«في وصف حالتنا»
حسام عيتاني
الذكرى الاولى لرحيل محمود درويش، ليست حدثا ثقافيا فقط بمعنى حصر الاهتمام فيها بأثرها في شؤون الشعر والادب في العالم العربي. بل يمكن الزعم انها حدث سياسي من الطراز الاول.
ما يضعها في هذا المقام يتجاوز دور الشاعر في منظمة التحرير الفلسطينية او توليه عددا من المناصب في لجنتها التنفيذية وما شاكل، على اهمية الدور المذكور الذي جعل من الثقافة همّا حقيقيا في العمل الوطني الفلسطيني.
بل لعل الأهم في ما اداه درويش يكمن في منحه بُعدا انسانيا للصراع الفلسطيني –الاسرائيلي لمصلحة الانسان الفلسطيني والعربي عموما، وهو بُعد يتعرض الى الحصار والتهميش في مواسم الرِّدة الحالية. ليس من جديد في الكلام هذا سوى اندراجه في اعادة اكتشاف المُكتشف من قيمة لدرويش في وقت تبدو القضية الفلسطينية فيه وكأنها في النزع الاخير، الى جانب تسجيل لحالة الافتراق المعهودة بين المثقف والسياسي عندما تتآكل القضية التي انخرط المثقف فيها.
فمن خاطبهم الشاعر في قصائده الاولى ظلوا ردحا طويلا من الزمن مقيمين في الحيز السياسي- الثقافي ذاته قبل ان ينهاروا بفعل عبء العجز عن ادراك المشروع الصهيوني الحديث والاحاطة به، قبل التصدي له، بأدوات معرفية مستهلكة لا تصلح لأكثر من ادامة الانقسامات الاهلية الموروثة وتغذيتها. واللوم الذي وجهه البعض الى درويش في اعوامه الاخيرة بسبب ما اعتبروه تخل عن القضية والامتناع عن تنكب مهمة النطق باسمها، يجب ان يوجه الى من اوصل القضية الى الطريق المسدود الذي ترابط فيه منذ قرابة العقدين.
وعلى رغم ان «الكلمة عمل عظيم» على ما كان يقول الكاتب الروسي دوستويفسكي، بمعنى قدرتها على اضفاء ابعاد والوان جديدة على الحقيقة المجردة بل فتحها لابواب في الخيال قد تفضي الى تغيير مادي اي ما يسمى «الحل الشعري»، فإنها، في المقابل، لا تستطيع الحلول مكان الواقع والحقيقة، وإلا سقطت في فخ التزوير والتلفيق اللذين يدعو اليهما اليوم كهنة النقاء الايديولوجي والطهر السياسي.
قدّم محمود درويش افقا للقضية وحلما عن ماضي الشعب الفلسطيني قبل النكبة واثنائها ولم يكن مطلوبا منه الذهاب الى ابعد من ذلك. فقد ذهب بعيدا بما يكفي في مشروعه الشعري. وعندما «وصف حالتنا» في كتابة سياسية اقرب الى المباشرة كان صريحا في انحيازه.
والحال ان درويش، في الحضور كما في الغياب، يمثل دافعا الى التأمل في العلاقة بين الثقافة والسياسة في العالم العربي، في صراعهما المستمر منذ ان كانت سياسة ومنذ ان ظهرت ثقافة في هذه المنطقة من العالم، وفي انحسارهما معا امام مدّ ذاك المزيج من اوهام التاريخ المُصنع محليا ومن «ثقافات» القبائل والطوائف.
وحالتنا التي لا تغري بتأمل من النوع هذا، تدفعنا على رغم رداءتها الى عدم الاستسلام الى النسيان والى العود الابدي الى نقطة الصفر، على ما يلح علينا اعداء محمود درويش الذين لا يعرفون من الحياة سوى لحظات بداياتهم الحزينة. ولنا ان نعمل على مقاومة اليأس العميم، او ان ننصرف الى التلهي بمداخلات محمد دحلان او تفسير آخر تصريحات وليد جنبلاط.