صفحات سورية

ماذا يعني التقارب الأميركي- السوري؟!

null
أحمد عبد الملك
حلّ “فريدك هوف” مساعد المبعوث الأميركي الخاص للسلام في الشرق الأوسط، في دمشق يوم 11/8/2009 ضمن وفد أميركي سياسي/ أمني، لإجراء مباحثات مهمة مع القيادة السورية حول السلام في الشرق الأوسط؛ وبالأخص المسائل الأمنية المتعلقة بالحدود السورية- العراقية.
وتزامنت زيارة “هوف” مع زيارة أداها لدمشق وفد عسكري أميركي من القيادة المركزية الوسطى المسؤولة عن العمليات العسكرية في العراق. وتعتبر هذه الزيارة أيضاً تالية لزيارة وفد عسكري مماثل زار دمشق، هو الآخر، في يونيو الماضي تزامناً مع زيارة مساعد المبعوث الأميركي الخاص بالسلام في الشرق الأوسط “جورج ميتشل”.
وتأتي هذه النشاطات السياسية العسكرية بعد أن “ترطبت” الأجواء بين الولايات المتحدة وسوريا، إثر اتصالات بين وزير الخارجية السورية وليد المعلم ووزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، اتفقَ خلالها أن يقوم “ميتشل” بدفع العلاقات بين واشنطن ودمشق على المسار الإيجابي على كافة المستويات.
وكان مسؤول سوري قد علّق على زيارة “هوف” بالقول: “إن سوريا بحاجة إلى دعم تكنولوجي/ أمني لرصد الحدود بينها وبين العراق، وهي حدود تمتد لأكثر من 650 كيلومتراً”. وذكر أحد كبار المسؤولين الأميركيين لصحيفة “الوطن” السورية أن الإدارة الأميركية بصدد “بناء علاقات تعاون أمني بين الطرفين”.
لكن، ماذا يعني هذا “الدفء” الجديد في العلاقات الأميركية- السورية؟
أولاً- بعد طول انتظار، بدأت الدول العربية تدرك أن قطار السلام لا يمر من القاهرة أو سوريا أو عمان أو الرياض! بل إن محطته الرئيسية هي واشنطن، سواء رضينا أم أبينا، وأن الإدارة الأميركية في عهد أوباما قد مدّت يداً طويلة للعرب والمسلمين، كما بدا من خلال خطاب أوباما في القاهرة -كما تمنى العديد من “عقلاء” الأمة أن يقابلها العرب بروح إيجابية تمهيداً لإقامة سلام عادل ودائم وشامل في الشرق الأوسط؛ وحلّ النزاع العربي/ الإسرائيلي. وإذن فبطاقة ركوب قطار السلام لن تقطع إلا في واشنطن.
ثانياً- لقد تفاقمت العمليات الإرهابية في العراق! سواء ضد الجيش الأميركي أم ضد الأطراف المتقاتلة من أبناء الشعب العراقي. كما أن أطرافاً إقليمية أخرى أخذت “تغذي” هذا الاتجاه الدموي تحت دعاوى زائفة، لعل أهمها تخليص العراق من “الاحتلال” الأميركي، وهي دعاوى أخذت تسقط مع كل إعلان أميركي بسحب القوات الأميركية من هذا البلد. ولقد وصلت مخاطر تلك العمليات التي تغذيها “القاعدة” على وجه الخصوص إلى دولة الكويت مؤخراً. ويعلم الله، ما هي المحطة القادمة لـ”قطار الموت”، الذي أخذت سرعته تتزايد في المنطقة العربية. ولذلك، يبدو الاهتمام الأميركي بمحاصرة بؤر “القاعدة”، واضحاً، وإن كان “الرأس” مازال متخفياً في جبال أفغانستان. وقد بدا ذلك جلياً في خطاب أوباما في القاهرة من حيث تأكيده على ضرورة تعقب الإرهاب واستئصال شأفته. وترى الدوائر الأميركية أن بإمكان سوريا أن تلعب دوراً مهماً في هذا الاتجاه، على الأقل لضبط الحدود مع العراق.
ثالثاً- محاصرة تدفق الأسلحة إلى “حزب الله” في جنوب لبنان، عبر الأراضي السورية، أو الدعم اللوجستي السياسي الذي تقدمه سوريا للمنظمات الفلسطينية ومنها “حماس”، حيث تقيم عناصر قيادية من هذا الفصيل في الأراضي السورية. ولذلك، فإن توصل الجانبين الأميركي والسوري إلى صيغة اتفاق أمني، لا بد وأن يشمل هذا الموضوع الذي “يؤرق” إسرائيل من جهة، ويؤرق الحكومة اللبنانية من جهة أخرى. كما أن تسلل ناشطين من “القاعدة” من الحدود المصرية إلى غزة -حسبما ادعى مسؤول إسرائيلي في حديث متلفز الأسبوع الماضي- يِؤرق إسرائيل أيضاً والولايات المتحدة على السواء. ويجعل أمر محاصرة “القاعدة” خياراً محتوماً لدى الطرفين.
رابعاً- إن ظاهرة التصريحات الأميركية، وإن خلت من دعوة أو “التزامات” -إذ صرح بذلك مسؤول أميركي رفيع المستوى، معلقاً على المحادثات الأميركية- السورية، بأن الفريق الأميركي “جاء للتعاون”- فإن باطن التصريحات أو حقيقة الاتفاقيات هو المغزى الأكبر والأهم. فالولايات المتحدة مازالت مقتنعة بأن “حل الدولتين” بالنسبة للصراع العربي/ الإسرائيلي هو الأنسب، حسب اتفاقيات السلام في الشرق الأوسط التي وقعت مع مصر والأردن. وإذا لم تدعم سوريا هذا الاتجاه، فإن تلك الاتفاقيات تغدو ثنائية ولن تلمس جوهر القضية الأساسية. كما أن الأوضاع في كل من لبنان والعراق وإسرائيل رهينة بمدى تحمس سوريا لقطع تذكرة قطار السلام من واشنطن.
خامساً- لقد تغيّرت خريطة الشرق الأوسط بعد توقيع كل من مصر والأردن اتفاقيات سلام مع إسرائيل. وقد ضمنت الولايات المتحدة ألا مواجهات عسكرية أو سياسية تأتي من هاتين الدولتين، لذلك فإن إتمام الصفقة يأتي عبر ضم سوريا لهذه الاتفاقيات. ومن ثم لبنان والعراق، وبقية الدول العربية تباعاً، وإن كان بعضها ضمن “كابينة” ركاب الدرجة الثانية. وهكذا، تضمن الولايات المتحدة “طمأنينة” إسرائيل، وعدم وجود “منغصات” للمزاج الإسرائيلي.
ولذلك كله، فإن التقارب الأميركي- السوري لم يأتِ على خلفية محاصرة تسلل المخربين إلى العراق من الحدود السورية، بقدر ما هو خطة واسعة لإدخال سوريا إلى عملية السلام، وقطع الطريق على الأطراف المستفيدة من بقاء سوريا على “دكة” المحطة بانتظار قطارات أخرى لا تبدأ رحلاتها من واشنطن.
الاتحاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى