بازار الدم العراقي
امين قمورية
هل بدأت حرب وراثة اميركا في العراق؟
وحتى يكون السؤال ادق ، نطرحه بصورة مغايرة: هل بدأ الصراع على مخلفات الاحتلال الاميركي في العراق؟ او على القليل القليل الذي تنوي واشنطن تركه للعراقيين، وتسعى الدول المجاورة لهم الى مشاركتهم فيه او تناتشه منهم؟
يكفي ان نسمع كيف يتبادل المسؤولون العراقيون الاتهامات في شان من يتحمل المسؤولية عن مجازر التفجير التي ارتكبت في بغداد اخيرا، لادراك حجم الصراع بين العراقيين على ما بقي من العراق، وحجم “حرب الآخرين، على هذه البقية الباقية، ولادراك ان الذي يحصل في العراق اليوم ليس الا البداية وان الآتي اعظم !
اصلا، ان وزير الخارجية هوشيار زيباري “بشّر”، بعد معاينته مقر وزارته في بغداد التي مزقها الانفجار الكبير، بان “القادم اكبر”. لكنه قبل ان يصل الى هذه الخلاصة المأسوية التي لا تبشّر بالامل، ادلى بدلوه في الاتهامات ووجه اصابعه للمرة الاولى الى الاجهزة الامنية المولجة حماية النظام. اي انه اتهم بعض من في السلطة بتوفير الغطاء لضرب البعض الآخر في السلطة نفسها !
وعلى النقيض منه رمى رئيس الوزراء، “المحرج حتى اذنيه”، نوري المالكي كرة الاتهام كالعادة في ملعب “التكفيريين ” والبعثيين. لكن هذا الكلام الممجوج والمتكرر يفهمه نصف العراقيين على انه اتهام ضمني للسنة العرب. وهذا من شأنه تعريض “الانقلاب الوطني الجديد” الذي يوحيه المالكي للخطر وتعقيد الامور سياسيا وطائفيا، وتاليا امنيا. وبينما هو يرمي اتهامه في اتجاه معيّن، فان القريبين منه يلقون التهمة في اتجاه آخر، على المتضررين من “التفافه الوطني” وخروجه من الائتلاف الشيعي. اي بمعنى اخر، اتهام بعض الاحزاب الشيعية “الصديقة” لايران باحراج المالكي لاخراجه.
وفيما ترتفع اصوات شيعية “مسؤولة” متهمة السعودية، ومعها مصر والاردن، بتوجيه “التكفيريين” و”الانتحاريين” الذين يقودون الشاحنات المفخخة، ذهبت اصابع وزير الدفاع بوضوح الى ايران وحليفتها سوريا كفكي “شر” يحوطان الرقبة العراقية. غير ان كلام هذا الوزير لم يعجب زميله وزير الداخلية الذي اكد تعاون طهران ودمشق في ضبط الحدود، وكأنه بذلك يرمي الاتهام في محل آخر.
اي من الوزراء وموزعي الاتهامات على حق؟
صدّقوا الجميع. فجميعهم على صواب. فكل الذين طالتهم اصابع الاتهام، ان لم يفعلوها اليوم فربما فعلوها في الامس، او سيفعلونها غدا ، في زحمة التهافت على تقاسم ما تبقى من الجبنة العراقية .
في الداخل صراع محموم بين الطوائف والمذاهب والاحزاب على السلطة والمنافع والمناصب والمغانم، وعلى توسيع حزام النفوذ وتثبيت الامر الواقع في ظل زوال معايير التوافق والتماسك والوحدة الوطنية وغياب الآليات الناظمة أديموقراطية كانت ام ديكتاتورية. والجميع “مزحوم”، فمن لم يكرّس قوته على حساب الآخرين اليوم، قد يضيّع الفرصة الى الابد. فلا عجب ان تفك تحالفات وتعقد اخرى، وان تبدل رايات وتسقط اخرى. وعندما يرخص الدم يسهل اهداره بغزارة.
ومن الخارج، يبدو التسابق على الحصص العراقية السائبة اشد واقوى. ايران صاحبة الحدود المترامية مع العراق التي تخشى ان يعود جارها قويا فيؤرقها او متداعيا فينهكها، تسعى الى تثبيت اوسع نفوذ ممكن لها فيه حتى يطمئن بالها ويزداد شعاعها الاقليمي . والسعودية، الخصم اللدود لايران ومنافسها على النفوذ، لا تقبل بدورها باقل حصة “ضامنة” او “معطلة” لـ “حلفائها الطبيعيين” في العراق في اي سلطة عراقية مقبلة. ويساندها في ذلك الاردن ومصر. وفي المقابل، سوريا التي على غرار سياستها في لبنان، لا يريحها ان تتحكم “اكثرية” عددية او مذهبية بالعراق حتى ولو كانت هذه الاكثرية موالية لحليفتها ايران، فهي لاتطمئن إلا الى حصتها “النظيفة”. ومثلها تركيا الباحثة عن دور اقليمي يليق بحجمها .
ووسط زحمة الحرب في العراق وعليه، فاي امل يرتجيه العراقيون. وكيف للاستقرار في المنطقة ان يستتب وهو معلق في انتظار بازار الدم العراقي المفتوح بلا توقيت وبلا رحمة.
النهار