لماذا قررت “حماس” تصفية “جند أنصار الله”؟
فتحي درويش – غزة
الاشتباكات الدامية التي وقعت يوم الجمعة الماضي، بين الشرطة التابعة لحكومة إسماعيل هنيه وتنظيم “جند أنصار الله” في مدينة رفح جنوب قطاع غزة، وأدت إلى سقوط 28 قتيلا وإصابة 150 آخرين بجراح، تعتبر الأعنف منذ سيطرة حركة “حماس “على زمام الأمور في غزه منتصف 2007، اثر انقلابها على الشرعية الفلسطينية.
وهي ربما تكون بداية مواجهات دامية أخرى مع التنظيمات الإسلامية المتطرفة، خاصة بعد التهديدات التي أطلقتها منظمة “سيوف الحق” التي كانت تتبنى غالبية إعمال التفجير في غزة ضد مقاهي الانترنت ومحلات تصفيف الشعر وأماكن أخرى، والتي هددت فيها بقتل قادة “حماس” والانتقام منهم و”ترميل نسائهم”، ثأرا لقادة المنظمة الذين قتلوا في مواجهات رفح.
هذه التنظيمات نمت وترعرعت تحت عباءة “حماس”، وفي ظل سيطرتها الكاملة على غزة، بعدما غضّت “حماس” الطرف عن نشاطاتها، بهدف استغلالها سياسيا في مراحل معينة، خاصة بعد فرض الحصار الدولي الظالم على غزة، لتقول للعالم : إذا كنتم لا تريدون “حماس” فهذا هو البديل المتوافر منها.
لكن هذه التنظيمات بدأت تشكل مصدر إزعاج لها، بعد اختلاف أجندتها السياسية، وقيام التنظيم المذكور بتنفيذ عملية “الحياد المفخخة” قبل حوالى شهرين شرق مدينة غزة، وعمليات أخرى في ظل الهدنة بين “حماس” وإسرائيل. وبعد قيام وكالات الأنباء بنشر صور معسكرات التدريب التابعة لهذه الجماعات المتطرفة.
وكانت المواجهة الأولى بين “حماس” وهذه التنظيمات، وقعت العام الماضي مع “جيش الإسلام” الذي يتزعمه ممتاز دعمش، شريك “حماس” في خطف الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليت الأسير لدى المقاومة الفلسطينية، اثر قيام التنظيم المذكور بخطف الصحافي البريطاني ألن جونسون، مراسل هيئة الإذاعة البريطانية في غزة.
أما مواجهات رفح الأخيرة، فقد سبقها توتر بين الحكومة المقالة وتنظيم “جند الله”، اثر قيام وزارة الأوقاف التابعة لـ”حماس” بمحاولة وضع اليد على مسجد ابن تيمية التابع لهذه الجماعة، وهذا ما أشار إليه زعيم الجماعة الذي قتل ومساعده أبو عبد الله المهاجر في الاشتباكات مع شرطة “حماس”، في خطبته قبل الأخيرة التي دعا فيها أنصاره للدفاع المستميت عن المسجد.
وجاء إعلان الإمارة الإسلامية في رفح، إبان خطبة الجمعة التي ألقاها زعيم الجماعة في المسجد المذكور، ليشكل الشعرة التي قصمت ظهر العلاقة بين “حماس” و”جندالله ” والتنظيمات السلفية الأخرى، لتنهي بذلك شهر العسل الذي دام بينها أكثر من عامين. ومما عجّل في اتخاذ قرار تصفية هذه الجماعة جملة من القضايا أهمها :
– 1 إن وجود هذه الجماعات في غزه، بدأ يشكل مصدر إحراج سياسي لحركة “حماس”، وجاء إعلان الإمارة الإسلامية في رفح ليزيد من هذا الحرج، في الوقت الذي بدأت فيه “حماس” تتوجه الى المجتمع الدولي بمطلب فك الحصار عن غزة، وتقدم نفسها كحركة إسلامية معتدلة، ومستعدة لفتح حوار مع الإدارة الأميركية والغرب. ولم يحفِ بعض قادتها استعدادهم للتفاوض مع إسرائيل بعد تبنيهم هدف إقامة الدولة الفلسطينية في الأراضي المحتلة عام 1967.
2 – مزايدة هذه التنظيمات على “حماس” بشان تطبيق قوانين الشريعة الإسلامية في غزة، وانتقادها المتواصل لها بشان التباطؤ في تطبيق هذه القوانين.
3 – والاهم من ذلك كله، أن هذه التنظيمات بدأت “تأكل” من قاعدة “حماس” الحزبية، وتستقطب المعارضين لها الذين آثروا مغادرة صفوف الحركة، بعد مشاركتها في الانتخابات التشريعية الفلسطينية، والتغيرات التي طرأت على مواقفها تجاه المقاومة وقبولها الهدنة مع إسرائيل.
إن الوضع القائم في غزة، من حصار دولي خانق مفروض على القطاع منذ أكثر من ثلاث سنوات، وارتفاع نسبة الفقر ومعدلات البطالة، حيث يعتمد غالبية السكان على المساعدات التي تقدمها وكالة الغوث والمنظمات الدولية والإنسانية، كلها مجتمعة تجعل من غزه تربة خصبة لنمو الحركات الإسلامية المتطرفة، وانتشارها بين السكان المحليين.
لذلك فان مطلب فك الحصار عن غزة وإعادة اعمارها، والتنمية المجتمعية للسكان، يجب أن تكون على رأس أولويات المجتمع الدولي، إذا كان جادا فعلا في مواجهة قوى التطرف التي بدأت تتغلغل في المجتمع الفلسطيني والمجتمعات العربية عموما.
وقبل ذلك، استعادة الوحدة الوطنية وتحقيق المصالحة الفلسطينية، وعودة غزة إلى حضن الشرعية الفلسطينية، التي تشكل الضمانة الوحيدة لاستقرار الوضع.