراره الجميع. وفي ذلك التزام ثابت من الاخوان بالمبادئ ذاتها التي كانوا قد أقروها في ميثاق الشرف للعمل السياسي، وفي الوقت نفسه القطيعة الكاملة مع النظام السياسي السوري الذي وصفه بيان الاخوان “بالزمرة التي قبلنا التحدي في التصدي لها”. وعلى ذلك يبدو ان خيار الاخوان قد حدد نهائياً بتغيير النظام، والتحالف السياسي وأصحاب المعارضة له؛ من أجل بناء دولة مدنية حديثة ديموقراطية، على حد تعبير البيان.
تبدو خيارات المستقبل القريب أو المستقبل البعيد، كما يراها د. زياده رهناً بالتحولات الاقليمية والدولية المتسارعة، لكن، من المؤكد ان دور الاخوان المسلمين السوريين في المستقبل سيصبح أكثر تاثيراً، سواء في مستوى الداخل السوري، أو في مستوى التحالفات الاقليمية والدولية.

[ الكتاب: الاسلام السياسي في سوريا
[ المؤلف: د. رضوان زيادة
[ الناشر: مركز الامارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية طبعة أولى 2008
المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى