الإخوان المسلمين” …وفشل الإسلام السياسي
عادل النيل
واقع التنظيم الآن ولزمن طويل مقبل هو الجمود وشل الحركة دستورياً وإفلاسها سياسياً
فشل الإسلام السياسي ليس فرضية فكرية أو نظرية في حياة الشعوب الإسلامية, كما أنه في الوقت نفسه ليس حتمية أو نهاية المطاف للحراك السياسي الذي يستقيم مع قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم “أنتم أدرى بشؤون دنياكم” فالجزم بفشل الإسلام السياسي, في اعتقادي , تفكير يائس وغير منطقي ولا عقلاني لأن الفشل يلحق بالأدوات والكادر الذي يقوم به ومنهجه في تأدية دور سياسي يبسط الدين في حياة الناس من خلال منظومة أو نظام سياسي , وذلك ما يتضح في أداء وسلوك جميع حركات الإسلام السياسي التي غالت وتطرفت وأزهقت سماحة الإسلام وتواصيه بالصبر والمرحمة سواء مع الرعية أو ذوي العهود مع الحكام , بصرف النظر عن شبهات الفساد بحكمهم وفق ما ترى قيادات تلك الحركات.
تنظيم »الإخوان المسلمين« (عالميا أو إقليميا أو محليا في مصر) نموذج شاخص وصريح لفشل الإسلام السياسي , ولا مشكلة مطلقا في التعامل مع المصطلح مجزوءا أو منزوعا من سياقه الكلي , فهو معني بالسلوك السياسي للفكر الديني في تدبر شؤون وأحوال الرعية والانحراف بذلك إلى منازعات ومشاجرات تحرف المنهج عن مساره الذي ينبغي أن يحرص على المصلحة العامة من دون الخروج على الحاكم بمقتضى الشرع , وبذلك يمكن النظر الى »الإخوان المسلمين« كأحد حركات الإسلام السياسي التي لا أرضا قطعت ولا ظهرا أبقت , وأخذت تدور حول نفسها زمنا طويلا أرهقت فيه العباد بجعجعة خطاب ديني هزيل ومكرر لم يشفع لها أن تتقدم خطوة واحدة إلى الأمام.
دوران التنظيم حول نفسه بدأ منذ حادث المنشية أوائل الخمسينات من القرن الماضي , وهو في حالة عداء مستحكم مع السلطة منذ ذلك التاريخ , والحادثة كانت خطأ غير مبرر يكشف بجلاء خطل الفكر الديني في منافحة الحاكم والخروج عليه بتناقض واضح مع مقتضيات الشرع في الخروج ونقض العهود وإثارة الفتنة بين المسلمين , وبذلك قدم التنظيم نفسه بصورة دموية تسفك الدماء وتعطل أجهزة الدولة أو تبقيها تحت التهديد والوعيد بسلوكيات عنيفة تضر المصالح الوطنية , فهي بذلك نموذج فاشل لتحرك الإسلام والدليل أن التنظيم كالمرأة المعلقة فلا هو يمارس دورا سياسيا ولا هو يتمتع بالحرية في العمل والمشاركة في صنع القرار الوطني الذي يخدم المسلمين , لأنه وضع رقبته تحت المقصلة والسيف بأخطائه وراديكاليته التي تميزه وتميز جميع الحركات الأخرى التي أصبحت تلازمها صفة “الأصولية”.
التنظيم أصبح عبارة عن جمعية خيرية مغلولة اليد وذلك يقصيه من تحقيق أهدافه الكلية في إصلاح أحوال الرعية وشؤونها السياسية , وهي نهاية منطقية لمنهج فكري مشحون بكثير من الأخطاء التي تنعكس على وسائله وأساليبه في الاستقطاب وتوظيف الكوادر ولجمها عند استعجالها تحقيق مصلحة العباد عندما يستبد بها كره السلطة أو النظام الحاكم , فهذه السلطة من أمر الله الذي يؤتيه من يشاء وينزعه ممن يشاء , وقد شاءت قدرة الله ألا يأتيها التنظيم رغم أنه أطول عمرا من الحزب السياسي الحاكم في مصر , فهل يوجب ذلك التحول الى منهج العصابات والعمل السري للاستحواذ على السلطة وتغيير الأمر الواقع بالعنف? بالطبع لا , وربما أخيراً أدرك قادة التنظيم ذلك , ولكن بعد أن قطع المجتمع شوطا في الابتعاد من منهج تنظيمهم واختيار فكر ديني معتدل بعيداً من التطرف بحيث يوازن ما استطاع بين مطلوبات الدين وحظوظه من الدنيا , وإن لم يستطع فالله أولى به.
وعدم الاستطاعة أو التهاون في التعاطي مع الكسب الدنيوي جزء من ثقافة عريضة في فهم الدين يبررها يسره وعدم المغالاة فيه , وذلك ينطوي على مشي في طريق ضيق تقترب كثيرا من الانحلال والتفسخ والتحرر , ولكن ذلك أيضا انعكاس غير مباشر لأخطاء التنظيم الذي رفع شعار »الإسلام هو الحل« فقدم الإسلام بصورة ربما بدت مزعجة وثقيلة على كاهل النفس بحيث لا تطيقها فكان البديل الانكفاء عن البرنامج الدعوي للتنظيم والتزام اجتهاد النفس , وبإمكان أي شاب أو فتاة أن يبررا سلوكيات خاطئة بمنطق ديني مبتسر أو منزوع من قاعدة كلية , فهم يدفعون ثمن أخطاء التنظيم وسوء تقديره لحركة المجتمع ومتغيراته , لأن شيوخ التنظيم وشبابه الملتحي تعاملوا بمبدأ الوصاية والغلظة في فرض المنهج الديني.
واقع التنظيم الآن ولزمن طويل مقبل هو الجمود وشل الحركة دستوريا وإيقاف الدورة الدموية لها في أي استحقاقات برلمانية , وإفلاسها سياسيا واقتصاديا وعزلها من المجتمع , فهل بعد هذا بمقدورها أن تؤدي دورا في حياة الناس? هو في حالة غيبوبة وتغييب وأصبح شيئا من الماضي يستحق قراءة الفاتحة على روحه , إلا إذا طور منهجه في التعامل بتوازن مع السلطة والمجتمع , وقدم نفسه من خلال إعادة اكتشاف السماحة في منهج الدين ونبذ العنف , فهو كان فكرة نموذجية ملهمة لتغطية الواقع بآداب الدين ونظامه ولا بد له من أن يتصالح مع نفسه أولا , والكف عن النظر لمرآة الذات بمنظور الفرقة الناجية التي يأتيها الوحي بصلاحها من دون بقية خلق الله , إما ذاك أو يتحول الى تنظيم دراويش لا علاقة له بالسلطة والمنازعة في أمرها فيريح ويستريح.