خبـر أميركي
ساطع نور الدين
لم يعد الخبر العراقي المروع، مهما كانت درجة فظاعته وبشاعته وخطورته، يهم الاميركيين او يعنيهم. يكاد يغيب عن شاشاتهم والصفحات الاولى لجرائدهم. اصبح مجرد حدث امني يجري في بلد بعيد لا شأن لاميركا فيه، ولا يقع على لائحة اولوياتها، ولا يندرج حتى في سياق تقاليدها المعروفة في التخلي عن حلفائها واصدقائها في العالم.
وطالما ان عدد الجنود الاميركيين الذين يقتلون في العراق بات اقل بكثير من عدد الجنود الاميركيين الذين يسقطون في جرائم وحوادث سير في اميركا، فان الجمهور الاميركي لا يطالب اعلامه بان ينقل اليه اخبار تلك المذابح العراقية التي لا تتوقف، ولا يلح على مسؤوليه السياسيين والامنيين تقديم الشروحات والتحليلات، كما في السنوات الست الماضية، التي صار فيها كل مواطن اميركي خبيرا محلفا في الشؤون العراقية، يميز بين القوميات والطوائف والمذاهب والفرق، ويحفظ التضاريس الجغرافية للعراق عن ظهر قلب.
بناء على الاحساس الشعبي بخطأ الغزو ولاجدوى الاحتلال، بات الرأي العام الاميركي يدفع مؤسساته الاعلامية والسياسية في الاتجاه المعاكس: السعي الى نسيان تلك التجربة البائسة التي فرضها الرئيس السابق جورج بوش لاسباب بعضها خاص ومعظمها غير مبرر وغير مفهوم، والتمسك بخطة الرئيس الحالي باراك اوباما للخروج من العراق باسرع وقت ممكن، مع الابقاء على بعض القواعد والخبراء العسكريين والاحتفاظ بتلك القاعدة الراسخة للعلاقات الاقتصادية والتجارية والنفطية طبعا.
بين الحين والآخر، يوجه الاعلام الاميركي كاميراته نحو مذبحة عراقية ما، لكنه سرعان ما يعود بالصورة والصوت الى مسؤول اميركي رفيع يؤكد ان قوى الجيش والامن العراقية باتت جاهزة لتولي المهمة، ويتوقع ان يتم سحب القوات الاميركية المقاتلة من العراق بوتيرة اسرع وبموعد اقرب من نهاية العام 2011، بحسب ما تنص المعاهدة الامنية الموقعة في مطلع هذا العام.. وهو ما صار يبدو مثل اشارة تشجيع ضمنية للجهات التي تنفذ المذابح الحالية في العراق لكي تواصل عملها بلا هوادة.
ثمة اشتباه جدي في ان اوباما راجع سياسة بوش القائمة على تسليم الغالبية الشيعية حكم العراق، واكتشف ان الامر يؤدي الى تضخيم نفوذ ايران ودورها الاقليمي الذي كبر في السنوات الست الماضية، وتحجيم مكانة الحلفاء العرب وشراكتهم في المعركة المتجددة مع الارهاب الاسلامي السني سواء في افغانستان او باكستان او سواهما من البلدان العربية والاسلامية المرشحة للتحول الى ساحات جهاد لتنظيم القاعدة.
لكنه مجرد اشتباه حتى الآن، لا تدعمه سوى ارقام وهويات الضحايا الذين يسقطون هذه الايام في العراق، ويقودون الى استنتاج وحيد هو ان الفتنة المذهبية الكبرى لا تزال في بدايتها، وهي تخضع لايقاع اميركي بدأ مع الغزو في العام 2003 وشهد في اعقاب تنفيذ قرار الخروج من المدن العراقية تحولا جذريا.
لم تخرج اميركا من العراق بعد، وهي تحاول فقط ان تتنصل من المسؤولية السياسية عن تلك الفتنة التي تسببت بها ونظمتها على مدى السنوات الست الماضية، فانها لا تستطيع ان تتنصل من مسؤولياتها الاخرى التي دفعت شعبا كاملا نحو الهلاك.
السفير