انتكاسة الديموقراطية في الشرق الأوسط مع أوباما
زين الشامي
صار واضحاً أن أوضاع الديموقراطية في البلدان العربية ستسير من سيئ إلى أسوأ مع الإدارة الأميركية «الديموقراطية» برئاسة باراك أوباما، مؤشرات عدة برزت في الآونة الأخيرة تؤكد ذلك، وهذا ربما يجعل البعض يترحم على الإدارة «الجمهورية» السابقة برئاسة جورج بوش، رغم كل أخطائها وغطرستها.
اول هذه المؤشرات برز بشكل واضح خلال خطاب الرئيس أوباما الموجه للعالم الإسلامي من على منبر جامعة القاهرة حين أكد وبشكل لا يدع مجالاً للشك بأنه: «لا يمكن لأي دولة، ولا ينبغي على أي دولة، أن تفرض نظاماً للحكم على أي دولة أخرى». وقد وضع أوباما بذلك حداً للتكهنات التي أثيرت بشأن موقف إدارته من قضية الديموقراطية ونشرها في المنطقة، وهي القضية التي كانت أحد أهم الأسباب في توتر العلاقات بين واشنطن وكثير من عواصم المنطقة في عهد إدارة الرئيس بوش بما فيها تلك الحليفة والصديقة للولايات المتحدة، مثل مصر، حيث وجهت الإدارة «الجمهورية» لها ولغيرها من عواصم المنطقة، انتقادات مستمرة على خلفية أوضاع حقوق الإنسان وقضايا الإصلاح.
وبعد خطاب أوباما بفترة قصيرة أكدت وزيرة خارجيته هيلاري كلينتون، خلال اجتماع لها مع مجموعة من نشطاء حقوق الإنسان في مصر على أن الولايات المتحدة لن تسعى إلى «فرض الديموقراطية»، وبأن مثل هذا التوجه أثبت فشله.
ثاني هذه المؤشرات هو تقليص الإدارة الأميركية الجديدة أخيراً من حجم تمويل برامج دعم الديموقراطية ومنظمات المجتمع المدني في مصر، ووقفها نهائياً عن سورية، ورغم أن ما تم تقليصه عن المنظمات المصرية من أموال، وما تم إيقافه عن المنظمات السورية، هي مبالغ زهيدة جداً، فإن ما حصل يؤكد التوجهات الحقيقية لإدارة أوباما في ما يخص موضوع الديموقراطية والإصلاح في بعض الدول العربية.
لكن المثير للتساؤل وربما السخرية أحياناً، هو الخطاب الرسمي الذي نسمعه بين الحين والآخر الذي يخرج من بعض الدول العربية، ذلك الخطاب الذي غالباً ما «يهدد» الولايات المتحدة بالفوضى التي ستعم كل دول المنطقة في حال استمرت واشنطن في مساعي دعم منظمات المجتمع المدني، وأعطت مسألة الديموقراطية الأولوية التي «لا تستحق». فخلال زيارة الرئيس المصري حسني مبارك الأخيرة لواشنطن كان ملفتاً أن يقول الناطق باسمه سليمان عواد انه: «في حال وقعت مصر فإن دولاً كثيرة اخرى سوف تتزعزع، وأن التغيير بشكل سريع جداً سيكون في صالح الراديكاليين»، في تلويح منه إلى الفوضى التي تعم في حال الاستمرار في مثل هذه المطالب، أو في حال قيام السلطات المصرية بخطوات على طريق الإصلاح السياسي.
أيضاً لم يختلف عنه مدير مؤسسة «الأهرام» للدراسات عبد المنعم سعيد، الذي كتب في صحيفة «الواشنطن بوست» الأميركية مقالاً في اليوم نفسه الذي التقى فيه مبارك مع نظيره الأميركي، يشير فيه إلى الفوضى التي تعم كلاً من باكستان، وأفغانستان، والعراق، والسودان، والصومال، وعدم الاستقرار الذي يهدد لبنان بين الفينة والأخرى، إضافة إلى الأوضاع في غزة، طبعاً الكاتب المصري الذي كان يرافق مبارك في زيارته، كان يذّكر المنتقدين الأميركيين لأوضاع حقوق الإنسان في مصر بأهمية الاستقرار في دولة بحجم مصر. وهذا للأسف منطق غريب يمكن دحضه بسهولة، لأن العديد من التجارب الديموقراطية التي نجحت مجتمعات ودول كثيرة في أفريقيا وشرق آسيا، أكدت خطأ مقولة أن الديموقراطية عادة ما تجلب معها الفوضى وعدم الاستقرار.
للأسف فإن هذا المنطق وهذه الحجة هي ما تم الترويج له في دولة مثل سورية منذ نحو أربعة أو خمسة أعوام مضت، حين تحدث المحافظون الجدد في إدارة الرئيس بوش عن «تغيير النظام» البعثي، ووقتذاك، شهدت المحافظات السورية أكثر من عشرين «عملية إرهابية» فجائية، اثيرت حولها الكثير من الأسئلة المشككة، طبعاً كان الغرض من تلك العمليات والتي يعتقد على نطاق واسع أنها من صنع داخلي، أن الغاية منها إيصال الرسالة ذاتها: «تغيير النظام حتى لو كان استبدادياً، فلن يحمل معه إلا الفوضى وسيجلب الإسلاميين والمتطرفين إلى السلطة».
لكن وبكل صراحة، ليست الأنظمة وحدها من روج لمثل هذه الاستنتاجات، بل حتى بعض دعاة الديموقراطية أنفسهم، وقد لعبت الأوضاع الأمنية المتدهورة في العراق دوراً كبيراً في يأس الكثير من النخب العربية من الديموقراطية المصنوعة على الطريقة الأميركية، أو تلك التي يدعو إليها المحافظون الجدد في إدارة الرئيس بوش.
مع حالة «اليتم» التي باتت تعيشها قضية الديموقراطية و«الديموقراطيين» في بعض الدول العربية اليوم فإن أغلب الظن أن الإدارة الأميركية الجديدة تفضل إثارة قضية الاصلاح والديموقراطية خلف الكواليس والمكاتب المغلقة والقنوات الخاصة وليس في العلن، فضلاً عن أن الإدارة الجديدة تفضل أن تعطي الأولوية للإصلاح الاقتصادي الداخلي في الولايات المتحدة، والحضور الدولي المكثف لكن ليس على طريقة الجمهوريين السابقة بل من خلال الاحتفاظ بعلاقات ديبلوماسية قوية مع دول المنطقة.
ربما يكون باراك أوباما شخصية ساحرة، ومن المؤكد أنه دخل التاريخ كونه الرئيس الأميركي الأول من أصول افريقية الذي يتمكن من دخول البيت الأبيض، لكن التاريخ لن يغفر له كون الكثير من المعجبين العرب به قد خاب أملهم معه وتبددت أحلامهم جراء السياسة التي قررها في التعامل مع ملف حقوق الإنسان وقضية الديموقراطية.
الراي