هذا ما جنته أمريكا علينا
حنان بكّير
امارة اسلامية قاعدية طالبانية في غزة. مبروك علينا. خطوة تحتاج منا الى زغرودة مصرية من قحف الرأس. امارة لا اسلامية خرجت من مجاهل التاريخ، جعلتنا نطلب البرء والخلاص منها، على يد حركة حماس!!
لم نستوعب الدرس التاريخي، من أن استغلال الدين في الشأن السياسي لا يخدم قضايانا، بل غالبا ما تكون نتائجه عكسية. لا جدال أن الشعب الفلسطيني من دون سائر الشعوب العربية، لم يعرف الطائفية وأمراضها، رغم تعدد دياناته وطوائفه. وأن نشوء حركة سياسية اسلامية بأيديولجية دينية “حركة حماس وأخواتها” انما جاء ردا وفي مواجهة أيديولوجية دينية يهودية، وهذا ليس تبريرا أو دليل صحة هذا التوجه.
ففي ظل قيادة المفتي الحاج أمين الحسيني للنضال الفلسطيني، لم يكن اسلاميا أصوليا، بقدر ما كان فلسطينيا. وقد استغل مركزه الديني لخدمة قضيته الوطنية وليس العكس، ولم تكن قضيته اعلان امارة اسلامية أو تنفيذ الشرائع الاسلامية، وقد جاب المعمورة شرقا وغربا لحشد التضامن لقضيته الوطنية وليس للتبشير ونشر الاسلام.
ويبدو ان العقلية التي أضاعت علينا فلسطين في السابق، صارت تجدد نفسها من خلال ارتدائها كساءَ ايديولوجيا جديدا. وفي هذا السياق أذكر أنني سجّلت شهادة المرحوم واصف كمال في الذكرى الخمسينية للنكبة، ونشرتها في جريدة الخليج آنئذ: فقد حدثني المرحوم واصف كمال، وقد كان أحد أعضاء الوفد الفلسطيني في الأمم المتحدة عام 1947، ما يثبت خطل هذه الرؤية الدينية الضيقة الأفق. فقد قال واصف كمال ما مفاده، بأنه كان يفترض بالوفد الفلسطيني والوفود العربية، الحصول على أكثرية ثلثي الأصوات في تصويت الأمم المتحدة لمنع تمرير قرار تقسيم فلسطين، وللحيلولة دون حصول القرار على تأييد ثلثي الأعضاء، وكان عليهم أن يراهنوا على السعي للحصول على تأييد الكتلة الشرقية التي تتزعمها روسيا “الاتحاد السوفياتي” سابقا. وكانت مجموعة الشباب في الوفود العربية مؤيدة لهذا الاتجاه.. لكن نوري السعيد عارض هذا التوجه وقال لواصف كمال” يا أخي احنا لا نريد ان نصير شيوعيين من اجل فلسطين” لذلك أنا أعارض. والسبب بالطبع ديني . جريدة ” الخليج” 20.08.1998.
وفي زمن ضعف الامبراطورية العثمانية، كان من أسلحة السلطان عبد الحميد في مواجهة أطماع الغرب في أملاك وتركة الرجل المريض قوله: أصيح بالعرب “وآاسلاماه”، ولكن ذلك لم يحمه وامبراطوريته من الانهيار. انه استعمال عنصر الدين لتحريك المشاعر، وهي دليل على أننا ما زلنا نتخبط في جاهلية، تأخذنا النخوة والعصبية القبلية وفورة الحماس، دون حكمة وروية وننجر الى الأفخاخ المنصوبة لنا.
وهذا ما حدث!
فعندما استعملت أميركا بن لادن ومجاهديه لمحاربة الشيوعية الملحدة نيابة عنها، وعندما كان لها ما أرادت، تخلت أمريكا عن المجاهدين بعد انتهاء مهمتهم، فانقلب السحر على الساحر، ودفعنا، نحن جميعا، مؤيدين لبن لادن او معارضين، ثمنا باهظا، فبلادنا أحتلت وسمعتنا أنتكست الى الحضيض. وكان الثمن ليس فقط دماء وسقوط أنظمة، بل ان الثمن الأغلى، كان ردة الى عصور الجاهلية الأولى، مع انعدام للقيم الجيدة التي سادت تلك العصور.
من حقنا أن ندّعي بأن الخطر الأشد والعدو الأكبر لقضيتنا هو أسلمتها. فنحن بشر، لا رسل ولا أنبياء، فهؤلاء ولّى زمنهم، وانتهى زمن المعجزات، وليست قضيتنا نشر أي دين أو اعلاء كلمته، فهذه أرضنا، وكانت كذلك قبل ظهور الديانات كلها، وقبل ابراهيم الخليل الذي تنتسب اليه ديانات المنطقة الثلاث.
كل الأمل أن تستوعب الحركات الفلسطينية الاسلامية الدروس والعبر من التاريخ، وأن تكون فلسطينية أولا وأخيرا، حتى تكون لكل الفلسطينيين بكل انتماآتهم، والأهم من هذا أن تستوعب المتغيرات الحاصلة في عالم اليوم، وأن زمن الخيل والليل والبيداء قد انتهى،وأن يتركوا شؤون السماء لخالقها، فهو غير محتاج لمساعدتهم لانه اذا ما أراد أمرا، قال له كن فيكون.
حنان بكير روائية وكاتبة فلسطينية من لبنان، تقيم حاليا في أوسلو.