العامل الذاتي ودوره في تحقيق التغيير في إيران
جابر احمد
كشفت التطورات الدراماتيكية التي شهدتها الساحة الايرانية، بعد انتخابات الدورة العاشرة لرئاسة الجمهورية، الغطاء عن العجز الواضح لدى الاحزاب و المنظمات المعارضة للنظام منذ ما يربو على ثلاثة عقود. فقد اكتفت بدور المراقب لا بل المتتبع لما يجري عبر شاشات التلفزة المحلية و العالمية شأنها شأن سائر المتهمين باشان الداخلي الايراني.
ولكوني من المدركين لهذه الحقيقة (حقيقة ضعف العامل الذاتي)، فقد كنت اكثر الاهوازيين تشائما حيال ما يجري حاليا في ايران باعتبار ان ما حدث سوف يسفر عن تغييرات جوهرية تشمل اركان النطام القائم وتطيح برموزه التي اشبعت الشعوب الايرانية ظلما وقهرا واضطهادا على المستويين الاجتماعي – الاقتصادي والفقومي.
يرجع تشكل الاحزاب و الجمعيات في ايران الى البدايات الاولي من القرن الماضي. كما ان حركة الدستور والتي يطلق عليها الايرانيون اسم “انقلاب مشروطيت” والتي مر عليها من 100 ونيف، تعد من اهم الحركات السياسية انذاك. حيث جاءت هذه الحركة تلبية للتطورات التي تعرضت لها البنبة الاقتصادية – الاجتماعية في داخل ايران من جهة، ولتسارع التطورات الخارجية لا سيما على مستوى التجارة من جهة اخرى .(1)
بالاضافة الى ذلك، فقد شهدت ايران في الفترة الواقعة مابين 1900 وحتى قيام الحرب العالمية الثانية التي بدأت عام 1939 و انتهت 1945 نشوء عدة حركات واحزاب منها حركة كوجك خان في جيلان عام 1915، كما عقد الحزب الشيوعي الايراني الذي ابدل فيما بعد اسمه الى حزب الجماهير “تودة” اول مؤتمر له عام 1920. كما شهدت ايران الاعلان عن قيام جمهوريتين تدعوان الى اقامة حكم ذاتي في ايران: الاولى جمهورية مهاباد الكردية عام 1943 و الثانية جمهورية اذربيجان عام 1944.
ويلاحظ المتتبع لاوضاع هذه الحركات والاحزاب انها فشلت في فرض وتحقيق مطالبها نتيجة لضعف العالمل الذاتي وكذلك لفشل تلك الحركات في طرح برامج سياسية واجتماعية تتماشى مع الواقع الايراني واتمكنها من تقوية اللحمة التي من المفترض ان تقومها بينها وبين الطبقات والفئات والشرائح التي تمثلها. يمكن القول ان فشل تلك الحركات و الاحزاب بالاضافة الى العامل الذاتي يرجع لاسباب عدة لا تسمح هذه المقالة بتناولها بالتفصيل، وهي باختصار فقدان النضج السياسي لدى الشارع الايراني بكل مكوناته القومية و الاجتماعية وخاصة لدى الفلاحين الذين كانوا انذاك يشكلون الغالبية العظمى من نسيج المجتمع الايراني .
اما حركة مصدق و التي انبثقت عام 1952، عقب الفشل الذريع الذي لحق بالحركات الانفة الذكر، فانها وبحكم تعارض مصالحها كبرجوازية وطنية مع مصالح الرأسمال الاجنبي الذي نافسها واكتسح اسواقها التقليدية، اتخذت خطوات هامة نحو تخليص ايران من التبعية، الا انها وبسسب تنوع مواقع القائمين عليها لم تتخذ خطوات هامة على طريق دمقرطة ايران لان مصالح القائمين عليها ايضا كانت تتناقض مع مصالح عموم الكادحين من ابناء الشعوب الايرانية. لذلك فانها لم تطرح برنامجا شاملاً للتغيير كما حدث لدى مثيلاتها من البرجوازيات في البلدان الاوروبية. على سبيل المثال، ظلت العلاقة قائمة بينها وبين شرائح واسعة من الاقطاعيين وغيرهم .
ان هذه الحركات تاريخيا، ونتيجة لضعف العامل الذاتي، قد اجهضت في اول تحرك ضدها سواء كان هذا التحرك داخليا ام خارجيا وهذ ا ما اثبتت صحته السنوات و العقود الماضية.
إن انتصار الثورة الايرانية جاء بفضل الشخصية الكاريزمية للامام الخميني وتواصله مع الجماهير من جهة، ورغبة الغالبية العظمى من ابناء الشعوب الايرانية في التغييرمن جهة اخرى. ولعل العامل الاساسي في فشل الثورة الايرانية والانحراف الذي اصابها بالابتعاد عن مبادئها الاساسية هو بفعل ضعف العامل الذاتي سواء لدي الاحزاب والحركات ذات التوجه القومي العنصري الايراني او اليساري. ناهيك عن ضعف الحركات القومية للشعوب الايرانية بدءاً من تلك التي تنادي بالاستقلال الى تلك التي تطالب باقامة حكم ذاتي لها في اطار ايران.
لقد تحدثت الادبيات الكلاسيكية عن توفر ثلاث عوامل للتعيير يتلازم بعضها مع بعض لوقوع اي حركة تغييرية في العالم.
العامل الموضوعي: وهو مجمل التطورات التي تحدث في كل مجتمع والتي تسير ضمن قوانيين خاصة بها. ومثلما لا نستطيع التحكم بالفصول الاربعة و الظواهر الطبعية الاخرى ، فاننا مهما فعلنا لا نستطيع الوقوف في وجه التطورات الموضوعية. على سيبل المثال التطورات التي شملت البنية الاقتصادية – الاجتماعية الإيرانية منذ مطلع القرن العشرين حتى الوقت الراهن والتي جعلت من ايران بلدا راسماليا يشكل اقتصاده جزءاً من اقتصاد الراسمال العالمي.
العامل الذاتي: وهو الحزب او الاحزاب والمنظمات .ومدى دورها في قيادة الجماهير
فهذا العامل و التي اشرنا الى بعض جوانبه في بداية هذه المقالة هو اليوم اما ضعيف بسبب انقساماته على نفسه او انه غير فعال بسبب تواجده في الخارج و بعده عن الساحة الايرانية. كما جاء فشل التجربة السوفيتية و قيام القطب الواحد الى ازمة انعكست اثارها على العامل الذاتي وخاصة اليسار منه، بحيث اخذ هذا العامل ينشطر وينقسم على نفسه حتى فقد جوهره ورحه الاصلية، الامر الذي فسح المجال لجماعات وكتل من داخل النظام تتعالى اصواتها من اجل ادخال اصلاحات ولو جزئية في هيكلية النظام القائم واخراجه من ازمته الاخلاقية و الاقتصادية والاجتماعية.
الوضع الثوري: وهو يتمثل بوجود ازمة بين القمة و القاعدة. فلا القمة تريد ان تستمر بحكمها للقاعدة كما هو عليه في السابق و لا القاعدة تريد ان تحكمها القمة مثلما كانت تحكمها في السابق. قيحدث شرخ عميق في بنية المجتمع السياسي يعبر عنه على شكل مظاهرات و احتججات تتحول الى الثورة او الى التغيير. وما جرى في ايران يؤكد على توفر الظروف لوجود مثل هذا العامل.
اما الاحتجات التي حدثت في ايران والتي اعقبت تنصيب احمدي نجاد كرئيس للجمهورية الايرانية رغم اهميتها وشموليتها ورغم .البسالة و الشجاعة التي ابداتها الجماهير، الا انها لم تتطور ولم تستمر كما بدأت ولعل سبب ذلك يعود الى ضعف العامل الذاتي من جهة، واصطفاف الطرف الاخر ولجوئه الى القمع من جهة اخرى، الامر الذي افقدها قوتها و زخمها التي انطلقت فيه في الايام الاولى من اندلاعها. من هنا لا بد لنا من تذكر هذا الامر اي العامل الذاتي و العمل على تقويته عبر طرح برنامج واسع او عبر جبهة وطنية او تحالفات تجمع هذا الطرف او ذاك فيما اذا اردنا حدوث تغيير حقيقي في ايران. وبدون ذلك، سيبقى النظام الإيراني الحالي، نظام ولاية الفقيه، وبفضل العصا الغليظة للحرس، يصول ويجول وجاثما على صدورنا دون ان يتمكن احد من ردعه.
وهنا في ظل تشابك المصالح العالمية، لا بد من اعطاء العامل الخارجي دروا مهما في اي تغيير مرتقب في ايران. فالاحداث التي شهدتها العديد من البدان، وخاصة منها بلدان الجوار واخص بالذكر منها العراق وافغانستان، كان للعامل الخارجي دور كبيرا في اسقاط انظمة الحكم فيها. وفي هذا المجال، يمكن القول ان المجتمع الدولي والدول العظمى لا تزال مترددة في اتخاذ مواقف حاسمة ضد ايران.
لقد بدات ايران ثورتها الوطنية .الديمقراطية منذ ما اكثر من مئة عام الا انها و لهذه اللحظة لم تتمكن من تحقيقها. ترى هل سوف تتوفر الظروف لتضافر تلك العوامل الاربعة لنجاح التغيير في ايران ام لا؟ التجارب التاريخية تجيب بالايجاب و لكنها لا تجيب متى وكيف!!
(1) راجع مقالة الكاتب ثورة الدستور في ذكرها 98، الاسباب و المعوقات
* صحفي اهوازي