الأسوأ في انتظار الأسوأ
حازم صاغيّة
منذ شهر، أو ما يقاربه، والتوتّر يتنامى في المنطقة، وفي الحدود الجنوبيّة بين إسرائيل و«حزب الله» تحديداً. والباحث عن إشارات لن يخطىء الإشارات التي تتدفّق: فحكومة بنيامين نتانياهو وقادة جيش إسرائيل غطّوا وجوه الصحف بتهديداتهم المتلاحقة: فلبنان، حكومةً وبنية تحتيّةً، كما يقولون ويكرّرون، مستهدف بدرجة استهداف «حزب الله» ذاته، ومن يمدّ يده على ديبلوماسيّ إسرائيليّ في العالم يفتح عليه صندوق باندورا. أمّا إتيان «الحزب» بسلاح إيرانيّ جديد يخلّ بالتوازنات القائمة حتّى الآن فيتأدّى عنه الويل والثبور، وهذا في مناخ من الندم، عبّر عنه نتانياهو شخصيّاً، على الانسحاب الأحاديّ من غزّة.
و»حزب الله» ليس أقلّ «مَرجلة»، بحيث يتقاسم شيوخه وحلفاؤه شحذ الألسنة التي تنبّهنا إلى شحذ السيوف. وفي ظلّ المعادلة الجديدة التي أعلن عنها أمينه العامّ من أن «تلّ أبيب مقابل الضاحية الجنوبيّة لبيروت»، تنتقل إلى الصراحة تلك النيّة الدائمة، التي كانت متفاوتة الضمور، من أن المقاومة ستبقى مقاومة، والسلاح سيبقى سلاحاً، بغضّ النظر عن تحرير مزارع شبعا أو عدم تحريرها.
يرفع حرارة الخوف أن إسرائيل وإيران، ومن موقع الخصومة، قد تلتقيان على إحباط الخطّة الأميركيّة، وهي لم تصبح بعد خطّة. وهذه عادة قديمة عليها ما لا يُحصى من شواهد في الأيّام الأقلّ دراميّة، فكيف في ظلّ باراك أوباما ووهجه المصحوبين بظهور علامات التآكل والتعفّن على وجه النظام الخمينيّ؟
إذا صحّ الافتراض هذا، عساه لا يصحّ، بدا لبنان بأسره مستسلماً إلى مصير تعس، لا يفعل غير الإمعان في تصديع صمّامات أمانه وقدرته على الحدّ من الكارثة. فقد آل التحوّل الجنبلاطيّ الأخير إلى جعل ولادة الحكومة الجديدة، وهي أصلاً ولادة صعبة، أصعب. ووراء الحكومة، يصار إلى إخراج الحياة السياسيّة يرمّتها من كلّ جاذبيّة يشدّها وتنشدّ إليه، بنتيجة تمييع الأكثريّة والأقليّة بحيث لا تعود هناك توازنات واضحة. ولا يعود إلاّ صلصال متحرّك يراد أن يُبنى عليه.
أمّا «الصمود» وراء المقاومة، وهو من أغانينا، فيُستحسَن ألاّ يعوَّل عليه كثيراً. ذاك أن القطاع الأعرض من اللبنانيّين يحسّ نفسه غير معنيّ بتاتاً إلاّ من زاوية توريطه ومطالبته، غصباً عنه، بأن يدفع حياته وموته ثمناً. وما المحاولات التي تلاحقت للالتفاف على نتائج الانتخابات العامّة الماضية غير سبب إضافيّ لحمل العازف واللامبالي على أن يصبح أشدّ عزوفاً ولا مبالاة.
وهناك طبعاً أؤلئك الذين يوحون بعكس هذا، وبأنّهم سيكونون الدرع الواقي للمقاومة، أو الخلفيّة التي تسند ظهرها إليها، ممن قد يكونون عونيّين احترفوا هذا الموقف، وقد يكونون جنبلاطيّين وفدوا حديثاً إليه. لكن أغلب الظنّ أنّ هؤلاء لن يكونوا، حين يجدّ الجدّ، ما يصفون به أنفسهم. فهؤلاء، بلغات شتّى وطرق تعبيريّة متباينة، قالوا، ويقولون، إنّهم يفعلون ما يفعلونه حمايةً للذات الطائفيّة من بندقيّة المقاومة. يصحّ هذا في الذي «تفاهم» مع «حزب الله» قبلاً كما في الذي قد «يتفاهم»، وربّما «يتحالف» معه الآن.
والبائس، في آخر المطاف، فوق بؤس الجوّ المكفهرّ، أن الأمور اندفعت إلى تفسّخ في النسيج الوطنيّ يدلّ عليه «التفاهم» بقدر ما تنمّ عنه الخصومة. فهذا شعب خائف من السلاح، ودع الكلام، على اختلافه، جانباً.
الحياة