اسرائيلالتفاوض السوري الإسرائيليصفحات سورية

مستقبل المفاوضات السورية – “الإسرائيلية”

null
خليل حسين
ضخّت القيادات السياسية والعسكرية “الإسرائيلية” مؤخرا كماً من التصريحات مفادها إعادة النظر بوسائل التفاوض مع العرب وبخاصة مع سوريا، عبر الإيحاء بل التوضيح بأن الوساطة التركية التي بدأت في العام 2006 قد أدت قسطها للعلا. فما مغزى هذه التصريحات والتوضيحات وما خلفياتها وسط مد وجزر من موجات التفاؤل والتشاؤم حول مصير الأوضاع في المنطقة سلماً أو حرباً؟
ربما يكون فعلاً أن دور تركيا قد أدى قسطه للعلا، باعتبار أن المعطى الذي انطلقت منه المفاوضات “الإسرائيلية”  السورية غير المباشرة كان واضحاً، لجهة الأهداف والنتائج. ففي مراجعة سريعة لتاريخ التفاوض بين البلدين، يظهر عدم قدرة أي طرف وسيط حتى ولو كانت دولة عظمى على التأثير في سير المفاوضات، بدليل الدور الأمريكي والروسي في مفاوضات مؤتمر مدريد 1990 ومندرجاته اللاحقة الثنائية والمتعددة. وبمعنى آخر إذا لم تكن “إسرائيل” مستعدّة للسلام فعلاً لا قولاً، فإن أي رعاية وليس وساطة فقط، لن يكون لها دور إيجابي في الوصول إلى نتائج مرجوة أو متوقعة على الأقل.
فالطاقم السياسي الحاكم في “إسرائيل” حالياً، وبخاصة رئيس الوزراء نتنياهو ووزير خارجيته ليبرمان، لديه إيديولوجية خاصة للتعاطي مع شؤون الصراع العربي  “الإسرائيلي”، مفادها استراتيجيات حرب يمكن أن تؤدي إلى فرض شروط سلام، وبالتالي لا مفاوضات تفضي إلى سلام. وما يعزز هذا التوجّه العديد من الأمور تطفو على سطح السياسات الإقليمية والدولية الخاصة بالمنطقة ومنها:
أن الوساطة التركية لجهة حدودها وإمكاناتها ووسائلها وأدواتها ليست مؤهلة للتوصل إلى مكان تكون فيه قادرة على التأثير في مطالب الطرفين، سيما وأن بعضها يُعتبر للطرفين من القضايا الاستراتيجية لا التكتيكية، وبالتالي عملياً وفعلياً هي خارج أطر التفاوض.
أن وسائل التفاوض وأدواته بين الطرفين “الإسرائيلي” والسوري مقرونة بالسوابق، لا تكفي للركون بأن تل أبيب جادة في إمكانية القبول بقرارات الشرعية الدولية وهو أقل الإيمان إذا جاز التعبير، فالمفاوضات التي جرت سابقاً وبرعاية أمريكية تحديداً وبوجود رسائل “تأكيدات وضمانات” أمريكية تنصلت منها “إسرائيل” ولم تعترف بها ومنها “وديعة رابين”.
أن الظروف السورية الحالية هي بأفضل حال من التي سبقتها، وبخاصة فترة المفاوضات غير المباشرة في العام 2006 وما تلاها، وبالتالي تعرف “إسرائيل” مسبقاً بأن سوريا ليست مستعدة للتراجع عن أي من الثوابت التي تقف خلفها، وبالتالي سيؤدي ذلك إلى المزيد من سياسة التعنّت التي تجيدها تل أبيب لشراء الوقت لتحسين شروطها التفاوضية إذا كانت جادة بذلك في الأصل.
أن الأولوية الحالية للحكومة “الإسرائيلية” الحالية وإن كانت تظهر محاولة التفاوض مع سوريا بهدف إبعادها عن إيران، ليست ملفات التفاوض مع دمشق، فهي تتخبط بسيناريوهات متعددة، منها إضعاف الموقف العربي بدءاً بضرب مقاومة الفلسطينيين واللبنانيين وصولاً إلى إضعاف القوى الداعمة لهما وفي مقدمتها إيران.
أن إشارة بنيامين نتنياهو في تصريح له من قاعدة عسكرية جوية في شمالي فلسطين، أن لا رياح حرب من الشمال في إشارة إلى لبنان، قد هدف إلى الغمز من قناة أن “إسرائيل” تتهيأ لضرب إيران وعندها لن تكون بحاجة لمفاوضات مع أي طرف عربي إذا تمكنت من لي ذراع طهران.
وما يعزز هذه الفرضية، الوقت المعطى للمفاوضات الغربية مع إيران حول البرنامج النووي وهو بدأ يضيق فعلاً باتجاه سبتمبر/ أيلول، وفي قراءة سريعة تفيد أن طهران تمكّنت من التفلّت ببراعة من كل المواعيد والوعيد، وبالتالي فإن الظروف التي تتمناها تل أبيب ستظل قائمة وبالتالي ستمضي في الخيارات العسكرية على كل الجبهات شرقاً وشمالاً، وبالتالي لن تكون ثمة فرصة للمفاوضات في أي اتجاه.
إن إدارة باراك أوباما سعت منذ البداية للانفتاح على سوريا على قاعدة كسب الود وإبعادها عن خصومها في المنطقة ومنها إيران، وبالتالي فإن الإدارة الحالية لم تقدم حتى الآن أي معطى جديد باتجاه مفاوضات جادة مع سوريا، بل إن واشنطن أعطت الأولوية في هذه الملفات للفلسطينيين وليس لملفات السلام وجل ما مضت به واشنطن طرح موضوع تجميد الاستيطان بدلاً من التوسّع الذي مشى به نتنياهو. باختصار إن الموقف الأمريكي من مفاوضات السلام في المنطقة لا يعدو كونه مشروعاً مرتبطاً بالآليات والشروط “الإسرائيلية” وليس مشروعاً أمريكياً قابلاً للبناء عليه.
إضافة إلى ذلك، فإن الانقسام العربي الحاد في الرؤية تجاه وسائل الصراع وآلياته مع “إسرائيل”، وتقسيمهم بين معتدلين ومتطرفين أعطى فرصاً إضافية لقادة “إسرائيل” للمضي في سياسة تقطيع الوقت والاستمرار في اتجاه التفكير في الحلول العسكرية لمآزقها ومشاكلها والهروب إلى الأمام من أي استحقاق محتمل.
في الواقع لقد قدم العرب الكثير من التضحيات إن لم نقل التنازلات منذ العام 1948 وحتى الآن، وفي المقابل لم يحصلوا أو لم يحصدوا سوى القبول بما كانوا رفضوه قبلاً، وذلك يعود لغياب الاهتمام بالقضية المركزية وهي فلسطين التي تأسس فيها وعليها الصراع مع “إسرائيل”، وبات التحوّل نحو القطرية بمفهوم “أولاً” هو الذي يحكم محددات السياسات والعلاقات وحتى التحالفات.
ثمة ضرورة لإعادة إنتاج موقف عربي موحد تجاه القضايا المركزية العربية ومنها استراتيجية السلام أقلها “المبادرة العربية للسلام” التي أقرت في قمة بيروت، إضافة إلى تشكيل شبكة أمان تجاه الدول والمواقع المعنية بالصراع مع “إسرائيل” وتحديداً سوريا والمقاومة في لبنان وفلسطين. فكفى العرب وعوداً أمريكية ووعيداً “إسرائيلياً”، قبل أن يستيقظوا على عدوان جديد يرجعهم إلى الوراء عشرات السنين ليكتشفوا أنهم خارج الجغرافيا والتاريخ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى