زيارة المالكي لدمشق.. المعلن والخفي
حسين العودات
زار نوري المالكي رئيس وزراء العراق سوريا قبل يومين، وكان للزيارة وجهان أحدهما معلن والآخر مخفي، فالمعلن منهما هو ما تناولته التصريحات الرسمية العراقية قبل أيام والمتعلق بتطوير العلاقات بين البلدين في مختلف المجالات الاقتصادية والتجارية والسياسية، من النفط ومروره، إلى المياه وتقسيمها، إلى التبادل التجاري، والمناطق الحرة الصناعية والتجارية وأوضاع العراقيين في سوريا.
والقائمة طويلة ومهمة لكل من البلدين، مثل مرور النفط، وتقاسم المياه الذي لم يستطع البلدان حل مشكلته طوال الأربعين عاماً الماضية، مما شجع تركيا أن تتعامل مع مياه نهري دجلة والفرات على أساس أنهما نهران محليان (تركيان) وليسا نهرين دوليين، فبنت سدوداً عليهما واستحوذت على مياههما، وباستطاعتها الآن حجز مياه النهرين كاملة.
وليست مشكلة المياه هي الوحيدة التي تقتضي اتفاق البلدين وتوحيد موقفهما تجاهها، وإنما هناك مشاكل عديدة لا تحتمل الانتظار، من المفروض البت بها، وتنفيذ الاتفاق على سياسة موحدة بشأنها، يشير إليها عادة الناطقون الرسميون العراقيون عند كل زيارة لرئيس الوزراء المالكي إلى سوريا (كانت آخر زيارة قبل سنتين بالتمام والكمال) دون أن ينفذ شيئاً جدياً من الاتفاقات التي تعقد عادة.
أما الجانب غير المعلن من أهداف هذه الزيارة فيبدو أنه هو الأساس فيها ويحتل الأولوية الأولى، وربما لولاه لما كانت هذه الزيارة، وأعني بهذا الجانب المسكوت عنه من القضايا الأمنية، وتواجد بعض قيادات المقاومة العراقية المسلحة والسياسية في سوريا، ومحاولات المالكي عقد صفقة معها أو كسبها، أو إيجاد صيغة للتعاون بينه وبينها في الانتخابات التشريعية العراقية القادمة في يناير المقبل.
وباختصار فإن الهدف غير المعلن للزيارة هو هدف يهم المالكي وحزبه ومعاركه الداخلية وتحالفاته مع القوى السياسية قبل أي أحد آخر أو جهة أخرى، ومحاولة للاستفادة من النفوذ السوري لدى المعارضة، وربما في داخل العراق، لتحقيق انتصارات انتخابية مقبلة تتيح للسيد المالكي أن يحكم أربع سنوات مقبلة.
قبل أيام من زيارة المالكي، استقبلت الخارجية السورية وفداً يضم جنرالات من القيادة العسكرية للجيش الأميركي في العراق، رافقه مختصون من وزارتي الدفاع والخارجية الأميركيتين، وأعلن الجنرالات الأميركيون أنهم جاءوا لبحث مشكلة الأمن في العراق، وسرعان ما رد عليهم الناطق باسم الحكومة العراقية مستنكراً تصريحاتهم.
ومؤكداً أن أمن العراق هو من صلاحية الحكومة العراقية وحدها، ومن مهماتها وليس من مهمات غيرها، كما أعلن أن رئيس الوزراء نوري المالكي سيزور سورية، مما أوحى أنه سيرد على الموقف الأميركي ليؤكد أن أمر الأمن يقع ضمن صلاحياته، وبغض النظر عن السجال الأميركي ـ العراقي ومحاولة كل طرف تنصيب نفسه وكيلاً على أمن العراق.
فإن الهدف من حل مشكلة الأمن لدى المالكي ليس هو نفسه هدف الأميركيين، فهؤلاء يبحثون عن تسهيل انسحابهم من العراق، وخلاصهم من الورطة التي وقعوا فيها، أو على الأقل الوصول لتدبر الأمور بأقل الخسائر، سواء التي تتسببها العمليات التفجيرية أم تلك التي تمارسها المقاومة العراقية المسلحة، لأن الأميركيين يعتقدون أن أسلحة العمليات التفجيرية وفدائييها، وأسلحة المقاومة العراقية، إنما تمر من سوريا.
وأن مفتاح تحجيمها تملكه سوريا، بينما سعى المالكي إلى عقد حوارات مع القيادات السياسية العراقية المعارضة الموجودة في دمشق والتي تشارك في الإشراف على المقاومة المسلحة، ولها نفوذ كبير في بعض مناطق العراق ولدى بعض عشائر العراق، سواء من الضباط السابقين أو قيادة حزب البعث أم من رؤساء العشائر، وذلك كي تساعده ليبدو كرجل دولة قادر على لم شمل العراقيين وتحقيق وحدتهم الوطنية، وأنه لجميع العراقيين وليس لفئة بعينها، مما يساعده على فك تحالفه مع حزب السيد الحكيم.
والنجاح منفرداً في الانتخابات المقبلة، ويوحي في سعيه لعقد مثل هذه المحادثات والإصرار عليها بأنه رجل الوحدة الوطنية العراقية عابرة الطوائف، ليستفيد من قوى المقاومة السنية، والقوى السياسية المعارضة ونفوذها في وسط العراق وبعض جنوبه، في توسيع دائرة التحالف، والحصول على أكثرية مريحة تطلق يده في حكم العراق، إنما المشكلة التي واجهها المالكي خلال زيارته لسورية، هي أن القوى السياسية المعارضة طالبته بحل سياسي شامل، يتناول الداخل العراقي بمختلف تفصيلاته.
والعلاقة مع الأميركيين حاضرا ومستقبلاً، وهو عاجز عن الوعد بمثل هذا الحل، أو الوصول إليه، لأنه واحد من شركاء عديدين، داخلياً وخارجياً، وغير قادر فعلياً على تحقيق رغبة المعارضة السياسية والمقاومة المسلحة العراقية، حتى لو رغب بذلك.
ماذا عن الموقف السوري؟
السياسة السورية حذرة من استمرار الوجود الأميركي في العراق، وهي على قناعة بأن الأميركيين لن يخرجوا كلياً منه، وستبقى لهم قواعد دائمة أو شبه دائمة تحت أية صيغة، وهذا يهدد أمن سورية، وقد عبرت السياسة السورية لحكومة المالكي أكثر من مرة عن موقفها هذا، وطالبت بانسحاب أميركي كامل وحقيقي.
وهي تشارك المعارضة العراقية رأيها وتتبناه. وترى أن هذه المعارضة محقة في موقفها، ولذلك تستضيفها وتدعمها سياسياً، وهذا ما فعلته، ونفذته عملياً عندما رفضت طلب حكومة المالكي أكثر من مرة منذ مطلع العام الحالي تسليم بعض الضباط السابقين، أو طرد بعض القياديين السياسيين، وفوق هذا وذاك فإن سوريا غير مرتاحة للنظام العراقي الطائفي القائم على المحاصصة الطائفية، وتعتبره نظاماً شديد الخطورة على سوريا وعلى دول المنطقة، ولذلك ترى أنه ينبغي عليها أن تبقى حذرة تجاهه.
* “البيان” الإماراتية