زين الشاميصفحات سورية

من يحق له الكلام؟

null
زين الشامي
ليس غريباً هذه الأيام ألا نجد في كل وسائل الإعلام والصحافة المحلية في سورية وحتى في الصحافة العربية، اسماً مميزاً لصحافي وكاتب سوري، ولا نجد حتى خبراً صغيراً حقيقياً لم يطاله مقص الرقيب، ولا نجد تحقيقاً ولا مقالة ولا أي شيء له علاقة بعالم الإعلام الحقيقي كالذي نراه ونتابعه في بعض وسائل الإعلام العربية والأجنبية. فمع كل أسف وبعكس حركة التطور، وعلى عكس قوانين الطبيعة، فإن قضايا الإعلام والنشر في سورية تسير من سيئ إلى أسوأ.
مناسبة هذه العجالة التشاؤمية ما حصل اخيراً حيث منع وزير الإعلام السوري بث لقاء تلفزيوني على الفضائية السورية مع رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشعب، النائب سليمان حداد.
بالطبع فإن قرار المنع في حد ذاته ليس أمراً جديداً في بلد مثل سورية، وقد اعتدنا أن نسمع عن منع توزيع صحيفة عربية أو تمزيق صفحة من صفحاتها، وحتى منع صحيفة سورية «خاصة» لمجرد نشرها تحقيقاً لم يرض الرقيب في وزارة الإعلام، أيضاً اعتدنا أن نسمع عن وقف صحافي عن الكتابة، أو ربما سجنه، أو الطلب إليه التوقيع على تعهد بعدم العمل مع المؤسسة التي يعمل بها، لكن أن تصل الأمور أن تقوم وزارة الإعلام السورية بمنع عرض مقابلة على التلفزيون السوري مع رئيس لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان السوري، معاون وزير الخارجية وسفير الجمهورية العربية السورية في دول أوروبية عدة، والملحق العسكري واللواء في الجيش، والقيادي في «حزب البعث العربي الاشتراكي» الحاكم، والشخص الذي أذاع بيان ثورة الثامن آذار رقم 1 في العام 1963، وأحد أبرز ضباط «الحركة التصحيحية» عام 1970 في سورية، عضو مجلس الشعب المتمتع بحصانته النيابية النائب سليمان حداد على شاشة الفضائية السورية في برنامج يستضيف عادة شخصيات مقربة من رئاسة الجمهورية… فإن ذلك حقاً علامة فارقة ومؤشر إلى المستوى المتدهور الذي وصلت إليه الحريات الصحافية في سورية، لا بل يحق لنا التساؤل عمن يحق لهم اليوم حق القول والكلام في سورية، إذا كانت شخصية مثل النائب سليمان حداد لا يحق لها الكلام والتعبير عن رأيها؟
أيضاً في الآونة الأخيرة شهدت الحريات الإعلامية تهديداً جديداً وخطيراً، وكان مؤسفاً أن الإعلام العربي والدولي لم ينتبه له كثيراً، حيث كان الجميع يكترث ويهتم بحركة الديبلوماسيين الغربيين إلى دمشق أكثر من اهتمامهم بقضايا الحريات، فلقد قامت السلطات الأمنية السورية باستدعاء معظم الموظفين في مكاتب قناة «المشرق» الفضائية وطلبت منهم توقيع تعهدات تقضي بحظر تعاملهم مع القناة، وتم توقيعهم على إقرار بعدم العمل مستقبلاً مع هذه القناة! قبل هذه الخطوة، تعرضت القناة لحملة إعلامية من قبل بعض المواقع الإخبارية الالكترونية المقربة من السلطات الأمنية، وروجت أخبارا عن مصاعب مالية وإدارية تواجه المحطة.
المركز السوري للإعلام وحرية التعبير قال في بيان استنكر فيه هذه الخطوة أن المحطة التي تبث من دبي في الإمارات العربية المتحدة شكلت منذ انطلاقتها علامة فارقة في الإعلام السوري، ويسجل لها أنها منذ انطلاقتها فتحت أبوابها لكادر مميز من الشباب السوري المختص الذي وجد فيها فرصة حقيقية لممارسة مهنة الصحافة بطريقة إبداعية بعيدة عن السائد في الإعلام السوري، مما مكنها من استقطاب شريحة واسعة جداً من المشاهدين في سورية في زمن قياسي قصير… لكن رغم ذلك كان للسلطات السورية رأي آخر.
وما حصل مع هذه القناة ليس بجديد، فقد أغلقت السلطات السورية العشرات من المواقع الالكترونية وصل عددها بحسب منظمة «مراسلون بلا حدود» إلى أكثر من 110 مواقع سورية وعربية وعالمية. ويأتي على رأس هذه المواقع المحجوبة موقع «يوتيوب» وهو البوابة العالمية في مجال مشاركة مقاطع الفيديو على اختلاف موضوعاتها، وكذلك بوابة المدونات «بلوج سبوت»، إضافة إلى موقع «الهوتميل» الذي يعد من أشهر مواقع البريد الإلكتروني في العالم، وموقع «أمازون» الذي يعد أكبر موقع تجاري عالمي على شبكة الانترنت، كما تم إغلاق موقع «Facebook» للتواصل الاجتماعي.
وعلى حد تعبير تقرير سابق لمنظمة «مراسلون بلاد حدود» فقد أصبحت سورية «حفرة مظلمة» للإنترنت حيث أصبح منع الأصوات والمواقع المعارضة على شبكة الإنترنت أمراً اعتيادياً، ويتم مطاردة أي صحافي يحاول نشر أو إرسال مقالات تنتقد الحكومة، حيث تقوم السلطات باستعمال «نظام فلترة ومنع» يسمى «ذاكرة المنع الوسيطة» ويمكن من خلال هذه التقنية التحكم في حجب ومنع المواقع على الإنترنت من خلال برنامج يقوم بتدمير الملفات والتسجيلات الفيديوية.
في سورية، لا يحق للنائب «البعثي» المقرب من السلطات أن يتكلم، ولا يحق للصحافي أن يكتب، ولا يحق له أن يعمل في محطة حتى لو كانت فضائية سورية، ولا يحق له أن يقرأ ويتابع ما يجري في العالم عبر الشبكة العنكبوتية، ولا يحق له أن يدخل مواقع التواصل الاجتماعي عبر الانترنت، ولا يحق له حتى أن يشتكي أو يحتج.
في سورية ليس من حقك الكلام، ولا حتى الشكوى، فأهلاً بك في بلد العروبة وقلعة الممناعة والصمود لكن شرط ألا تفتح فمك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى