يُجتاح لبنان.. إذا سيطر عليه كلياً “حزب الله”
سركيس نعوم
عن معنى استمرار الدعم الاميركي لفريق 14 آذار اللبناني وطريقة ترجمته الذي اكدته مصادر ديبلوماسية غربية مطلعة بعضها اميركي في مقال امس، لفتت هذه المصادر الى انه لا يشمل استعمال الوسائل العسكرية ولا القوة لحمايته من اخطار محتملة قد يتعرض لها كله او بعضه. وأكدت انه سياسي في الدرجة الاولى.
لكنها لفتت ايضاً الى امر آخر هو ان الدعم السياسي هذا لا يعني على الاطلاق استعداد اميركا، اي الادارة الحاكمة فيها، الى الذهاب بعيداً جداً لتمكين زعيم الفريق المذكور، اي النائب سعد الحريري، من تأليف حكومته الاولى والحكومة الاولى في ظل مجلس النواب الجديد. وهي مهمة كلفه إياها رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان بعد استشارات نيابية ملزمة قبل ما يقارب شهرين، وتنفيذها بنجاح يعود اليه والى كل اعضاء 14 آذار سواء أكانوا احزاباً ام تيارات ام شخصيات سياسية “مستقلة”. وسيكون عليه في نهاية المطاف التوصل الى حل للموضوع الحكومي المفتوح الذي تحول او يكاد يتحول ازمة “وطنية” مفتوحة، وإن يكن هذا الحل الاعتذار من رئيس الجمهورية عن عدم مواصلة مساعيه لتأليف الحكومة واقتراحه شخصاً آخر من التحالف العريض الذي يتزعم لتنفيذ المهمة. اما عن معنى استمرار الدعم الاميركي للمؤسسة العسكرية اللبنانية وطريقة ترجمته عملياً، فإن المصادر الديبلوماسية الغربية المطلعة نفسها وبعضها اميركي تبرره بكونها، وهي على حالها الراهنة المعروفة التي قد لا تختلف كثيراً عن حال البلاد لأنها انعكاس لشعبها او بالأحرى لشعوبها، البديل الوحيد المتاح من “حزب الله” المسلح حتى الاسنان او ربما من الجناح العسكري فيه، علماً ان الادارة الاميركية لا تؤمن بوجود جناحين منفصلين داخله واحد سياسي وآخر عسكري.
وهذا يعني في رأيها ان لبنان كله سيكون تحت سيطرة “حزب الله” ومقاتليه وسلاحه وايديولوجيته وارتباطاته لولا وجود المؤسسة المذكورة اي الجيش اللبناني وإن بالحال المشروحة اعلاه.
الى ذلك تبرر المصادر نفسها دعم اميركا لهذه المؤسسة بحاجة الدولة اللبنانية اليها في نهاية المطاف وتحديداً اذا تم التوصل الى حل لأزمة الشرق الاوسط (قضية فلسطين) بتشعباتها السورية واللبنانية واو الى حل لسلاح “حزب الله” او لما يسميه بعض الغرب جناحه العسكري. ذلك ان اياً من الحلين المذكورين لا بد ان يوصل الجميع في الداخل والخارج الى اقتناع بضرورة تسريح “عسكر” الحزب او مقاتليه. ولن يكون ممكناً تنفيذ ذلك اذا لم تكن المؤسسة العسكرية موجودة وعاملة وفاعلة، وإن في الحد الادنى، رغم الاختراقات “الطبيعية” التي لا بد ان تكون تعرضت لها من زمان.
هل هناك اي احتمال ليتحول لبنان مصلحة استراتيجية بكل ما لهذه الكلمة من معنى للولايات المتحدة؟
الاحتمال موجود، تجيب المصادر الديبلوماسية الغربية المطلعة اياها وبعضها اميركي. وهو وحيد. وجوهره اقدام “حزب الله” على السيطرة او الهيمنة على لبنان او على اخضاعه بالوسائل السياسية والعسكرية. فهذا الحزب تعتبره اميركا من زمان منظمة ارهابية خاضعة لسيطرة الجمهورية الاسلامية الايرانية التي تعتبرها اميركا بدورها دولة ترعى الارهاب او تدعمه. واذا نفذ الحزب المذكور سيطرته على لبنان، فان ذلك يعني ان ايران صار لها حضور مهم جداً ومؤثر جداً ومباشر على السواحل الشرقية للبحر الابيض المتوسط. وهذا وضع لا تستطيع اميركا، ايا يكن حاكمها، قبوله ولا تستطيع اوروبا بكل دولها وخصوصاً الغربية منها وكذلك اسرائيل.
ومن شأن تطور خطير كهذا ان يدفع المؤسسة العسكرية الاسرائيلية، وبقرار سياسي من حكومتها، الى اجتياح لبنان على نطاق واسع. ويمكن ان ترافق ذلك غارة (اسرائيلية) على المنشآت النووية في ايران وبناها العسكرية التحتية. كما يمكن ان يقتصر العمل العسكري على لبنان. وفي الحالين ستحظى اسرائيل بدعم من اميركا.
في اختصار، تنهي المصادر الديبلوماسية الغربية نفسها، ان عدم كون لبنان استراتيجيا بالنسبة الى الولايات المتحدة في كل ما لكلمة استراتيجية من معنى، لا يحول دون تحوله كذلك. وهذا امر يتوقف في الدرجة على الايرانيين، او على ما يمكن ان يقوموا به.
هل السيطرة العسكرية والسياسية لـ”حزب الله” على لبنان احتمال خيالي اميركي ام وهم موجود في رأس المسؤولين في الادارة الاميركية فقط؟
العارفون بلبنان من اللبنانيين وباوضاعه وشعوبه وارتباطاتها وبدور الخارج فيها من عربي واسلامي ودولي، يميلون الى الاعتقاد ان الاحتمال المذكور موجود في رؤوس اعضاء قيادة “حزب الله” وربما رعاته الخارجيين وفي مقدمهم ايران، والى انه قد يكون وضع على الورق تحسباً وتحوطاً تماماً مثلما تعمل الدول المتقدمة او غير المتقدمة وان القوية عسكرياً. اما تنفيذه فيتوقف على تيقّنهم من وجود محاولة تستهدف الحزب كله وجمهوره من جهات عدة قد تكون متناقضة في ما بينها سياسياً ومصلحياً او تَثَبُّتهم من انه سيكون المقابل لصفقة اقليمية – دولية يسعى كثيرون الى عقدها. لكن العارفين انفسهم يلفتون الى ان ذلك في حال حصوله من دون غطاء اقليمي حليف او حتى مساعدة قد لا ينجح او قد لا يكون نجاحه كاملاً الامر الذي يشرذم البلاد رسمياً او قد يطلق شرارة الحرب الأهلية من جديد.
النهار