نظام سوريا ومهنة – المرابي – الاقليمي
صلاح بدرالدين
منذ قدوم الادارة الأمريكية الجديدة وانحيازها للتوجهات السياسية الاستراتيجية التي ظهرت ملامحها في تقرير بيكر – هاملتون بخصوص التخلي عن خطط وشعارات الادارة السابقة المعلنة في الدعوة الى مواصلة عملية التغيير الديموقراطي ومعالجة ملفات حقوق الانسان والاصلاح والمرأة في بلدان الشرق الأوسط بمافيها الحليفة لها بعد نجاحها الأولي في أفغانستان والعراق بدأ نظام الاستبداد في بلادنا يشعر بنوع من الارتياح على مصيره الذي كان عرضة لمختلف الاحتمالات ومن بينها اشتداد الضغوط الخارجية تناغما مع المعارضة الوطنية في الداخل والخارج وسعي السوريين للخلاص خاصة بعد تأمين الجانب الاسرائيلي حيث كل الدلائل تشير الى رغبة تل أبيب في الابقاء على النظام السوري الراهن كأفضل الخيارات المتاحة لأمنها بحسب مراكز البحث ومواقف دوائر القرار هناك بل والشروع في التفاوض معها عبر الوساطات التركية والأوروبية والأمريكية ويستعيد – كما يعتقد صانع القرار في دمشق – في الوقت ذاته دوره المحوري في اللعب على التناقضات الاقليمية ” كمرابي ” بشكله الجديد الدولتي الذي أرساه السلف كنهج وطريقة للتعامل مع الأحداث والمستجدات واختلاق وتسعير الأزمات بما فيها العمل الارهابي ومن ثم ادارتها متقمصا دور ” الحامي والحرامي ” بحثا عن الثمن وخاصة مع الورقة الأيرانية مابعد – ثورة الخميني – التي تحولت الى مصدر مالي أساسي في ادامة النظام وتعزيز قاعدته الأمنية بعد أن برع الدكتاتور الراحل في استغلال ايران لأكثر من عقدين من الزمن كعصا وبقرة حلوب بتخويف أنظمة الخليج الكرتونية الهشة بها وابتزازها في الوقت ذاته ماديا وسياسيا .
المشهد الدمشقي المألوف
في عهد نظام الأسد الأب كانت مهنة ” المرابي ” رائجة في الساحة اللبنانية حيث يتم خطف الأجنبي والدبلوماسي والخصم السياسي في مئات الحالات وطوال أعوام الحرب الأهلية اما مباشرة من جانب أجهزة الأمن السورية المهيمنة على مقدرات البلد الشقيق والمنتشرة في كل زاوية من الأرض اللبنانية أو من قبل أفراد وفرق المرتزقة المحليين بأسماء المنظمات والحركات التابعة للنظام والموالية له من حركة أمل وحزب الله مرورا بالبعثيين والقوميين وشخصيات من الاقطاع السياسي وطغم كارتيلات تجارة الممنوعات في البقاع ومنظمات تمتهن الارهاب وسرعان ما تجري المفاوضات عبر الوسيط السوري وتتم المقايضات وتدفع الأثمان ويفك أسر المخطوف ليتلقى النظام رسائل الشكر والامتنان من حكومات ورؤساء .
في عهد نظام الأسد الابن الوارث وبفضل الخبرة الأطول لطاقم ” المراباة ” المحاط الذي بقي على حاله من دون تبديل يذكر أصبحت المهنة أكثر رواجا وتعددت الساحات وتوسعت الأزمات الى درجة أن زوار دمشق الرسميين وخلافهم في الآونة الأخيرة يقتصرون على الوسطاء وسعاة الخير وحاملي مشاريع المقايضات حول قضايا الأمن والارهاب .
– الوفود الأوروبية تتواصل راجية دمشق من أجل سيادة لبنان وترسيم الحدود وعدم التدخل في شؤونه ووقف امداد حزب الله بالسلاح والتفاوض مع اسرائيل .
– المبعوثون الأمريكييون لايغيبون عن سوريا في سبيل نفس الرغبات الأوروبية مضافا اليها الحد من ارسال الرجال والعتاد الى العراق والكف عن التقتيل والتفجير والتفخيخ .
– الأتراك الغاصبون للواء الأسكندرون أصبحوا أكثر قربا و – مونة – ويطرحون أنفسهم وسطاء في المفاوضات المباشرة وغير المباشرة بين سوريا واسرائيل وتحولت دمشق الى العاصمة الثانية لمنظر – المجال الحيوي التركي – د أحمد داود أوغلو .
– البلدان الأوروبية فرادى تتبارى في كسب ود دمشق وضرب الرئيس الفرنسي ووزير خارجيته الرقم القياسي في ارسال آيات الشكر والامتنان لدكتاتور سوريا الشاب ليس لأنه لم يشعل الحرب الداخلية في لبنان – وهذا فضل كبير ! – بل لمساعيه الحميدة في اطلاق سراح الطالبة الفرنسية – كلوتيلد ريس – من سجن – أفين – بطهران .
– الأمريكييون والأوروبييون علنا أو عبر قنوات خلفية يتمنون على رأس النظام السوري بالتدخل للافراج عن العسكري الاسرائيلي – جلعاد شاليط – الأسير لدى حركة – حماس – وحل مشكلة النووي مع ايران .
– الرئيس الفلسطيني يهرع الى دمشق طالبا رأس النظام بالضغط على قيادة – حماس الدمشقية – لقبول التفاوض والمصالحة الوطنية والسماح لمندوبي المؤتمر السادس لحركة فتح في غزة لحضور المؤتمر في بيت لحم .
– رئيس الحكومة العراقية يدعو نفسه لزيارة دمشق راجيا ومتمنيا على رأس النظام الكف عن قتل العراقيين واخراج الارهابيين العراقيين المطلوبين من سوريا .
– الرئيس اليمني يبعث موفدين الى دمشق لحث الرئيس الدكتاتور على اقناع حليفه الايراني بوقف دعم – الحوثيين – الشيعة الزيديين بالمال والسلاح والعتاد .
– ملك المغرب يكلف مستشاره السياسي بزيارة دمشق للتمني على رأس النظام بابلاغ حلفائه الايرانيين بوقف الدعوة – للتشيع – في المغرب .
– العاهل السعودي يرسل مبعوثا تلو الآخر بالسر والعلن راجيا أخيه في العروبة الدكتاتور بشار الأسد على تلطيف الأجواء اللبنانية ليتم تشكيل الحكومة العتيدة مبديا استعداده لتنفيذ كل رغباته المالية وغيرها .
– الأردنييون لايريدون سوى ود الرئيس الدكتاتور وكف شره عنهم .
– قادة الامارات وقطر وعمان والكويت يدفعون الجزية بالمال والموقف السياسي ويتمنون على الرئيس الدكتاتور عدم ارسال الارهابيين القتلة الى بلدانهم واقناع ايران بالانسحاب من الجزر العربية المحتلة وعدم خلق المشاكل الداخلية في بلدانهم .
المضحك المبكي في هذه القضية أن هذه الاطراف من الادارة الأمريكية الى عمان مرورا بأوروبا تدرك تماما تورط النظام السوري قديما وحديثا في جميع مواقع التوتر والأزمات بالمنطقة وأنه الشريك الأساسي لنظام طهران في كل ما حيك ويحاك من مؤامرات وخطط وتفجيرات وفتن وهذا ان دل على شيء فانه يدل على وهن عزيمة المجتمع الدولي في مواجهة الارهاب والارهابيين رغم كل الآمال المعقودة عليه وقبول الدكتاتورية والاستبداد الجاثمان على صدور الشعوب لقاء مصالح ضيقة وعلى نوع من السذاجة في الادارة السياسية للبلدان العظمى والكبرى تجاه شعوب الشرق الأوسط وقضاياها تحديدا ولاأرى حاجة في توصيف حالة الأطراف الاقليمية المعنية المجاملة للسياسة السورية لأنها لاتستحق عناء التوصيف أولا وهي متعودة أصلا على الاذلال الذي كانت تعانيه من أمثال المقبور صدام حسين .
الحوار المتمدن