رداً على مقال “أضواء على العلاقة المتوترة بين الريف والمدينة في سوريا اللاذقية مثالا”
هنادي زحلوط
بعد قراءتي لمقال الزميل كامل عباس بعنوان “أضواء على العلاقة المتوترة بين الريف والمدينة في سوريا: اللاذقية مثالا”, المنشور في موقع الأوان بتاريخ الخميس 6 آب 2009, لم أستطع إلا أن أستلّ “كيبوردي” وأسجل بعضا من النقاط التي أثارها فيّ هذا المقال الغير اعتيادي إن في موضوعه أو جرأته.
العنوان يشي بمعالجة الكاتب للإشكالية التاريخية بين الريف والمدينة, ولتنازع السلطة بينهما, وعلى هذا الأساس يبدأ الكاتب سرده التاريخي, محاولا ربط ماضي هذا الصراع بحاضره, لينزلق, دون وعي منه أو بوعي وإدراك, نحو اختصار أبناء الريف في اللاذقية بأبناء الطائفة العلوية فيه بشكل خاص, ليتحول حديثه نحو تحليل الصراع بين العلويين وأبناء المدينة, خارجا عن الإطار الذي وضعه لمقاله.
ورغم أن أبناء الطائفة العلوية قد يشكلون نسبة كبيرة من أبناء الريف في محافظة كاللاذقية, إلا أن الريف فيها متنوع, فيه السّنّة والمرشديون والمسيحيون كما الشيعة, كما أن المدينة متنوعة, وبينما كان معظم رأسمالييها وإقطاعييها التاريخيين هم من الطائفة السنيّة, فإن أهل المدينة كانوا ولا يزالون متلونين بين سنّة وعلويين ومسيحيين وسواهم.
ولاشك بأن الحادثة التي ذكرها الكاتب عن الفلاح “أبو سميع” تكررت بصور شتى, في اللاذقية كما في باقي المدن السورية, فأبو سميع كان يعامل بهذه الطريقة لأنه آتٍ من الريف البعيد, الفقير, سواء أكان أبو سميع فلاحا علويا أو فلاحا سنيا أو فلاحا مسيحيا أو..
ومرة أخرى يخلط الكاتب بين أبناء الريف وأبناء الطائفة العلوية كأقلية في عبارات مثل:
” لقد أقبل أبناء الفلاحين في ريف اللاذقية على الانتساب للأحزاب اليسارية, وخاصة الحزب الشيوعي وحزب البعث لأنها من جهة أحزاب تحررية لا تنظر إليهم كأقلية طائفية, ومن جهة أخرى…”
وهنا لابد من التأكيد على أن الأحزاب اليسارية ضمّت مختلف شرائح المجتمع السوري ريفا ومدينة, كما ضمت اليمينية كذلك التنوع ذاته, فكنت تجد في الخمسينيات, يوم كان هنالك حياة حزبية نشيطة وحرة في سورية, في المنزل الواحد تنوع الانتماءات الحزبية لتشكل طيفا يمتد من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار, رغم الانتماء الطائفي والطبقي الواحد.
التعميم الخطير ذاته يطلقه الكاتب في عبارات كثيرة, ربما ليس أقلها خطرا قوله: “الملفت للانتباه في مسيرة أبناء الريف داخل السلطة, هو سلوك أبناء الطبقات الفقيرة الذين انقلبوا على ماضيهم وتنكروا لأصولهم الطبقية وتفننوا في أساليب القمع والوحشية إلى جانب ثرائهم الفاحش, خلاف أبناء الطبقات ذات الحال الميسور نسبيا والتي ظهرت علائم عدة توحي بوخز الضمير لدى الكثيرين منهم, حقا أن المثل الشعبي الذي يقول – عديم ووقع بسلة تين – ينطبق عليهم بكل أسف”!
“التغيير الأساسي الذي جرى في محافظة اللاذقية فترة القرن العشرين هو بانقلاب النفوذ بين أبنائها من المدينة إلى الريف, فأبناء الريف يحظون الآن بحضور اقتصادي وسياسي واجتماعي وعسكري وأمني أكبر من حضور أبناء المدن”!
فإذا كان الواقع يناقض التطابق الذي يقيمه الكاتب بين أبناء الريف وأبناء الطائفة العلوية, فكيف سنتفق معه حين يتحدث عن “الشبيحة” بصفتهم فئة قليلة جدا من المتنفذين أو “المدعومين” من أبناء الطائفة العلوية الذين يعيثون فسادا في ريف اللاذقية كما في طول البلاد وعرضها تهريبا وسرقات, مسيئين بعنترياتهم الحمقاء ليس فقط لأبناء المدينة, بل لأبناء الريف ولأبناء الطائفة العلوية بشكل خاص الذين يعانون وربما أكثر من سواهم من الفقر المدقع في الجبال الساحلية التي أطلقت عليها لعقود طويلة “جبال العلويين”.
وهنا لا أملك إلا أن أتفق مع الكاتب في مقولته “فيما عدا ذلك بدت محافظة اللاذقية على أعتاب القرن الواحد والعشرين حزينة جدا كما في الماضي, كل شيء فيها يتم من أعلى ودون استشارة أهلها, وكل منظماتها ونقاباتها واتحاداتها ونواديها وجمعياتها, تجرى فيها انتخابات صورية معروفة النتائج سلفا, سواء كانت بلدية أم نيابية أم مهنية, والتهاني يتلقاها ابن القائمة السلطوية فور الإعلان عنها, وقبل أن تجرى الانتخابات الصورية, ولم يحصل في تاريخها الحديث أن نجح شخص مستقل في أي انتخابات, مهما كان نوعها غير مرضي عنه من قبل دوائر الأجهزة الأمنية”.
فالمفتاح هو رضا السلطة عن المرشّح أو صاحب النفوذ, بغضّ النظر عن كونه ابن ريف أم ابن مدينة, علويا أم سنيا أم مسيحيا, والحل بالتأكيد أن يكون النفوذ للقانون, وللقانون فقط..