مؤتمر «فتح»: الجندر وإكسير الشباب
حسام عيتاني
جدد مؤتمر «فتح» السادس شباب الحركة وأعاد إليها ألق الانطلاقة الأولى ووهجها، على ما قال المتحدثون باسمها.
قراءة في أسماء الجيل الموسوم بالشاب من جهة، والخلفيات التي يأتي منها الى لجنة الحركة المركزية، تقول ان الصفة لا تنطبق تماماً على الموصوف. متوسط أعمار الأعضاء الجدد في الحركة يزيد على الخمسين سنة، ما يستدعي إعادة تعريف لمصطلح الشباب. وكانت صحافية مصرية قد لاحظت عند تعيين أحمد نظيف رئيساً للوزراء واطلاق لقب «حكومة الشباب» على التشكيلة التي يترأسها، ان «الشاب» أحمد نظيف انما يتولى منصبه وهو في عمر يزيد على السن التي توفي الرئيس الراحل جمال عبد الناصر فيها، أي اثنين وخمسين عاماً. تولى عبد الناصر الحكم وهو لم يتجاوز السادسة والثلاثين من العمر، في حال عُدت سنة 1954 بداية رئاسته، وكان – بغض النظر عن الرأي في فترة حكمه – زعيماً عالمياً بمقاييس تلك الحقبة أو «نجماً» بمعايير حقبتنا هذه.
فإذا كان «جيل الشباب» قد مُدّد بفعل اكسير انتظار قضاء الله وقدره قبل تولي المناصب الموعودة، في الحكومات وفي حركات التحرر الوطني العربية سواء بسواء، فلا بأس من إضافة ما يُنتظر من جيل الشباب تحقيقه من انطلاقة منشودة على أيدي «شبان» تأخروا في الوصول الى المواقع التي راحوا يعدون أنفسهم لاحتلالها منذ عقود من الزمن، وحال التقدم في العلوم الصحية والرعاية الطبية (أكثر من غيره من الأسباب) في وصولهم الى ما يبتغون، خصوصاً أن تداول السلطة وانتقالها من جيل الى آخر، من النوافل في عالم العرب، في حكوماتهم وثوراتهم ومؤسساتهم التجارية وشؤونهم العائلية. فيصبح احتلال الشباب مراكز يرنون إليها، والحال على ما سبق، مرتبطاً برحيل السابقين وليس باستكمال اللاحقين لاستعداداتهم المهنية.
وليس من العسف القول إن الجيل الذي بات يطلق عليه، لتخفيف وقع المفارقة، «الجيل الثاني»، وصل الى الصف القيادي الأول في «فتح» بعد فوات الأوان. فالحركة تعيش أزمات متراكب بعضها فوق بعض، وتشهد على صعوبة أحوالها السلسلة المعروفة من الإخفاقات والهزائم في الانتخابات وفي غزة وفي المفاوضات مع إسرائيل وفي العجز عن تحسين أحوال المواطنين الفلسطينيين في مناطق السلطة، وأخيراً في إدارة الصراع الداخلي والإخفاق في حله، على أي شكل كان. السِيَر الذاتية للفائزين لا تفصح عن استعدادات استثنائية لإنجاز ما لم يستطعه الأوائل.
المسألة الثانية التي تجذب الاهتمام على حواشي المؤتمر الفتحاوي السادس وأطرافه، هي مسألة «الجندر» أو تمثيل المرأة في الأطر القيادية الفلسطينية. ست نساء ترشحن الى اللجنة المركزية ولم تصل أي منهن بأصوات المؤتمرين، لينتقل الأمل بإنصاف المرأة الى المقاعد المتروكة للتعيين، على جاري عادة آخذة في الرسوخ في الدول العربية.
المؤتمر الذي يغلب الذكور على المندوبين إليه، لم ير أهمية كافية (بحسب عدد الأصوات التي نالتها المرشحات) في تمثيل نسائي في «هذا الظرف الدقيق». لكن دعونا نقول إن استبعاد النساء في «الظرف الدقيق» هذا مثال على نفاق ساطع. ويعرف كل متابع للأدبيات والمنشورات والمواد الإعلامية الفلسطينية، أن جزءاً كبيراً من الدعاية السياسية يتناول المأساة التي نزلت وتنزل مع كل عدوان إسرائيلي جديد، على المدنيين الفلسطينيين، وأن المثال المكرس لتجسيد المأساة تلك هو المرأة الفلسطينية. أسباب ذلك تعود الى النظرة العربية أو قل الفكرة الشرقية الى المرأة وعنها، بصفتها كائناً ضعيفاً وهشاً وغير قادر على تدبر أموره بنفسه، من ناحية، والى الحساسية التي يمكن أن يثيرها استهداف المرأة كرمز للعائلة وللاستقرار البيتي وللجانب الإنساني عموماً لصورة المرأة.
في ذهن من رفض منح المرأة مقعداً في اللجنة المركزية لـ «فتح» عبر الاقتراع، يجب أن تنتهي وظيفة المرأة في القضية الوطنية عند الحدود هذه. أما صور المرأة المناضلة والمقاتلة وقائدة العمليات العسكرية ومحركة التظاهرات والاحتجاجات الشعبية، فالرسالة التي يوجهها هؤلاء الى جمهور الحركة مؤيدي القضية الفلسطينية عموماً، تقول ان صورة المرأة الفاعلة المؤثرة والقائدة يجب ألا تخرج من أطر الاستخدامات الآنية الاداتية.
عليه، لا يصح تصديق الدعاية التي نطلقها، أو أن ندع بضاعتنا تُرد إلينا على غرار ما قال الصاحب بن عباد بعد قراءته «العقد الفريد». ولا مجال في الجد ونصابه اللجنة المركزية لحركة «فتح» وكل الحركات والأحزاب المشابهة لصوت المرأة الذي يفترض أن يبقى في مشاهد العويل والنواح على القتلى أو إعطاء دروس الصمود من الأم الفلسطينية التي تقف باسمة قرب ابنها الذاهب الى تفجير نفسه.
الحال ان وهج الانطلاقة وألقها لا يفيدهما شباب المؤسسين أو كهولتهم ولا حضور المرأة في الهيئات القيادية «الثورية» أو غيابها عنها، استطراداً، بقدر ما تشكلهما حقائق الواقع المحيط وظروفه. وهذا كلام لا تنقصه البداهة، بيد أن غيابه عن التداول لمصلحة الاحتفال بالانقلابات والمفاجآت وأعمار المسؤولين الجدد، يعلن شيخوخة الحركة الوطنية الفلسطينية ودخولها طور المرض العضال.
الحياة