اسرائيلصبحي حديديصفحات العالم

نفط الميعاد

صبحي حديدي
‘الصهاينة المسيحيون’ جماعة دينية أصولية تعدّ 100 مليون مسيحي في أمريكا وحدها، كما زعم جيري فالويل أحد كبار قادة ومنظّري الجماعة، وتنبثق فلسفتها من تفسيرات خاصة لسلسلة النصوص التوراتية التي تتناول العلاقة بين فكرة إسرائيل وأرض الميعاد والمجيء الثاني، حيث يتوجّب قيام ‘أمّة يهودية’ كشرط لا غنى عنه لكي يعود المسيح المخلّص. جذور الجماعة تعود إلى كتابات القسّ الإرلندي جون نلسون داربي (1800ـ1882)، الذي انشقّ عن المبدأ المسيحي القائل بأنّ الكنيسة هي بديل إسرائيل، وأعلن أنّ الكنيسة ليست سوى محطة عابرة (‘صيغة بين قوسين’، في تعبيره) للعلاقة التي لا تندثر بين الربّ وإسرائيل.
وبصرف النظر عن سلسلة التنويعات ضمن تيارات الصهيونية المسيحية، فإنّ العماد الأكبر فيها يظل واحداً متماثلاً، جرى التعبير عنه في البيان الختامي لمؤتمر الجماعة الدولي الثالث، الذي انعقد في القدس سنة 1996: ‘الربّ الآب، القدير، اختار أمّة إسرائيل وشعبها، نسل إبراهيم إسحق ويعقوب، ليبيّن مخططه في خلاص العالم. إنهم شعب الله المختار، وبدون أمّة اليهود لن تكتمل أهداف الربّ الخلاصية. ويسوع الناصري هو المسيح، الذي وعد بالعودة إلى أورشليم، إلى إسرائيل، وإلى العالم. وممّا هو جدير بالشجب أنّ أجيالاً من الشعوب اليهودية قُتلت أو اضطُهدت باسم الربّ، ونحن نتحدى الكنيسة أن تتوب عن كلّ ما ارتكبته من إثم في هذا. وإنّ ائتلاف الشعب اليهودي في إسرائيل الكبرى Eretz Israel، والولادة الثانية لأمّة إسرائيل، يحققان النبوءات التوراتية، كما جاءت في العهدَين القديم والجديد. وإنّ الأناجيل تحضّ المؤمنين المسيحيين على الإقرار بالجذور العبرية لديانتهم، والمساعدة بكلّ فاعلية في مخطط الربّ الهادف إلى إقامة ائتلاف الشعب اليهودي وإحياء أمّة إسرائيل في عصرنا الحاضر’.
إلى هذه الجماعة ينتمي المواطن الأمريكي جون براون، من ولاية تكساس، 69 سنة، صاحب ‘شركة نفط وغاز صهيون’ التي أسّسها منذ سنوات للتنقيب في إسرائيل، منطلقاً من الفرضية التالية: هل يعقل أنّ الربّ اعتبرهم شعب الله المختار، ثمّ وهبهم أرض الميعاد، ولكنه بخل عليهم بالنفط، وأغدقه على أعدائهم العرب؟ كذلك يؤمن براون أنّ نصوص التوراة، قبل أجهزة السبر ومثاقب الحفر، هي التي تدلّ بني إسرائيل على مكامن الذهب الأسود، وهو بالتالي يستنكر سخرية غولدا مائير، التي قالت إنّ موسى قاد اليهود 40 سنة في الصحراء، ثمّ انتهى بهم إلى ‘البقعة الوحيدة التي لا تحتوي على النفط في كامل الشرق الأوسط’.
إنه، أوّلاً، يحمل نسخة ضخمة من التوراة، معلَّمة على الإصحاح 13 من سفر التكوين، حيث جاء في العددين 14 و15: ‘وقال الربّ لأبرام بعد اعتزال لوط عنه. ارفعْ عينيك وانظر من الموضع الذي أنت فيه شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً. لأنّ جميع الأرض التي أنت ترى لك أعطيها ولنسلك إلى الأبد’؛ هذه هي أرض الميعاد، وبراون يمتلك اليوم رخصة رسمية بالتنقيب في 130,800 هكتار منها. وهو، ثانياً، يشير إلى الإصحاح 49 من السفر ذاته، حين يجمع يعقوب بنيه ويوزّع عليهم أرض أسباط إسرائيل الإثني عشر، وهي الخريطة التي يرى براون أنها اقرب إلى مخطط طوبوغرافي وجيولوجي لمكامن النفط في إسرائيل. وهو، ثالثاً، يقتبس الإصحاح 45 من سفر إشعياء، حيث يقول العددان 2 و3: ‘أنا أسير قدّامك والهضاب أمهّد. أكسر مصراعَي النحاس ومغاليق الحديد أقصف. وأعطيك ذخائر الظلمة وكنوز المخابىء لكي تعرف أنّي الربّ الذي يدعوك باسمك إله إسرائيل’. وأخيراً، في سفر التثنية، 33:24، ثمة هذه الإشارة البيّنة، من وجهة نظر صاحبنا: ‘ولأشير قال. مبارك من البنين أشير. ليكن مقبولاً من إخوته ويغمس في الزيت رجله’!
أيكون المقصود هو زيت الزيتون، وليس النفط؟ لماذا يتوجب أن يكون النفط هو ‘ذخائر الظلمة’ و’كنوز المخابىْ’؟ براون يصمّ أذنيه عن حجج مضادة مثل هذه، ويستشهد بكتيب من صنع بني البشر هذه المرّة، أصدره سنة 1981 القسّ الأمريكي الشهير جيمس سبيلمان تحت عنوان ‘التنقيب عن الكنز الكبير’، زعم فيه أنه تمكن من تحديد الموقع الدقيق لآبار النفط الإسرائيلية؛ ثم أتبعه بكتاب آخر، عنوانه ‘اختراق شيفرة الكنز: التنقيب عن النفط الإسرائيلي’، يوفّر المزيد من المعلومات المستقاة من نصوص التوراة.
وقبل براون والقسّ سبيلمان، نقّب أمريكيون آخرون عن نفط الميعاد ذاك، كان بينهم غلمان هيل (الذي استثمر 6 ملايين دولار لحفر بئر قرب جبل الكرمل، اتضح أنها جافة تماماً)؛ وأندي سوريل (الذي بلغ النتيجة ذاتها في الثمانينات، بعد أن صرف الملايين في التنقيب على طول الشريط الساحلي)؛ والكندي لايل هارون (الذي قضى عقداً كاملاً ينقّب في نتانيا، شمال تل أبيب)؛ حتى أرماند هامر، رجل الأعمال الأمريكي الشهير وعملاق ‘أوكسدنتال بتروليوم’، لم يفلت من الإغواء ذاته…
وفي واقع الحال لا يضير الإستثمارات أن تتكىء بين حين وآخر على مزيج النبوءة والربح Prophecy & Profits، كما عبّرت صحيفة ‘وول ستريت جورنال’ في وصف حمّى التنقيب عن النفط الإسرائيلي. وليس صحيحاً، بذلك، أنّه لا استثناء في القاعدة العتيقة التي تقول إنّ المال لا دين له ولا رائحة!
خاص – صفحات سورية –

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى